رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

للكبار فقط

قلما نجد عائلة أو حتى أسرة، إلا وأحد أفرادها من كبار السن، وفى الغالب يتم التعامل معه بالشكل اللائق بقدره ومكانته، نظرا لكبر سنه، لذلك فهو يجد الراحة المأمولة بين أهله، ولكن ماذا يحدث مع آخرين أو معه إذا أراد التحرك والتعامل مع الأجهزة المختلفة، مثل مصلحة الأحوال المدنية، التى يستلزم الذهاب إليها لاستخراج بطاقة الرقم القومى، حال تأخر تجديدها فى الموعد المناسب.

لقد أقرت الدولة بعض الإجراءات، التى من شأنها، تبسيط الحال على كبار السن، منها توصيل المعاش لمستحقه، حال صعوبة تنفيذ ذلك منه، دون كلفة على صاحب المعاش، وكذلك إعفاء كامل لكبار السن من تكاليف المواصلات العامة، بما فيها مترو الأنفاق، وكذلك السكك الحديدية، وذلك فى القانون المزمع إقراره قريبا. ومع ذلك ما زال هناك بعض التصرفات الغريبة، التى يتوجب علينا جميعا مواجهتها بحزم، حفاظا على ماء وجه الكبار، فلا يعقل أن تكون هناك تحذيرات بشأن عدم جلوس أى شخص على جزء من مقاعد مترو الانفاق، سوى لذوى الاحتياجات الخاصة، وهم معروفون، ومعهم كبار السن، ونجد الشباب يجلسون بكل أريحية، ويقف أمامهم أحد كبار السن، ولا يتحرك ساكن لدى أى أحد ليأخذ الكبير حقه، وبت لا أعرف هل الأمر يتعلق بسوء التربية، أم بالإهمال، أم بأشياء أخرى، لم يعهدها مجتمعنا. لذلك، أرجو أن تجد حقوق الكبار ما تحميها وتعززها، حتى لا يتسول الكبير حقًا كفله له القانون، ويتم تجاهله بهدوء شديد ومستفز، ويكفى أن تستقل مترو الأنفاق لمرة واحدة لترى تلك المشاهد المؤسفة، ولأنه لا يوجد ما يجرمها، أو عقاب لمن يفعلها، فباتت مشاهدة حدوثها أمراً عاديا للأسف. وبلا شك نحن نثمن ونقدر ما تبذله الدولة من جهود تقرها عبر القانون تكفل من خلالها حق الكبار فى معاملة محترمة ولائقة بقدر السن والقدرة الجسدية، ولكن لابد من التفكير فى بعض الأمور المتعلقة بالتخفيف على الكبار، ليتم وضعها محل الدراسة، وهى لن تكلفنا شيئا، ولكنها ستضمن حصول كبار السن على القدر اللازم من المعاملة اللائقة.

منها، تخصيص شباك لكبار السن فى كل المصالح والجهات الحكومية، فلا يعقل على الإطلاق أن تتم معاملتهم كغيرهم من الأصحاء الأقوياء، ونظرة سريعة لعدد كبير من تلك المصالح كفيلة بتبيان كم المعاناة التى يلقاها الكبار، وأتذكر يوم أن توجهت منذ أيام قليلة لعمل توكيل فى أحد مقار الشهر العقارى، حين لفت نظرى أحد كبار السن، وهو يقف فى طابور طويل مثله مثل غيره، ينتظر دوره فى إتمام معاملته، وحينما شعر بإعياء من الوقوف المستمر، تفضل أحد الواقفين بإعطائه دوره، وعندما عرضت أن يدخل مباشرة لإتمام معاملته، اعترض البعض بحجة أن وقتهم ضيق ومشغولون. وتحول الحال لتسول الرأفة بالرجل الكبير. وهذا يحدث أيضا مع السيدات، والتى رأيتها تقدم طلبا لاستخراج بطاقة للرقم القومى، لم يرأف بها المحيطون لحالها، حتى تنتهى من إنهاء معاملتها، وظلت فى دورها، وشعرت بمدى كبريائها وعزة نفسها التى منعتها من تسول الرأفة، حتى قررت أن أتوجه للضابط المسئول وشرحت له الموقف، فقام على الفور بإنهاء أوراقها وهى جالسة، ولكن ذلك الموقف فردى، أتمنى تعميمه دون انتظار لاتخاذ قانون ملزم. ليس ذلك فقط فى المصالح الحكومية المختلفة، ولكن أتمنى أن يمتد الأمر للبنوك، من خلال عمل اختيار فى ماكينات الأرقام يخصص لكبار السن، بحيث يدخل فورا لأقرب نقطة تنهى له معاملته، ولضبط تلك الفكرة، يمكن أن يلقى موظف الاستقبال نظرة على بطاقة الزائر، وحين يتم التأكد من أنه أحد كبار السن، يتم توجيهه لمكان المعاملة المخصص له. المهم أن تتم الرأفة بهم، فهم ليسوا أقل مكانا من العملاء المهمين للغاية، المخصص لهم معاملة متميزة. أمر آخر، أتمنى حدوثه والتفكير فى تنفيذه على الفور، وهو يتعلق بمعاقبة من يأخذ مكان أو حقًا مكتسبًا لكبار السن، وليكن العقاب فوريًا، فمثلا من يجلس مكانهم فى المواصلات العامة، تُطبق عليه غرامة، لا أعرف كيف نطبقها، ولكن علينا التفكير فى آلية تحفظ للسادة كبار السن حقوقهم، كما تمكنهم من اتباع سبيل معين للحصول على تلك الحقوق، حال فقدها.

يجب ألا تظل المعاملة الكريمة للسادة كبار السن، رهن كل منا، بحسب تربيته وخلفيته الاجتماعية، فإن ترعرع على احترام الكبير وتوقيره، عطف عليهم ومد لهم يد العون، وإن كبُر على الصلف والتكبر، استحوذ على حقوقهم، دون أن يتحرك ضميره الميت قيد أنملة.

أعرف أن هناك قصصًا مؤلمة ومبكية لأبناء تعاملوا مع آبائهم وأمهاتهم، بكل درجات التجبر والعنف، حتى وصل الأمر لطردهم فى الشارع، ومن كانت له ذرة من رحمة أسكنهم دارًا للمسنين. وهؤلاء لهم من الله ما لهم، فهو من أمر بالاحسان إليهم، وما دون ذلك مخالفة صريحة لله سبحانه وتعالى، ولكن فى المقابل هناك عشرات بل مئات القصص التى تبين مدى تراحم الناس بالناس، فقد شاهدت مؤخرا، أحد المواطنين البسطاء، الذى وجد سيدة مسنة طردها ابنها فى الشارع، فأخذها وعطف عليها، وتحدثت السيدة المسنة عن هذا الرجل المحترم بقدر من الإجلال والتقدير، وصحب حديثها دعوات تزلزل القلوب المتحجرة لهذا الإنسان، ورغم ذلك لم تدع على نجلها الذى يستحق غضب الله، بل لم تذكر ما يدل عليه. ومع ما أقرته مصر من إستراتيجية وطنية خلاقة لحقوق الإنسان، أرى أن نسعى لتمكينها ما يضمن المعاملة اللائقة بالكبار، ونحن نستطيع، "وفق ما أنجزته مصر"، تنفيذ ذلك على أكمل وجه.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: