رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جائزة نوبل: آباء وأبناء

منذ بدأ منح جائزة نوبل عام 1901, فاز بها رجال ونساء وعواجيز وشباب وبنين وبنات. من أهم تلك الفصائل فصيل الآباء والأبناء التى نحن بصددها فى هذا المقال. عبر ذلك التاريخ الممتد من 1901 وحتى 2021, فاز بها ستة آباء وستة أبناء هم: جى جى تومسون وإبنه جورج تومسون البريطانيان وويليام براج وابنه لورانس براج البريطانيان, ونايلز بور وابنه آج بور الدناماركيان, ومانى سيجبون وابنه كاى سيجبون السويديان وهانز فون أويلر وابنه ألف أويلر السويديان, وآرثر كورنبيرج وابنه روجر كورنبيرج الأمريكيان.

تكمن أهمية هذا الفصيل فى أن الأبناء يحملون راية أبحاث الآباء الذين فازوا بها من قبل ويستكملون عملهم بشغف ورغبة فى استكمال تلك الأبحاث, ومن هنا تخرج تلك الأبحاث مختلفة وكاملة وكأن بها روح الأب وعقله, وتخرج أيضا مختلفة وكأنها محصلة تراكمية لعقل عالمين تربطهما رابطة الأبوة الأساسية. إنه نوع من البر والوفاء أن يبذل الأبناء تلك المجهودات الخارقة ليفوزوا بأكبر جائزة علمية اقتداء بآبائهم, كما أن فوز الأبناء بعد آبائهم الذين سبقوهم بالفوز يمثل تجسيدا لدور الآباء فى تكوين عزيمة الأبناء ليفوزوا بدورهم مثلهم وكأن هناك قوة دافعة تحرضهم وتحثهم على أن يتفوقوا على الآباء بغية تشريفهم وتكريمهم.

أولى هذه الجوائز تم الفوز بها عام 1906 حيث فاز البريطانى جى. جى. تومسون بجائزة نوبل فى الفيزياء نتيجة أبحاثه فى التوصيل الكهربى للغازات وهو الذى ينسب إليه أيضا اكتشاف الالكترون عام 1897, وكذلك اكتشاف مطياف الكتلة. كما أنه هو صاحب مقترح نموذج بنيان الذرة. أما الابن فقد سار على درب الوالد فى الأبحاث التى تدور حول الإلكترونات وفى عام 1937 فاز الابن جورج باجيت تومسون بجائزة نوبل فى الفيزياء مشاركة مع عالم آخر نتيجة اكتشافهما تجارب تثبت حيود الإليكترونات عندما تعترضها البلورات.

الجائزة الثانية هى جائزة نوبل للفيزياء لعام 1915, والتى فاز بها البريطانيان ويليام براج وابنه لورانس براج الذى كان عمره حينها 25 سنة. هى المرة الوحيدة التى فازا بها الوالد والابن سويا لاكتشافهما استخدام الأشعة السينية فى تحديد بنيان المواد الذرى للمواد البلورية, هو الاكتشاف الذى غير تاريخ العلم. بدونه ما كان هناك علوم وهندسة المواد التى فى أساسها علاقة بين البنيان والخواص وأن الخواص تعتمد على البنيان وأننا من خلال عملية التحكم فى البنيان نتحكم فى الخواص وننتج مواد متقدمة هى التى تحدث ثورات فى كل مجالات العلوم. دون هذا الأكتشاف ما كان هناك بقية الاكتشافات المهمة التى تلت مثل اكتشاف الدى.إن. إيه, واكتشاف بنيان الجزيئات الأخرى المعقدة من خلال علم أصبح يطلق عليه طريقة تحديد البنيان بإستخدام الأشعة السينية.

الجائزة الثالثة كانت من نصيب عائلة بور الدنماركية المكونة من الأب نايلز بور وابنه آج بور. فى عام 1922 فاز نايلز بور بجائزة نوبل فى الفيزياء نتيجة مساهمته فى فهم البنيان الذرى للمواد باستخدامه ميكانيكا الكم والتى هو أحد مؤسسيها وروادها. أما الإبن آج بور فقد فاز بجائزة نوبل فى الفيزياء عام 1975, مع عالمين آخرين لاكتشافهم بنيان النواة.

الجائزة الرابعة كانت من نصيب عائلة سيجبون السويدية حيث فاز الأب مانى سيجبون بجائزة نوبل فى الفيزياء عام 1924, نتيجة اكتشافاته فى مجال التحليل الطيفى للأشعة السينية. بعده حمل الابن راية البحث فى المجال الطيفى للمواد مما مكنه الحصول على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1981 لمساهماته فى تطوير التحليل الطيفى الإلكترونى واكتشافه طرقا دقيقة لقياس طاقة مستوى المدارات للذرات.

الجائزة الخامسة كانت من نصيب عائلة أويلر السويدية حيث فاز الأب هانز أويلر- تشلبن السويدى من أصول ألمانية بجائزة نوبل فى الكيمياء فى عام 1929, مشاركة مع سير آرثر هاردن البريطانى لأبحاثهما عن دور الإنزيمات فى تخمر السكر. أما الابن أولف فان أويلرالسويدى فقد فاز بجائزة نوبل فى الطب عام 1970, مشاركة مع عالمين آخرين أحدهما بريطانى والآخر أمريكى لأبحاثهم فى ميكانيكا النبضات العصبية. الجائزة السادسة تنتمى لعائلة أمريكية. فى عام 1959 فاز الأمريكى آرثر كورنبرج بجائزة نوبل فى الطب مناصفة مع الطبيب الاسبانى سيفيرو أوشاوا وذلك لاكتشافهما الطرق البيولوجية لتصنيع الحمض النووى منقوص الأوكسجين أو حمض الديوكسى ريبونيوكليك أو الحمض النووى الصبغى, وهو جزىء ضخم يوجد داخل خلايا كل الكائنات الحية والعديد من الفيروسات ويحتوى على المعلومات الوراثية التى تسمح بعمل وتكاثر وتطور هذه الكائنات. بعد 47 عاما من فوز أبيه استطاع دكتور روجر كورنبرج الابن الاستاذ بجامعة ستانفورد الأمريكية الفوز بجائزة نوبل منفردا فى الكيمياء عام 2006, وذلك خلال عشرين عاما من الإنجازات الضخمة، لاكتشاف كيفية نقل وتشفير وفك تشفير وتنظيم التعبير عن المعلومات الوراثية وتحفيز العديد من التفاعلات الكيميائية، وذلك باستخدام تقنيات متقدمة للأشعة السينية مكنته من اكتشاف جزىء حيوى يوجد لدى كل الكائنات الحية والفيروسات, وأطلق عليه آر.إن. ايه, وترجمته العربية الحمض النووى الريبوزى (رنا). تم نشر ذلك الاكتشاف فى مجلة ساينس بتاريخ 28 أبريل, 2000. وهو اكتشاف يترتب عليه تطوير علاج أمراض مثل مرض السكر وامراض القلب وذلك بتطوير أدويتهما. وهو أيضا فى حجم اكتشاف الدى.إن.ايه الذى نال عليه ثلاثة باحثين هم فرانسيس كريك وجيمس واتسون وموريس ويلكنز جائزة نوبل فى الطب عام 1962. من عجائب القدر أن الوالد مات عام 2007, أى بعد رؤية ابنه يكمل ويطور أبحاثه ويفوز مثله بجائزة نوبل مثله.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: