رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التعليم .. أساس النهضة

لا أعتقد أننا يمكن أن نختلف على أهمية التعليم فى بناء مستقبل أجيالنا القادمة وقد أصبح التعليم الآن تحدى كل بيت وكل أسرة وعلى مستوى المسئولية هو واحد من أهم واخطر التحديات أمام الدولة.. وفى أزمنة سبقت كنا نتحدث عن التعليم المصرى بفخر واعتزاز وكان يستحق ذلك وكانت سمعة المدرسة والجامعة والمناهج تحمل نوعا من التفرد والخصوصية.. وكان التعليم فى مصر منافسا لأرقى النماذج الناجحة على مستوى العالم مقارنة بالدول النامية..

ـــــ وكنت تستطيع أن تعرف مستوى التعليم فى مصر فى جدية وحداثة المناهج فى كل التخصصات وفى تفرد المعلم وقدراته وثقافته وفى إدارة المؤسسات التعليمية، نظافة المدرسة وجمالياتها وأنشطتها وخدماتها، وقبل هذا كله روح الانضباط.. ولم يكن التفوق مقصورا على ذلك ولكن المعلم كان نموذجا فى قدراته وجديته والتزامه..

ـــــ ومن مدارس مصر خرجت أجيال كانت وراء كل ما حققت من المكانة والتميز والقدرات .. أجيال قدمت للعالم حشودا من الأبناء الذين تفوقوا فى كل جوانب المعرفة وشهدت جامعات مصر نهضة ثقافية غير مسبوقة فى الآداب والعلوم والتراث والتاريخ واللغات وقدمت نماذج رفيعة من الأساتذة وأسماء واعدة واكبت عصرها وعاشت زمانها..

ـــــ لا يمكن أن نتجاهل دور التعليم فى النهضة الثقافية التى شهدتها مصر منذ بداية القرن الماضي، لطفى السيد وهيكل باشا ومشرفة وشوقى وحافظ وأم كلثوم وعبدالوهاب ونجيب محفوظ والحكيم والمنفلوطى وطه حسين والعقاد ويوسف وهبي.. ثم جاءت أجيال أكملت المسيرة زويل وهيكل ويوسف إدريس ولويس عوض ورشاد رشدى ويوسف السباعى واحسان عبدالقدوس وعبدالصبور وأطباء مصر وأساتذة جامعاتها شوقى ضيف ويوسف خليف ورشاد رشدى وغربال وأنيس والخشاب وسهير القلماوى وبنت الشاطئ ونعمات احمد فؤاد وزكى نجيب محمود ولطيفة الزيات، كل هذه النجوم ومئات الأسماء كانت حصاد تعليم متقن ومنضبط..

ـــــ وكان التعليم المصرى أول من نقل تجربته الثرية إلى عالمنا العربى من خلال المدرسين وأساتذة الجامعات والمفكرين وكبار الكتاب والصحفيين ولا يوجد بلد عربى لم يكن التعليم المصرى صاحب دور ورسالة فيه، ومن الإنصاف أن نعترف بأن تعليم مصر كان الأساس الذى قامت عليه برامج التنمية فى العالم العربى تخطيطا ودراسة وتنفيذا ونجاحا .. كان هذا هو حال التعليم فى مصر عشرات بل مئات السنين وكان من أهم الدعائم التى قام عليها بناء الإنسان المصرى وعيا وثقافة ودورا ..

ـــــ مرت على منظومة التعليم فى مصر خلال العقود السابقة بعد ذلك عوارض كثيرة وتقلبات حادة وخضع لتجارب كثيرة ولم يعد التعليم بمقوماته القديمة فى مستوى المناهج ودرجة الانضباط والنتائج.. رغم كل ما قيل عن سلبيات مجانية التعليم وآثارها ونتائجها فإنها كانت بداية تحولات اجتماعية لم تشهدها مصر من قبل .. لقد كانت سببا فى تخفيف حدة الطبقية الاجتماعية فى مصر وتخرجت على يديها أجيال من طبقات فقيرة أخذت فرصتها فى الحياة.

ــــ وهنا كانت التحولات الاجتماعية حين وجدنا أبناء الطبقات البسيطة يتصدرون المشهد فى وظائف الدولة العليا ولولا مجانية التعليم ما أتيحت الفرص أمام هؤلاء.. شهدت مصر بعد ذلك تحولات اجتماعية حادة ما بين الأستاذ الجامعى والقاضى والكاتب والطبيب والمهندس والعالم وهذه الطبقة الوليدة كان لها دور كبير فى بناء التجربة المصرية..

ـــــ مرت على المصريين خلال العقود السابقة عواصف كثيرة ما بين الاشتراكية والانفتاح والرأسمالية والخصخصة وقد انعكس ذلك على منظومة التعليم فى مصر وشهدت حالة من الازدواجية ما بين التعليم الخاص والحكومى والأجنبي، وكان ذلك سببا فى عودة بعض صور الطبقية الاجتماعية فى صورة مؤثرة خاصة على الطبقة المتوسطة وما بقى من الطبقات الفقيرة .. لابد أن نعترف بأن الواقع الاجتماعى ترك حالة من الارتباك فى المنظومة التعليمية رغم أنها كانت من أكثر الجوانب استقرارا..

ـــــ دخلنا بعد ذلك فى حالة من التجارب المتعددة ما بين تجربة التابلت وما تحملته ميزانية الدولة، ورغم أن أهدافها كانت انجازا فإنها واجهت تحديات كثيرة، خاصة حول ظروف الريف وما هو متاح فيه من الإمكانات .. شهدت التجارب فى مجال التعليم بعض القرارات المتضاربة.. ولابد أن نعترف بأن الزيادة السكانية كانت على حساب مستوى التعليم وأحوال المدارس وأعداد المدرسين وكانت مصدر تهديد دائم للتعليم فى مصر..

ـــــ كان آخر مظاهر التغير أن د.طارق شوقى وزير التعليم السابق كان ضد الدروس الخصوصية وحاول أن يوقفها وجاء الوزير الجديد د.رضا حجازى وخرج بمنظومة جديدة أسند فيها الدروس الخصوصية إلى شركة قطاع خاص لتقوم بهذه المهمة ومازال المشروع يثير جدلا حول جداوه وتأثيره على منظومة التعليم فى مصر..

ـــــ وكان السؤال: أين دور المدرسة والمعلم والحصص والامتحانات؟ وجاءت منظومة تقنين الدروس الخصوصية والسناتر لنصبح أمام تجربة جديدة وأصبحت الأسرة المصرية حائرة ما بين المدرسة والسناتر والتعليم الأجنبى .. وهناك مناهج مرتبكة.

ـــــ عندما تحاول أن تقترب من الأزمة الكبرى وهى المدرس، وما بين مرتبات هزيلة والعمل بلا مقابل ودعوات التطوع والبحث عن أصحاب القدرات، تجد نفسك أمام منظومة تحتاج إلى الفكر والرؤى فى أهم جوانب تكوين الشخصية وهو الإنسان .. إن مصير ملايين الطلاب وآلاف المدارس والمدرسين بما فى ذلك المناهج والمبانى الآيلة للسقوط يتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز وزارة التربية والتعليم وحدها .. إن الموقف يتطلب قرارا سريعا حتى لا تزداد أحوال التعليم تراجعا ..

ـــــ لقد توقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حديثه أمام المؤتمر الاقتصادى حول قضية التعليم والأعباء المالية التى يحتاجها تعليم 25 مليون طالب والتى تبلغ مليارات الجنيهات وان ميزانية الدولة لا تستطيع توفير هذا المبلغ، مما يجعل قضية التعليم من اخطر التحديات التى تواجهها مصر ورغم ذلك فقد يتم إشراك عدد كبير من الجامعات الأهلية والمدارس الخاصة التى تشارك فى مراجعة المشكلة..

ـــــ وهنا اقترح إنشاء مجلس أعلى للتعليم يقوم برسم الخطط وتوفير جوانب الانضباط ووضع المدرس فى المكان المناسب وقبل هذا كله أن نستعيد إيماننا القديم بأن التعليم أساس النهضة وبناء الإنسان، حيث يضم هذا المجلس أفضل ما لدينا من الخبراء والأساتذة والمسئولين.. نحن فى حاجة لأن نعيد للتعليم أهميته ودوره فى حياتنا ويكفى أن اللغة العربية كانت أهم ضحاياه وأن التعليم حين تراجع فقدت الثقافة أهم أجنحتها.

 

..ويبقى الشعر

تَزِيدُ الْمَسَافَاتُ بَيّنِيّ وَبَيْنِكِ

تَخْبُو الْمَلَاَمِحُ شَيْئًا .. فَشَيِّئَا

وتغْدُو مَعَ البُعدِ بَعضَ الظِّلَالِ

وَبَعضَ التذكرِ .. بَعْضَ الشَّجَنْ

ويغدُو اللِّقَاءُ بَقَايَا مِنَ الضَّوْءِ..

تَبْدُو قَلِيلَا.. وَتَخْبُو قَلِيلاً

وَتُصَغرُ فِى الْعَيْنِ ..

تَسْقُطُ فِى الْأُفُقِ ..

تَرْحَلُ كَالْعِطْرِ ..

تغدُو خُطوطَا بِوَجْهِ الزَّمَنْ

فَمَاذَا سَنَحْكِي؟

وَكُلُّ الْمَلَاَمِحِ صَارَتْ ظِلالاَ

وَكُلُّ الذِى «كانَ» أَضْحَى خَيَالَا

وَأَصْبَحتِ أَنْتِ الزَّمَانَ الْبَعيدَ

أَعودُ إِلَيهِ .. فَيَبْدُو مِحَالاَ

>>>

تَزيدُ المَسَافَاتُ بَيّنيٍّ وَبَيْنِكِ يَخبُو الْبَرِيقْ

وَيَحْمِلُنِى الشَّوْقُ .. ألْقِيٌّ بِنَفْسِى عَلَى شَاطِئِيِّكِ

فَأرْجِعُ مِنْكِ.. وَبَعْضَى حِريقْ

وَأَسْأَلُ نَفْسِى عَلَى أَيِّ دَرْبٍ سَأَلْقَاكِ يَوْمًا؟

وَقَد صَار وَجْهُكِ فِى كُلُّ دَرْبٍ يُطَوِّفُ بِعَيْنِي

طَرِيقُ أَشُدِّ الرَّحالِ إِلَيْهِ.. فَيَهْرُبُ مِنِّي

طَرِيقٌ أَعُودُ غَرِيبًا عَلَيْهِ .. فيَسْألُ عَنَّي..

طَرِيقٌ يُدَاعِبُنِى مِنْ بَعيدٍ

فَأُجْرِى إِلَيْهِ ويصرخُ :دَعِنْي..

عَلَى أَيِّ دَرْبِ سَأَلْقَاكِ يَوْما

وَفِى أيِّ دَرْبِ ستصرخ حزْنًا دِمَاءُ الْبَرِيءْ.

فَأَنْتِ الزَّمَانُ الَّذِى قَدْ يَجِيءْ

وَأَنْتِ الزَّمَانُ الَّذِى لَنْ يَجِيءْ

وَأَنْتِ الصَّبَاحُ الَّذِى ضَاعَ فِى الْعَينِ ..

بَيْنَ الرَّحِيلِ.. وَبَيْنَ الْمَجِيءْ

فَحَيَّنَا يُسَافِرُ .. حَيُّنَا يُغَامِرُ

وَيَسْقُطُ عُمَرِيُّ بَيْنَ الرَّحِيلِ..وَبَيْنَ الْمَجِيءْ..

>>>

تَزيدُ الْمَسَافَاتِ بَيِّنِيٍّ وَبَيْنِكِ ..

أَسَكَنُ عَيْنِيِّكِ ..

أَبْنِى جِدَارًا مِنَ الْحَلَمِ حَوْلَكِ

أَحْمِيكَ مِنْ يَأْسِ حُلْمي

وَأَبْنِى قُصُورًا عَلَى شَاطِئِيِّكِ

لأنَا نُعيِشُ زَمَانَاّ كَئِيبًا

أُخَبِّئُ حُلْمِيَ فِى مُقلتيكِ

لأنَا سَقَطْنَا عَلَى الدَّرْبِ خَوْفًا

وَبَعْثَرَنَا الْعُمَرُ خَلْفَ الْفَضَاءْ

فصِرنَا رَيَّاحًا ..وَظِلاَ .. وَعَطَّرَا

وَصرِنَا سَحَابًا .. يُطَوفُ السَّمَاءْ

وَصُرنَا دَموعًا عَلَى كُلَّ عَيْنٍ

وَفِى كُلَّ جُرْحِ غدْونَا دِمَاءْ

فَكَّنَا الْخَطِيئَةُ كَنَّا الْهِدَايَةَ

كَنَّا مَعَ الْيَأسِ.. بَعْضَ الرَّجَاءْ

>>>

وَتَبْقَى الْمَسَافَاتُ بَينِى وَبَيْنِكِ سَدًا يُبَعْثِرُ أحْلَاَمنَا..

لأنَّا نَسِيرُ عَلَى غَيْرِ دَرْبِ

وَنَمِشِى وَنُدْرِكُ أَنَّ الْخَطَى ..

قَدْ تَهَاوَتْ

وَأَنَّ الطَّرِيقَ يُجَافِى الْقَدَمْ

فَمَا عَادَ فِى الدَّرْبِ غَيْرَ الْألَمْ

فَهَلْ مِنْ زَمَانِ.. يعِيدُ الطَّرِيقُ لِأَقْدَامِنَا ؟

وَهَلْ مِنْ زَمَانِ يُلَمْلِمُ بِالصُّبْحِ أَشَلْاَءَنَا ؟

تَعِبْنَا مِنَ الْعَدوِّ خَلْفَ السَّرَابِ

وَضِقْنَا زَمَانَا بأحزَانِنَا

وَنَمْضِى مَعَ الحلْمِ عُمْرا طَوِيلاَ

وتغْدُو الْمَسَافَاتُ همَا ثَقِيلَا

وَمَازِلْتُ أَمُضِى .. وَأَمْضِى إِلَيْكِ

وَإِنْ كَان عُمُرِيَ يَبْدُو قَلِيلَا

 

قصيدة "العدو خلف السراب" سنة 1986

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: