فى أكتوبر من كل عام تطل علينا جائزة نوبل كنسمة الجنوب وتمنحنا كثيرا من التحفيز والأمل والإلهام. تجسد كل ذلك فى جائزة الكيمياء هذا العام. فاز بها ثلاثة أحدهم بارى شاربلس والذى فاز بالجائزة من قبل ويبلغ من العمر واحدا وثمانين عاما، إضافة الى ذلك أنه قدم للبشرية لأول مرة نوعا جديدا من الكيمياء أطلق عليها كيمياء التوافق. الأصل الإنجليزى هو كيمياء الكليك، وبالتالى ترجمها البعض الى العربية حرفيا الى كمياء النقر. التسمية باللغة الإنجليزية مردها أنها نوع من الكيمياء يمكننا من تخليق جزيئات كبيرة من خلال عملية بلمرة تشبه اللضم السريع لقطع الليجو التى يلعب بها الأطفال ويبنون من خلال ذلك أشكالا كبيرة بكفاءة وسهولة، بإضافة قطعة الى قطعة تحدث عملية اللضم تلك بسبب توافق القطعتين يحدث نتيجة ذلك صوت كأنه نقر، وبالتالى فإن ترجمتها الى كيمياء التوافق تعتبر أكثر مناسبة من الصوت الذى هو نتيجة من نتائج العملية. عندما أعلنت مؤسسة نوبل جائزة الكيمياء لهذا العام يوم الأربعاء الخامس من أكتوبر 2022، أعلنت فى حيثيات منحها أنها ستمكننا من المزيد من معرفة النواة ورسم خريطة الدى إن إيه، وهذا بدوره سيمكننا من تخليق وتصميم جزيئات تشبه الجزيئات الطبيعية المعقدة بسهولة، وهو الأمر الذى سيحقق للبشرية معجزات منها تصنيع أدوية بدقة مثل مرض السرطان وغيره من الأمراض المستعصية.
أهم من ذلك أن هذه الجائزة جعلت دكتور شاربلس يحقق رقما نوبليا جديدا وهو دخوله نادى الكبار للجائزة والذين أصبحوا بعد فوزه خمسة علماء مميزين فاز كل واحد منهم بالجائزة مرتين عبر تاريخها كله منذ إعلانها عام 1901 وحتى وقتنا هذا. ويلاحظ أن جميع أبحاث هؤلاء الخمسة التى مكنتهم من نيل ذلك الشرف الرفيع أحدثت للبشرية كثيرا من التقدم والانتصارات التى غيرت الحياة تغييرا جذريا على سطح الأرض. أول هؤلاء الخمسة هى البولندية ـ الفرنسية مارى كورى التى فازت بكل من جائزة نوبل فى الفيزياء وأخرى فى الكيمياء. فازت هى وزوجها بنصف جائزة الفيزياء لعام 1903، والنصف الآخر فاز به أنتونى هنرى بيكريل والذى ينسب إليه اكتشاف ظاهرة النشاط الإشعاعى التلقائى لبعض المواد عام 1896. وفى عام 1911 فازت منفردة بجائزة نوبل فى الكيمياء نتيجة أبحاثها فى النشاط الإشعاعى واكتشافها عنصرين جديدين من عناصر الجدول الدورى هما الراديوم والبولونيوم (تشريفا لوطنها الأصلى بولندا). كل من الجائزتين أدتا الى إحداث ثورة فى العلوم واستخدامات كبيرة فى الطب والعلوم.
ثانى الخمسة الكبار هو العالم الأمريكى ليونس باولنج وهو الوحيد حتى الآن الذى فاز بجائزتين منفردا. فاز بجائزة نوبل للكيمياء عام 1954 نتيجة أبحاثه فى الكيمياء الجزيئية والبروتينات وفهم طبيعة الروابط الأساسية التى تمسك المواد وتمنع تفتتها وتفسر تماسكها. تكمن أهمية تلك الأبحاث فى فهم طبيعة المواد والبروتينات ومضادات الأجسام. كما فاز أيضا بجائزة نوبل للسلام عام 1962، نتيجة مناهضته للأسلحة الذرية. رحم الله أحمد زويل عالم مصر العظيم الذى كان على وشك الفوز بجائزة نوبل ثانية منفردا وكان مصرا على تحقيق حلمه . كان الجميع يتحدثون عن ذلك وينتظرون حدوث حصوله على الجائزة الثانية. كان مدفوعا الى ذلك دفعا بالغ الحماسة وكان يضع رقم 2 فى مكتبه يقينا منه أنه سيفوز بها منفردا للمرة الثانية ولكن القدر لم يمهله. ثالث الخمسة الكبار هو جون باردين الأمريكى الذى فاز بجائزة نوبل فى الفيزياء عام 1956، مشاركة مع عالمين آخرين هما وليام شوكلى ووالتر براتين لاكتشافهم الترانزيستور. ذلك الاكتشاف العظيم الذى أحدث ثورة فى مجال الإلكترونيات وأدى الى ما نستمتع به الآن من أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم من راديوهات وآلات حاسبة وكمبيوترات وكل الاستخدامات الإلكترونية الأخرى. فاز أيضا عام 1972وبجائزة الفيزياء مشاركة مع عالمين آخرين هما ليون كوبر وجون روبرت لاكتشافهم نظرية جديدة فى ظاهرة التوصيل الفائق التى تمتلكها بعض المواد ليصبح الوحيد الذى فاز بجائزة الفيزياء مرتين.
رابع الكبار هو البريطانى فردريك سانجر الذى فاز بجائزة نوبل فى الكيمياء مرتين، حيث فاز بالأولى منفردا عام 1958، نتيجة أبحاثه فى بنيان البروتينات وعلى الأخص بنيان جزىء الإنسولين والذى استغرق اكتشافه له عشر سنوات أثناء عمله فى معامل المجلس الطبى البريطانى بجامعة كيمبردج. وفاز بالثانية عام 1980 مشاركة مع اثنين آخرين هما الأمريكيين بول بيرج ووالتر جلبرت نتيجة أبحاثهم فى التسلسلات القاعدية للأحماض النووية. أدت أبحاثه الى توثيق أكثر من ثلاثة بلايين وحدة حمض نووى للإنسان واكتسابه لقب أبو الجينوم.
خامس الكبار الذين فازوا بجائزة نوبل فى الكيمياء مرتين-هو الوحيد منهم الذى مازال على قيد الحياة هو الأمريكى بارى شاربلس. فاز شاربلس بنصف جائزة نوبل فى الكيمياء عام 2001، نتيجة أبحاثه فى تفاعلات الأكسدة المحفزة، والنصف الآخر فاز به عالمان آخران هما ويليام نويل وريوجى نويورى نتيجة أبحاثهما فى تفاعلات الهدرجة المحفزة. فى عام 2022 فاز دكتور شاربلس بجائزته الثانية فى الكيمياء ليصبح ثانى الفائزين بها فى هذه الفئة وليصبح خامس من فازوا بها فى كل الفئات الأخرى. شاركه فى هذه الجائزة كل من الأمريكية كارولين بيرتوزى والدنماركى مورتين ميلدال نتيجة أبحاثهم فى كيمياء التوافق. هذه الكيمياء الجديدة كانت معروفة منذ الخمسينيات، غير أن التسمية تعود لدكتور شاربلس لتمثل تفاعلا كيمياويا لتصنيع بولمرات. هذه الأبحاث ستؤدى الى تطبيقات كثيرة فى الصناعات الطبية ومجالات الكيمياء وعلوم المواد.
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: