رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

.. و بالوالدين إحسانًا

العلاقة بين الآباء والأبناء هى أحد أهم أنواع العلاقات البشرية، حيث بدأت مع خلق سيدنا آدم عليه السلام، كما أنها مستمرة ولن تنتهى إلا بنهاية الحياة، وكنت دائما أتوقف عند بعض المشاعر التى تربط بين الآباء والأبناء، وأتساءل دوما، لماذا وصى الله الأبناء على الآباء، ولم يأمر بالعكس أيضا، أو جعل وصايته للآباء دون الأبناء؟

وفى هذا السياق البشرى المهم، وجدت أن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان لعبادته، والعبادة مقترنة بوجود البشر، فجزء مهم للغاية التناسل، والحفاظ عليه لاستمراره، ثم العمل على إعمار الكون من خلال الإنسان وهو المحمل بالأمانة.

من هنا نرى ضرورة رعاية الآباء للأبناء، بكل ما شرعه الله وحدثتنا به الأديان، حتى تنشأ أجيال قادرة على العمل والبناء، وهكذا تتواتر الأجيال، وكان من الضرورى واللازم، فطرة الإنسان على حب الابن، فيولد محاطا برعاية أبويه كلُ فيما خلق من أجله ويُسر له، الأم لها دور جليل وعظيم، قدره القرآن الكريم، كما قدرته السنة النبوية، أما الأب فدوره لا يقل أهمية بالتأكيد، كل ذلك أوضحته الشريعة، حتى إن آيات الكتاب الكريمة، نصت بشكل واضح تماما، على قيمة الآباء، وأهميتهم عند الله، وذلك يتضح جليا تماما، فى الآية الكريمة رقم 23 من سورة الإسراء "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، فقد أعقب الله أمر عبادته بألا نعبد إلا إياه، وكلمات الأمر التى ذكرها القرآن عديدة، يبدو أن كلمة قضى من أكثرها شدة ووضوحا، أعقب الله قضاءه بعدم عبادة غيره، وهذا أمر لا جدال فى أهميته، بالوالدين إحسانًا، من شدة أهمية الإحسان للوالدين.

هذا أمر لا لبس فيه، كما أنه لا يحتمل التأويل، وهذا كفيل بتبيان قيمة و قامة الآباء التى أقرها الله كما يبين منزلتهم عنده سبحانه وتعالى، كل ذلك جيد ورائع، وقد يبدو أن حديثى الغرض منه توضيح منزلة الآباء وتأكيد العمل بأمر الله فى رعايتهم، ولكن فى الحقيقة الحديث اليوم عن زاوية مختلفة، أعتقد، أنها لا تقل أهمية عن الزاوية الرئيسية للآية الكريمة.

فمنزلة الآباء، تلزمهم فى المقابل بالعمل بقدر المكانة التى وضعهم فيها الله سبحانه وتعالى، وهنا نجد من يعى قيمة تلك المكانة ويعمل على صونها بما يناسبها، وهناك العكس فكيف يكون ذلك؟

أُشاهد منذ فترة ليست بالقصيرة، عادات وقيما لم أعهدها من قبل، تثير التعجب، فى محيط دوائر غير ضيقة، لأُناس تزداد أعداهم يوما بعد يوم، والمبرر الذى يسوقونه هو الحداثة، و مفهوم الحداثة برىء منهم تماما، ولا علاقة له بما يفعلونه على الإطلاق.

و حين اقتربت من أحد هؤلاء، أصحاب العادات الغريبة، متسائلا عن سبب تلك الظواهر، كان التفسير عجيبا، بل إنه زاد العجب، حين قال إننا لسنا كغيرنا، ولا يمكن أن نعيش حياة الناس العادية، فنحن متميزون بدرجة تجعلنا متفردين فى كل شيء، وهذا يفسر الاختلاط غير المبرر بين الشباب، والمقصود بالاختلاط هنا، هو نمو العلاقة بشكل مستفز، وكأن المختطلين «إخوة»، وهم ليسوا كذلك!

ليس ذلك فقط بل الأمر تعدى الاختلاط وأمست هناك قيم جديدة، ترسخ لأُطر أكثر رحابة فى العلاقات بين الناس، فما كان عيباً فى الماضى أصبح مقبولا، بل ومطلوبا فى الوقت الحالى، وأقصد بذلك قطاعا غير قليل من الطبقة المخملية، يرغبون فى ممارسة حياتهم بأسلوب مختلف، حتى العلاقات المتباينة بينهم لها آليات مختلفة، لا يقبلها الناس الذين تربوا على الفطرة السليمة، لذلك حينما يتسرب لأسماعنا بعض القصص، أو المقاطع المصورة لحياة هؤلاء، نُصاب بالصدمة جراء ما نعرف، والأمر كان يمر بهدوء، عملا بمقولة «البعيد عنى، لن يصبنى»، ولكن وللأسف، تلك المقولة لم تعد نافعة فى الآونة الأخيرة، لأنه لم يعد هناك بعيد!

أضحت تلك الحياة نموذجا يرغب عدد من المتابعين تقليده، وهناك من يسعى منهم بكل قوة ليعيشها، ظنا منه بتميز تلك الحياة، والحقيقة خلاف ذلك تماما، فكل ما يخالف أصول العلاقات السوية والسليمة بين الناس، من المؤكد أنه غير طبيعى، ومآله الدخول فى نفق معتم، قد لا تبدو له نهاية.

وهنا أصل للهدف من المقال، وهو عن دور الآباء فى تربية الأبناء، هل يقومون به بالشكل السليم؟

فمن المؤكد أننا لسنا مسئولين عن سلوك الغير، ولكننا مسئولون عن سلوكياتنا نحن وأبنائنا، وكذلك مسئولون عن متابعتهم بشكل منضبط، يضمن لنا كآباء، ولهم كأبناء تنشئة سليمة، تؤهلهم لحياة سوية، ومن ثم أتمنى أن يدرك الناس مهما تختلف طبقاتهم الاجتماعية، وتتباين قيمهم الثقافية، وتتباعد قدراتهم المادية، أن التميز ليس فى البعد عن العلاقات السوية السليمة، وليس باتخاذ عادات جديدة غريبة، ومؤذية، أو من خلال سن بدع مستفزة، تشذ عن الأُطر المنضبطة الصحيحة.

التميز الحقيقى، يكون من خلال تحقيق التفوق فى العلم، والتفرد فى الأخلاق، والتنافس فيما بين الأبناء لتحقيق ذلك أمر مطلوب، لكن محاولة تقليد أصحاب العادات الغريبة، ظنا بأن هؤلاء هم المتحضرون، وما دونهم متأخرون، هذا عبث غير مقبول، يتحمل نتيجته، آباء لم يحسنوا صنعا بأبنائهم، كما لم يصونوا نعمة الله عليهم، بوضعهم فى منزلة عظيمة، وسيحاسبون عليها.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: