يأتى انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 27) فى شرم الشيخ فى ظل تزايد الجدل حول جدية السياسات العالمية لمكافحة التغير المناخي، وفى ضوء ثلاث أزمات رئيسية شهدها العالم خلال العامين الماضيين، وهى تفشى جائحة كوفيد-19، والحرب الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم والفائدة على المستوى الدولي. هذه الأزمات غيرت وجه العالم وأثقلت جميع دوله، وبشكل خاص، كاهل الدول الفقيرة والدول متوسطة الدخل. تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن تلك الدول ستخسر حوالى 6٫5% من ناتجها المحلى الإجمالى سنويا جراء آثار تغير المناخ بحلول عام 2030.
فى المقابل، لا تقوم الدول الصناعية، رغم مسئوليتها التاريخية عما أصاب الغلاف الجوى من تشبع بالانبعاثات منذ الثورة الصناعية، بالقدر المطلوب، لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة تداعيات أزمة المناخ، ولمساعدة هذه الدول بصورة عادلة لإجراء التحول المطلوب الى اقتصاديات منخفضة الانبعاثات عن طريق توفير التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات. كما انها لم تلتزم بتوفير التمويل المتفق عليه خلال مؤتمر كوبنهاجن عام 2009، والبالغ 100 مليار دولار سنويا للدول النامية لتعويضهم عن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ ولمساعدتهم على اتخاذ تدابير التخفيف والتكيف. تسعى مصر، من خلال مؤتمر شرم الشيخ المقبل الى تركيز الانتباه على الوفاء بالتعهدات المتفق عليها ووضعها موضع التنفيذ. فالنافذة المتاحة للمجتمع الدولى لتصحيح المسار والالتزام بهدف درجة ونصف درجة فوق متوسط درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية تضيق مع الوقت. لم يعد المجال يتسع للمزيد من التسويف او الإحالة إلى المستقبل، حيث إن مظاهر تغير المناخ أصبحت حادة وتنبئ بكارثة حقيقية ان لم يتم أخذ الامر بالجدية اللازمة. هناك مسئولية مشتركة مع تباين الاعباء بين الدول الصناعية والدول النامية، والأمر يتطلب إعمال اعتبارات الإنصاف والعدالة البيئية. تكلفة التكيف تتعدى 2 تريليون دولار، والمبالغ المخصصة له لا تعدو ان تكون 7% من التمويل المتاح على ضعف حجمه. من جانب آخر القطاع الخاص غير مهتم سوى بالاستثمار فى مجال التخفيف لوجود عائد على استثماراته فى مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة. والسؤال المطروح هو كيف سيتم تناول مسألة التمويل الخاص بتغير المناخ مقارنة بتمويل الأهداف التنموية بصفة عامة، وما هى المعايير التى تسمح بقياس حقيقة المبالغ المخصصة من قبل الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية لتفادى احتسابها بصورة فيها تكرار او بصورة غير حقيقية.
فى المجمل، تقدر الفجوة القائمة بين التمويل المتاح واحتياجات الدول النامية بحوالى 5٫6 تريليون دولار، وتحتاج إفريقيا إلى توفير 190 مليار دولار سنويا ما بين 2026 و2030 للوصول إلى أهداف الطاقة النظيفة، فى وقت لا تفى فيه الدول المتقدمة بالتزاماتها، واقتصار تمويل المناخ المقدم من بنوك التنمية متعددة الأطراف على 68 مليار دولار، 69% منها فى صورة قروض، و8% منها فقط موجه للتكيف. لحل مشكلة التمويل، هناك حاجة للتركيز على اتباع نهج شامل فى التعامل مع مختلف مصادر التمويل من خلال مجموعة من التدابير ستطرح على اجندة القمة المقبلة.
تستضيف مصر هذه القمة، بوصفها ممثلا عن القارة الإفريقية، التى تتحمل النصيب الأكبر من الضرر جراء التغير المناخي، بينما هى لا تمثل سوى 3% من الانبعاثات العالمية الكلية، وهى تتحمل تكاليف إصلاح هذا الضرر بصورة أساسية عبر الموازنات الحكومية للدول الإفريقية والاقتراض. والدول الإفريقية فى ذات الوقت تعانى أكثر من غيرها من الجفاف والتصحر والفيضانات وندرة المياه وانهيار الإنتاجية الزراعية بما يؤثر على الأمن الغذائى ويؤدى إلى النزوح الجماعى وحروب داخلية على الموارد الطبيعية وزيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين الباحثين عن حياة أفضل فى أوروبا. هذه بعض من الاعتبارات التى تجعل من مؤتمر شرم الشيخ محطة مفصلية وحاسمة على طرق دبلوماسية تغير المناخ. كل الاجندات الدولية تلتئم فى هذا المؤتمر، وجميع المشاركين من حكومات ومنظمات دولية وقطاع خاص وعلميين ومؤسسات مالية دولية وبرلمانيين ومجتمع مدنى وشباب، جميعهم يأملون ان يسفر المؤتمر عن خطوة ملموسة طال انتظارها على الطريق الصحيح. من الصعب التكهن بمدى التوصل الى نتائج حاسمة خلال قمة المناخ المقبلة، لكن المؤكد أن تحقيق اختراق مهم فى هذه القمة، يستلزم الكثير من الضغط من جانب الدول النامية والمؤسسات الدولية المعنية من أجل حث الدول المتقدمة على سرعة تحمل مسئولياتها تجاه تغير المناخ، وأن يتوقف التناحر وانعدام الثقة وتبادل الاتهامات بالتقصير بين دول الشمال والجنوب، وأن يحل محله تعاون بناء لتحقيق المنفعة العامة لحماية جميع شعوب الأرض.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: