قامت القوات الروسية بتنفيذ انسحابها من منطقة خيرسون، جنوب أوكرانيا، الى مواقع دفاعية على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، على ان تبقى المنطقة تابعة لروسيا الاتحادية، وفق ما أعلنه الناطق باسم الكرملين.فى المقابل، تقدمت القوات الاوكرانية بشكل حذر لتدخل المناطق التى انسحبت منها القوات الروسية، وسط غموض حول الاهداف من وراء الانسحاب، خاصة ان القوات الروسية قامت بتدمير معظم البنية التحتية وتلغيم المدينة بشكل موسع بما يعوق انتشار الجيش الأوكرانى بعد انسحابها.
تعد خيرسون اول مدينة كبرى تستعيدها أوكرانيا منذ بداية الحرب، علما بأن الرئيس الروسى قام سابقا بالإعلان عن ضم المدينة وتم اعتبارها جزءا من الاراضى الروسية. وهى تقع على حدود شبه جزيرة القرم بالبحر الأسود، وهى بذلك توفر لموسكو رابطا، من خلال جسر بري، مع القرم.الانسحاب الروسي، يعنى حرمان موسكو من هذا الممر البري، ويعني، أيضا، تمكين كييف من إعادة السيطرة على مساحات شاسعة من المنطقة، واقتراب المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى من شبه جزيرة القرم، التى تعتبرها موسكو ذات أهمية حيوية.
على العموم، أسفر الانسحاب الروسى عن واقع ميدانى جديد مع اقتراب فصل الشتاء والتباطؤ المتوقع فى وتيرة المعارك مع هطول الجليد.تبرر السلطات الروسية انسحابها بكونه قرارا عسكريا لحماية السكان والقوات العسكرية وعدم السماح لأوكرانيا بتحويل المدينةالى مأساة، مع استبعاد إمكانية التفاوض مع الرئيس الاوكرانى فى ظل الشروط التى وضعها بشأن انسحاب روسيا.والأكيد انه بهذا الانسحاب تكون موسكو قد بدأت فى تغيير استراتيجيتها، إما فى اتجاه القيام ببعض التراجعات التكتيكية لتجميع قواها، فى انتظار تجنيد المزيد من قوات الاحتياط للقتال خلال العام المقبل. او ربما يأتى الانسحاب كبادرة حسن نية لتشجيع المسار التفاوضى الذى قد يتبلور مستقبلا، والذى لن يتم إلا بزعم جميع الأطراف، خاصة كييف، تحقيق نصر ما، يسمح لها بالدخول فى العملية التفاوضية بما يحفظ ماء الوجه.
أيا كانت النوايا والاهداف، ما يمكن قوله هو انه خلال الأشهر السابقة، سعت القوات الأوكرانية جاهدة لتدمير خيرسون، باعتبارها منطقة تابعة لروسيا.وكانت الحشود الأوكرانية المهاجمة عشرات أضعاف القوى الروسية المدافعة عن المدينة، وهو ما ضيق فرص دفاع روسيا عنها حاليا، يبدو أن موسكو تسعى لإضعاف الهجمات العسكرية الأوكرانية ضد خطوط الدفاع الروسية، مقابل الاستمرار فى حربها الاقتصادية لإنهاك الغرب وإضعاف قدرته على إمداد أوكرانيا بالسلاح، واستمرار استهداف المدن الاوكرانية وخصوصا البنية التحتية لإنتاج وتوزيع الطاقة.
لمواجهة الهجوم الروسي، اعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات عسكرية سحبا من مخازن وزارة الدفاع الامريكية الى أوكرانيا، ليصل اجمالى قيمة تلك المساعدات، منذ تولى ادارة الرئيس بايدن، الى 18.5 مليار دولار. وتتضمن الحزمة الامريكية ذخائر إضافية للمنظومات الصاروخية المتحركة، وذخائر مدفعية، ومنظومات مضادة للدروع، ومركبات سريعة الحركة. كما تعكف الادارة الامريكية على إمداد القوات الأوكرانية بعدد من منظومات الدفاع الجوى القديمة، بهدف تقليل آثار استهداف القوات الروسية للبنية التحتية الأوكرانية. واشار بيان لوزارة الخارجية الامريكية الى حرص الإدارة على إيصال منظومتى دفاع جوى من طراز NASMAS بحلول شهر ديسمبر 2022. كما تعمل الإدارة على التنسيق مع حلفاء امريكا على إمداد أوكرانيا بأكبر قدر ممكن من منظومات الدفاع الجوي.
تقول أمريكا إنها تدافع عن سيادة أوكرانيا، وتسعى الإدارة الامريكية الى تعزيز برامج الدعم المقدمة الى أوكرانيا فى مجلس النواب الامريكي، علما بأن هذا الامر من المحتمل ان يواجه تحديا فى ضوء نتائج انتخابات التجديد النصفي، أخذا فى الاعتبار موقف الحزب الجمهورى المتحفظ من استمرار الدعم الامريكى العسكرى الى ما لانهاية. أما التقديرات الروسية، فهى تشيرالى سعى الولايات المتحدة المستمرإلى إضعاف العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية، التى لم تحظ برضاها، خاصة مع ألمانيا فى مجال الطاقة، رغم السعر الرخيص الذى كانت تحصل به المانيا على الطاقة من روسيا مما كان يمنح الاقتصاد الالمانى ميزة تنافسية كبيرة ومن ثم مساحة اقتصادية أكثر استقلالا مع الولايات المتحدة، التى تحرص على استمرار تبعية اوروبا الاقتصادية والامنية لها.
تضارب المصالح هذا يدفع للسؤال حقا عن إمكانية الدخول فى مسار تفاوضى فى الزمن القريب، ام ان ذلك لا يزال مستبعدا لحين تحقيق كل طرف الأهداف التى دخل او دعم من أجلها هذه الحرب التى تزيد من مآسى الشعوب على هذه الأرض؟
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: