رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاحتجاجات فى أوروبا.. إلى أين؟

يبدو أن شتاء هذا العام سيكون ساخنا فى أوروبا التى تعيش على وقع احتجاجات عمالية وشعبية بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة نسبة التضخم وارتفاع أسعار الغاز. ودفعت التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا، بعد أن تسبب وقف روسيا تدفقات الغاز الطبيعى إلى أوروبا، لأجل غير مسمى، فى ارتفاع أسعار الغاز فى القارة بنسبة 610% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي، مما ساهم فى ارتفاع أسعار كافة السلع.

أدى ارتفاع سعر الطاقة إلى زيادة نسبة التضخم فى 19 بلدا داخل منطقة اليورو إلى مستوى 9.9%، مما استنزف جيوب المواطنين، الذين لم يبق لهم من خيار سوى النزول إلى الشارع.فى رومانيا نفخ المحتجون فى الأبواق وقرعوا الطبول تعبيرا عن استيائهم، وفى التشيك تجمع المتظاهرون ضد طريقة تعامل الحكومة مع أزمة الطاقة. التضخم فى هذا البلد الاوروبي، المدفوع بشكل رئيسى بارتفاع تكاليف الإسكان وارتفاع أسعار الطاقة، هو الأعلى حالياً منذ عام 1993، كما يتوقّع البنك المركزى فى البلاد أن يبلغ ذروته عند حوالى 20% فى الأشهر المقبلة.وفى بريطانيا أضرب عمال السكك الحديدية فى وقت أجبرت فيه رئيسة الوزراء البريطانية على الاستقالة فى أقل من شهرين من تسلمها لمنصبها، بعد أن أثارت خططها الاقتصادية الفوضى فى الأسواق المالية وأضرت أكثر باقتصاد متعثر. وفى ألمانيا أضرب الطيارون من أجل تحسين الأجور، فى وقت ارتفعت فيه الأسعار.

أما فى فرنسا التى تشهد أكبر تراجع للقدرة الشرائية منذ 40 عاما،فهى تشهد موجة احتجاجات كبيرة بعد ان بلغت نسبة التضخم 6.2%، علما انها الأكثر انخفاضا فى منطقة اليورو. وقد شارك العاملون بقطاعات النفط والكهرباء والطاقة النووية والنقل والمدارس والجامعات والصحة وإدارات الدولة، وبعض كبريات شركات القطاع الخاص، الأسبوع الماضي، فى الإضراب العام الذى دعت له النقابات العمالية الكبرى والأحزاب اليسارية، وذلك للمطالبة بزيادة الأجور. وتتخوف الحكومة كثيرا من تصاعد الحركات الاحتجاجية لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار من المتوقع ان يستمر العام المقبل.كما تشير الأرقام حول الوضع الاقتصادى لعام 2023 إلى أن البطالة سترتفع بنسبة 8%، وستضيع نحو 175 ألف وظيفة، مما سيؤثر حتما على منظومة الأجور.

بالإضافة إلى التضخم الذى تسبب فى انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، من الأسباب التى تقف وراء عدم رضا ملايين الفرنسيين هو التشديد المقبل لقواعد إعانات البطالة، وإصلاح المعاشات التقاعدية المتوقع نهاية العام.كما تخشى فرنسا، شأنها فى ذلك شأن معظم الدول الأوروبية التى تسارع عقارب الساعة للحصول على بدائل للغاز الروسى قبل الشتاء القادم، من ارتفاع فواتير الطاقة الذى قد يضع ملايين العائلات الأوروبية بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة. أمام هذا الوضع سيجد الرئيس الفرنسى نفسه على فوهة بركان شعبي، فى وقت فقد فيه الأغلبية فى البرلمان، وبات غير قادر على تمرير القوانين بسهولة، مما ينذر بتفاقم الأزمة. وقد دفعت الضغوط المفروضة على الحكومة، جراء الوضع الراهن، رئيسة الوزراء الفرنسية للقول إن حكومتها تتأهب لتمرير مشروع موازنة 2023 باستخدام صلاحيات دستورية خاصة تسمح لها بتجاوز إجراء تصويت فى البرلمان.

تقف الحكومة الفرنسية حتى الآن عاجزة امام الاضرابات الآخذة فى الاتساع، فعلى الرغم من تكرار المسئولين الفرنسيين على رأسهم الرئيس ماكرون لتصريحاتهم عن قرب انفراج الأزمة إلا انه لا يوجد فى ارض الواقع ما يشير الى ذلك. الغلاء والاحتجاجات باتا نقطة اشتعال فى النقاش السياسى الفرنسي، والاوروبى بصفة عامة، بحيث تعمل المعارضة الى إلقاء اللّوم على الحكومة وتحميلها مسئولية الأوضاع الراهنة، بينما تهدد النقابات العمالية بالتصعيد مدافعة عن حقها فى الاضراب.

تداعيات الحرب فى أوكرانيا وتأثير العقوبات -المفروضة على روسيا- الارتدادى على أوروبا يزيدان من مخاطر وقوع انتفاضة مدنية في منطقة اليورو. فبعد أن أقدم قادة أوروبا على مساعدة أوكرانيا عسكريا وتعهدوا على إبعاد اقتصاداتهم عن النفط والغاز الروسى الرخيص، الا ان العملية الانتقالية لم تكن سهلة، وتهدد بتآكل الدعم الشعبي. اذا استمر الوضع بهذا الشكل وحدث تعثر فى إمدادات الغاز او ارتفاع أسعاره فقد تشهد أوروبا مزيدا من الاضطرابات المدنية والمخاطر، وانعدام الاستقرار الحكومي.

امام هذه المخاطر، أوروبا مطالبة بعدم إطالة أمد الحرب، من خلال تزويد أوكرانيا بالسلاح وفرض عقوبات على روسيا، حيث إن ذلك لا يهدد اقتصاد روسيا بقدر ما يلحق الضرر بالاقتصادات الأوروبية.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: