رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الفارس الذى أنقذ كأس العالم

أعتقد أنه بالنظر لما كنا نفعله نحن الأوروبيين على مدار الثلاثة آلاف عام الماضية يتعين علينا الاعتذار عن الثلاثة آلاف سنة القادمة قبل أن نبدأ فى إعطاء دروس أخلاقية للناس. هذا جزء من المؤتمر الصحفى لجيانى إنفانتينو رئيس الفيفا الذى عقد عشية بداية كأس العالم الذى بدأ فى قطر 20 نوفمبر, وبعد أن كثر اللغط وزادت مراهنات الإعلام الغربى وتجبر بعض لاعبى الفرق الكبيرة خصوصا بريطانيا وهولندا وألمانيا. كان المؤتمر صادقا وكاشفا. مفارقة المعايير المزدوجة تفاقمت كثيرا فى السنوات الأخيرة للعيان وأصبحت واضحة للجميع.

بات جليا واضحا للجميع أن الغرب وجميع مؤسساته وغالبية مواطنيه حينما يتحدثون عن الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم يقصدون أنفسهم فقط ولا يعيرون أى عقيدة وأى بلد آخر التفاتا واهتماما.

ولنأخذ حالة قطر حاليا. هى الدولة العربية التى حظيت بتنظيم إقامة كأس العالم على أرضها لما تتمتع به من إمكانات مادية فائقة، وفعلا وبشهادة العالم كله كانت على قدر المسئولية فى استعداداتها للبطولة لدرجة الإبهار. ومنذ إعلان فوزها بذلك الشرف الرفيع منذ 12 سنة بدأ الهمز واللمز المستدامان وسارت الأمور وكل يوم يخرج خارج وينتقد الفيفا الذى منحت قطر ذلك الأمر. ورغم ذلك استطاعت قطر تفادى كل العوائق التى وضعت فى مسار تنظيمها للبطولة. عندما زاد الضغط والهجوم من وسائل الإعلام الغربية على قطر وظهر بعض لاعبى الفرق الأوروبية فى رفع راية العصيان على قطر لتجرئها وإعلانها أنه لن تسمح بارتداء شارة الدفاع عن الجماعات المثلية لتعارض ذلك مع دينها وعرفها وقيمها، وتمنع شرب الخمور والبيرة فى المدرجات مثلما يحدث بالغرب, هاج الكثيرون من المتعالين فى الغرب. كان منع تلك الراية هو القوة الدافعة وراء القلبة الغربية على تنظيم قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم، ولتحقيقها استخدمت الكروت الأخرى لدفع قطر الى الرضوخ والسماح للفرق الغربية بحمل تلك الراية والعصيان كرمز لقبول تلك الجماعات فى كل الأمكنة وليس الغرب فقط ولا تهم مشاعر الآخرين. عندما رفضت قطر ذلك صراحة، هاجم الإعلام الغربى قطر وأخرج من الأدراج قضايا حقوق الإنسان لابتزاز قطر، أهمها قضايا العمالة والهجرة، وكيف أن هذه العمالة تتعرض للاضطهاد فى قطر، وأن قطر بالتالى ترتكب كثيرا من مخالفات حقوق الإنسان وبالتالى فهى غلطة كبرى من جانب الفيفا أن يسند لقطر تنظيم كأس العالم ولا مانع من الوقوف ضده ولو اقتضى الأمر إفشال البطولة الحالية. ولمزيد من الضغط والتحميس لبعض لاعبى الكرة فى الفرق الغربية صرح كثير منهم بأنهم سيرتدون تلك الشارة دعما لجماعات المثلية ومناصرة لحقوقها. أدرك الفيفا أن الأمور تتفاقم خصوصا بعد الإصرار القطرى على رفض ذلك. وخوفا على فشل البطولة خرج رئيس الفيفا وكأنه فارس مغوار فاض به التجبر والتكبر من الغربيين بنى جلدته ليوضح للعالم الموقف الرسمى للفيفا وكان واضحا فى كل ما قاله، وبدأ حديثه أن العالم جاء إلى قطر ليلعب كرة قدم وينافس فيها فقط وعليه صدرت تعليمات تم إرسالها لكل الفرق أن من يحمل تلك الشارة سيتعرض للعقوبات. وقال ضمن ما قال: الشعارات والدروس الأخلاقية تنم عن النفاق، وظروف العمال فى دولة قطر أفضل من ظروف المهاجرين فى أوروبا.

لقد استطاع جيانى إنفانتينو الإيطالى - السويسرى الجنسية والرئيس التاسع للفيفا بهذه الوقفة الشجاعة تلجيم الكثيرين من المعترضين على مسلك قطر تجاه التعامل مع قضايا حقوق الإنسان خصوصا قضايا المثلية. الغرب يريد قطر أن تتعامل مع الموضوع بنفس تعامل الغرب، وهو الأمر الذى أدى الى استهداف قطر من غالبية المؤسسات الغربية المتربصة وغير المتربصة بالعرب والمسلمين. قطر أعلنتها أنها دولة مسلمة محكومة بقانون وعرف وثقافة مختلفة ولا تستطيع المغامرة بكل شئ لتنال رضا جماعات المثليين التى تمارس ضغوطا مكثفة عليها. الغرب لا يفهم أن رد الفعل القطرى يمثل رد فعل العالم العربى بكل تنوعاته الدينية والعالم الإسلامى بكل مذاهبه وفقهه وفكره ودينه وعرفه. ولو أن قطر خاطرت وقبلت الإملاءات الغربية بهذا الصدد إرضاء للغرب ولضغط تلك الجماعات لخسرت الكثير.

انبرى الرجل للدفاع عن السجل القطرى وعن كأس العالم وضرورة احترام القواعد التى وضعها الفيفا، وأن المخالف لها كاسر لقوانين الفيفا وستتم معاقبته. بدأ مؤتمره الصحفى بقوله: أشعر اليوم أنى قطرى وأشعر بأنى عربى وأنى إفريقى وأنى مثلى الجنسية وأشعر بأنى معاق وأنى عامل مهاجر. بالطبع أنا لست قطريا أو عربيا أو إفريقيا أو مثليا أو معاقا أو عاملا مهاجرا، لكنى أشعر مثلهم لأنى أفهم العنصرية ومعاناة الأجانب فى بلاد أجنبية. أنا هنا أدافع عن كرة القدم وليس عن قطر. كان الرجل صارما عندما قال: اسمحوا لى أن أؤكد لكم أن كل قرار يتم اتخاذه فى تنظيم هذه البطولة هو قرار مشترك بين الفيفا وقطر.

قبل أسبوع كان كل من كابتن الفريق الإنجليزى والفريق الهولندى مصرين على حمل تلك الراية وأنهما عقدا العزم على ذلك, غير أن الخطابات التى أرسلتها الفيفا لكل الفرق المشتركة منذرة بعقاب رادع لكل مخالف جعل الجميع يغير رأيه خوفا من العقاب والحرمان. عندما حضرت طائرة الفريق الألمانى ومرسوم عليها تلك العلامة, رفضت قطر استقبالها مما جعل المسئولين الألمان يذهبون الى عمان ويؤجرون طائرة أخرى منصاعين لقرارات الفيفا والدولة المضيفة وعندما نزل الفريق الإنجليزى لم يجرؤ كابتنه المتعالى على تنفيذ تهديده، وكذلك الكابتن الهولندى وسارت الأمور فى اتجاه القانون.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: