تأتى الأفكار الجديدة من خلال البحث عن حلول، قد تكون ناجزة، أو عاجلة، المهم أن الحاجة هى من تولد الفكرة، وفى موضوع تطوير التعليم، كانت الأزمة أننا تأخر ترتيبنا وسط دول العالم المتقدمة من حيث جودة التعليم، رغم أننا كنا نحتل مكانة راقية فى الماضى، مكانة جعلت كلية طب قصر العينى قبلة لعدد من أبناء الدول الأوروبية.
نظرة هادئة لمنظومة التعليم فى بلدنا، كفيلة بتبيان ما وصلنا إليه، الغرض الدائم، التحرك الفورى والسريع صوب تطوير لافت ومبهر، وبراق، يجعل أبناءنا يتلقون تعليما متميزا، ولم لا، وهو بوابة الولوج لعالم متميز ورائع.
قد يكون الوضع الحالى معبرا بصدق، ففكرة تطوير التعليم الأخيرة، والتى تدور حول بنوك المعلومات، والتابلت، وتطوير نظام الامتحانات، بشكل يمنع الغش، كانت بلا شك فكرة رائعة، ولكنها افتقدت مقومات النجاح، لسبب بسيط للغاية، أن أدوات تطبيق الفكرة غير موجودة بكل القطاعات، وبمعنى أدق غير ميسرة لكل التلاميذ.
والحديث عن تلك المنظومة، أخذ الكثير من الجدل، وأعلم أننا يقينا قد استوعبناه بشكل واضح، كما استوعبنا صعوبة تطبيقه حرفيا، وذلك يعنى البحث عن تعديلات لتلك الفكرة، أو البحث عن فكرة مختلفة تأخذ بما نملكه من مقومات تمكننا من النجاح فى التنفيذ.
حديث اليوم، بكل تأكيد لا يخص هذا العام، الذى بدأ من عدة أسابيع، ولكنه يخص الأعوام القادمة، والغرض من إثارته الآن، هو التحضير بشكل جيد للمستقبل، حتى يأتى العام المقبل ونحن على استعداد جيد لأعوام دراسية مشرقة.
فى البدء، كم منا يتذكر ما درسه فى المرحلة الابتدائية، والسؤال بصيغة أخرى ماذا نأمل أو نرجو من تلاميذ المرحلة الابتدائية، هل لابد من تعلم اللغات والرياضيات والعلوم، بهذه الكثافة، وهل تتجهز الفصول الدراسية بشكل جيد يُمكن الأبناء من تلقى دروسهم؟
هذه الأسئلة وغيرها، الغرض منها توضيح حجم المشكلة الحقيقية لأزمة التعليم فى مصر، تخيل عزيزى القارئ، أنك تعمل عملا لا تحبه، فمن المؤكد أن نتيجته لن تكون بالجودة المطلوبة، هكذا الحال من التلاميذ، إذا لم تكن المدرسة جاذبة بشكل تام لهم، بحيث يحبونها ويحبون الذهاب إليها كل يوم، فمهما نفعل، فلن يقبل التلميذ على الدراسة، وأيضا لن تكون النتيجة النهائية مرضية على الإطلاق، وغالبا يحدث ذلك بشكل غير مقصود.
لأننا نعمل على تقديم منتج تعليمى جيد، من خلال العمل على إخراج منهج تعليمى متقدم، مواكب لكل التطورات المحيطة، وهذا، شكلا، أمر جيد، ولكن دون أن نحبب التلاميذ فى المدرسة و المنهج، فالنتيجة لن تكون مرضية.
ولنتخيل العكس، وأعتقد أن عددا كبيرا منا يتذكر المدرسة فى سبعينيات القرن الماضى، رغم عدم امتلاكنا أدوات التطور المبهرة الموجودة الآن، إلا أننا كنا ننتظر أن يأتى اليوم الدراسى لنذهب للمدرسة وكلنا شغف للتعلم.
الأمر لا يعدو إلا أن نشأ ارتباط حقيقى بين التلميذ ومدرسته ومُدرسيه، مع منهج دراسى جيد، كان الوقت يتم تقسيمه بين الدراسة فى المدرسة، فالعودة للمنزل، لعمل الواجبات، ولا تأخذ وقتا طويلا، ثم يأتى وقت اللعب، أو مشاهدة التلفاز، أيهما متاح، فالنوم نهاية اليوم.
أما الآن، فيكفى معرفة أن يوم تلميذ الصف الرابع الابتدائى، يبدأ فى الساعة السادسة صباحا، ليتحضر للمدرسة، يواجه يوما دراسيا متخما بالمواد والدروس، فالعودة للمنزل لعمل الواجبات، التى تستغرق وقتا طويلا، ثم النوم بعد استهلاك كامل الطاقة للتلميذ، وهكذا تتكرر الأيام.
وكأن التلميذ فى مرحلته التعليمية النهائية، وهى التى تحدد مصيره النهائى وتخصصه العلمى، فكيف لتلميذ يبلغ من العمر ما متوسطه 10 سنوات، أن يفقد أهم ما يميز تلك السن الجميلة، من كل ما يجعله يلهو ولو قليلاً، وهذا أمر يجعل صحته النفسية ومعها البدنية فى حال غير رائعة، ومن المؤكد انه لو صلح حالهم، لصلح العقل بكل تأكيد.
ونعى حصول عدد كبير على شهادة إتمام التعليم الأساسى، ومنهم من يجهل الطريقة المثلى للكتابة، ويخطئ كثيرا فى كتابة عدد غير قليل من الكلمات، وأثق أننا اليوم نشاهد أعدادا لا حصر لها تخطئ فى كتابة الكلمات، ليس فقط التلاميذ، ولكن خريجو الجامعات، والكارثة أنها أخطاء إملائية.
كل ذلك بسبب تجاهل أسباب التفوق الدراسى، من تلميذ تتوافر له عوامل النجاح وهى مقعد سليم يجلس عليه، ومعلم يستطيع توصيل المعلومة له، ومنهج يستطيع استيعابه، ونظام دراسى محبب لقلوب الأبناء.
المقعد السليم، يسهل تدبيره، أما توصيل المعلم للمعلومة بسلاسة، فمن خلال تقليل الكثافة، والحل للمدارس ذات الكثافات العالية، بشكل مؤقت نظام الفترات، مع تقليل وقت الدراسة بما لا يخل بالنظام التعليمى، واعتبار وصول كثافة الفصل لعدد مقبول من التلاميذ أولوية أولى لأى تطوير تعليمى.
أما المنهج، فالأمر مرتبط بما يجب أن يفهمه ويستوعبه التلميذ، مع مراعاة استمتاعه بمراحله العمرية، كل ذلك يحوطه مدرسة توفر له وقتا للهو والمرح، فلو لم يحب التلميذ المدرسة، فلن يستطيع تقبل أى تعليم مهما تكن الوسائل المغرية.
وكما تقول الحكمة المعروفة التعليم فى الصغر، كالنقش على الحجر، لذلك من المهم التخطيط لما نريد أن نغرسه فى عقول الأبناء، وكذلك ما نهدف إليه من بناء نفسى سوى، من خلال تنشئة طيبة وفق نظام تربوى وتعليمى، يتوافق عليه المجتمع.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: