رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مونديال قطر ... والحرب الأخرى

تبدأ فى أقل من أسبوع فى قطر مباريات كأس العالم لكرة القدم، أو المونديال.

كالعادة سنتمتع ببعض المباريات على أعلى مستوي، ولكن ستكون فى الإعلام العالمى حرب بدأت فعلا قبل هذه المباريات، وهى ما أسميه الحرب الثقافية وهى فعلا حرب بدرجات مختلفة داخل المجتمعات، وكذلك، بينما نراها فى بعض نواحى حياتنا بين الليبراليين والسلفيين، أو مثلا فى إسرائيل مع غلاة المستوطنين واليهود الأرثوذكس الذين يؤمنون بإسرائيل الكبري، والأمثلة حقيقة كثيرة فى العديد من بلاد العالم بين الغلاة من طرفى هذه الحرب، وسيتم فعلا تجسيد هذه الحرب فى أثناء مونديال قطر، للمرة الأخرى وبالتأكيد ليست الأخيرة.

وفى الحقيقة واجهت قطر العديد من التحديات والنقد منذ اختيارها فى سنة 2010 كدولة مضيفة لهذا المونديال، ورغم أن نتيجة التصويت كانت واضحة فى المنافسة مع الولايات المتحدة، حيث فازت قطر بـ14 صوتا بينما حصلت الولايات المتحدة على 8 أصوات فقط.

فقد اعترض البعض على درجة حرارة أيام الصيف ـ حيث تقام عادة مباريات المونديال، فهى فى قطر أكثر من 40 درجة مئوية، ولا يستطع العديد من لاعبى دول الشمال التعايش مع هذه الحرارة، ناهيك عن مواصلة الجرى واللعب فى هذا الحر القائظ، وتغلبت المرونة لكى تتغير مواعيد المونديال من الصيف إلى نهاية الخريف وبداية الشتاء : أى من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر .

كان هناك تحد آخر وهو أن قطر تنقصها شهرة عالمية فى كرة القدم، بل إنها فعلا دولة صغيرة تنقصها مثلا البنية التحتية المطلوبة، وهذا بالطبع صحيح، ولكن هذه الدولة الصغيرة استطاعت مواجهة هذا التحدى بسبب قدرتها المالية كأكبر مصدر للغاز الطبيعي، وفعلا استثمرت قطر نحو 220 مليار دولار فى تهيئة البنية التحتية والملاعب مع بعض الدول المجاورة . ولتقدير حجم هذا الاستثمار، فلنتذكر أنه عندما نظمت دولة جنوب إفريقيا هذا المونديال فى سنة 2010، لم تستثمر أكثر من 3٫5 مليار دولار، الذى كان أيضا أقصى ما تستطيع جنوب إفريقيا القيام به. وفعلا استمرت التحديات فى أثناء الإعداد لاستقبال منافسات الكأس، خاصة فيما يتعلق ببعض ممارسات دول الخليج تجاه العمال الأجانب، فقد أثار العديد ـ وعن حق ـ معاناة العمال الأجانب والأداء فى ظروف غير إنسانية مثل العمل لساعات طويلة فى أجواء الحر الشديد، واضطرارهم للتكدس فى غرف مزدحمة، بحيث تؤدى هذه الظروف فعلا إلى موت العديد منهم ويرتبط بظروف نظام العمل هذا سريان نظام الكفيل، الذى هو حقيقة جائر لأنه يمنع العامل مثلا من السفر أو حتى تغيير عملة إلا بموافقة صاحب العمل ـ ومرة أخرى تكيفت قطر مع تحدى ظروف العمل هذه. وفى الحقيقة كانت مواجهة هذه التحديات والنجاح فيها من صالح هذه الدولة. لأنها أحسنت الاستثمار فى تشييد بنيتها التحتية والتى كانت مطلوبة، وأصبحت الآن جاهزة، ومفيدة للأجيال الحاضرة والقادمة. كما أن التعامل مع نظام الكفيل جعل العمل فى هذه الدولة أكثر إنسانية للآلاف من هؤلاء العمال الأجانب، وأثبت أن مباريات كأس العالم يجب ألا تبنى على استغلال عوز واحتياجات الفقراء والمحتاجين، استفادت قطر واستفاد العالم أيضا، أصبح المكسب يعم الجميع : win _win هذه النتيجة غير مضمونة بالمرة للتحدى الحالى والذى أسميه الحرب الثقافية، والتى تشتد وطأتها مع البداية الفعلية لمباريات المونديال، والتى ستستمر فى أثنائها ولا شك ستكون أحد بنود الإعلام العالمى وليس فقط فيما يسمى الصحافة الصفراء، وهذا البند يتعلق بالعلاقة بين الجنسين وداخل كل منها، من عدم وجود قيود على السكن معا لغير المتزوجين إلى حقوق المثليين، بل حتى إشهار مظاهر هذا التوجه فى الطريق العام. وللعلم فإن مناقشة هذه الحرية من أكبر البنود حاليا فى معظم الدول الغربية ـ من دول إسكندنافيا فى الشمال الأوروبى إلى إيطاليا وإسبانيا فى جنوب هذه القارة، ناهيك عن بريطانيا أو أمريكا، بحيث إن بعض الساسة الآن يعلنون أن لهم أصدقاء أو صديقات من نفس الجنس، أو حتى أنهم متزوجون رسميا. بل هناك يوم فى العام ـ فى شهر مايو مثلا فى كندا ـ لمظاهرات التأييد لحقوق المثليين تسمى مظاهرات الفخر pride parade، وفى السنوات الثلاث الآخيرة أصر رئيس الوزراء الكندى وزوجته ـ وهما غير مثليين ـ على أن يكونا فى الصفوف الأولى تأييدا لهذه المظاهرات، والذى يربطها البعض بالدفاع عن حقوق الإنسان هناك بالطبع فرق بين المطالبة بعدم تجريم هذه الممارسات وحصرها فى الإطار الشخصى والخاص من ناحية، ومن ناحية أخرى الافتخار بها ومحاولة فرضها على المجتمعات الأخرى بل واعتبارها رمزا لتقدم المجتمع وانفتاحه.

وقد حاولت بعض الدول الغربية استصدار قرار أممى باعتبار هذه الممارسات جزءا من حقوق الإنسان، وهو ما اعترض عليه العديد من دول الجنوب العالمى التى أضافت أنه لأسباب دينية أو بسبب العادات والتقاليد لا يسمح بالممارسة الرسمية وفى العلن لمثل هذه السلوكيات. وهذا هو مربط الفرس كما يقال. هذه السلوكيات هى شخصية وخاصة جدا، ويجب ألا تكون فى الشارع، لأن هذا يصطدم بالذوق العام والحياء فى العديد من الدول العربية والإسلامية وغيرها . هذا ما يجب أن يحترمه غلاة النشطاء والناشطات فى العديد من الدول الغربية، الذين ينتظرون مناسبات عالمية مثل كأس العام لفرض وجهة نظرهم وممارسة نوع من الاستعمار الثقافي.


لمزيد من مقالات د. بهجت قرنى

رابط دائم: