إن مشروع توطين الصناعات الحديثة المصرية يعد أحد أهم المشروعات القومية التى ترتقى بمنتجاتنا، فيلمع اسم «صنع فى مصر» من خلال إنتاج فائق الجودة، قادر على المنافسة العالمية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الكبير تتكاتف مؤسسات الدولة مع القطاع الخاص والجامعات ومراكز البحوث، فالعبرة ليست فقط فى توفير إنتاج محلى الصنع، بل بالقدرة على الابتكار والبحث والتطوير المستمر، لأن حقل الصناعة سريع التطور، ولا يمر يوم إلا وتظهر منتجات جديدة أو تدخل تحسينات على المنتجات المتداولة، ومن يحقق السبق يربح أكثر، ومصر لديها قدرات هائلة، سواء كانت على صعيد البنية الأساسية، التى شهدت قفزات كبيرة وسريعة خلال السنوات الأخيرة، أو بوجود العمالة الماهرة التى طالما اشتهرت بها مصر، فمن مزايا العامل المصرى قدرته على استيعاب كل تطور، وبراعته فى صناعته، ولهذا أنشأت الدولة معاهد التكنولوجيا والمدارس الصناعية الحديثة، بما يوفر العمالة الفنية المواكبة لعصر التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى، وكذلك تمتلئ جامعاتنا ومراكز بحوثنا بالعلماء والباحثين، وبإطلاق العنان لجهودهم، ودعم بحوثهم، وتقديم الدعم الفنى والمالى ستكون عوامل من شأنها تحقيق إنجازات كبيرة مع ربط الصناعة بالمراكز البحثية والجامعات، وليس ذلك من قبيل الأمنيات، بل شرعنا فى تطبيق هذا الترابط بين الجامعات ومراكز البحوث والمصانع، وأن تتولى مراكز البحوث فى جامعاتنا حل المشاكل التى تواجه أى مصنع، وكذلك تتولى المصانع تدريب طلاب المدارس الفنية، بل تنشئ مدارس ومراكز تدريب توفر لها العمالة الكُفْأَة والمدربة، والتى تتخرج لتعمل فورا.
لقد قطعنا شوطا فى توطين عدد من الصناعات، ويجرى التوسع فى هذا المجال، ومنها بناء الصوامع لتخزين الحبوب، بما يزيد من أمننا الغذائى، والصوامع الجديدة بأياد مصرية، لا يزيد الفاقد فيها على 2%، ولا تستخدم الأبخرة الكيماوية لحفظ الحبوب، بل الأبخرة الطبيعية والصديقة للبيئة والآمنة على صحة الإنسان والحيوان، وكذلك مشروعات الرى الحديثة التى تتحكم بدقة فى توفير المياه المناسبة للنباتات، بما يزيد الإنتاج ويحافظ على الثروة المائية من الهدر، عبر منظومة تكنولوجية متطورة.
الشواهد كثيرة على الاهتمام الكبير بتطور البحث العلمى ومشاركة الجامعات فى إحداث نقلة نوعية فى الصناعات الوطنية، فالميزانيات المخصصة لدعم البحوث العلمية حققت قفزات كبيرة، والبحوث العلمية المنشورة لعلماء وباحثين مصريين تحقق تقدما كبيرا، والجامعات حريصة على إنشاء معامل متطورة توفر للباحثين والمبتكرين فرصة اختبار أفكارهم ومخترعاتهم لكى ترى النور، ولا تظل حبيسة الأدراج أو العقول، فالكثير من جهود أبنائنا كان مجرد حبر على ورق، ويعتمد على المبادرات الفردية والتمويل الشحيح والصعب، وكان البعض منهم يضطر إلى السفر إلى الخارج لكى يرى ثمرة ابتكاره وجهده، لتحصد بلدان أخرى عصارة فكر وعقول أبنائنا الباحثين والخريجين، لكن الوضع تغير الآن، فتشجيع الباحثين أصبح سياسة ثابتة، تلقى اهتماما خاصا من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يتابع تطوير مراكز البحوث، والتوسع فى بناء الجامعات وضمان جودة التعليم فيها، ليكون على أرقى المستويات العالمية، وفتح المجال أمام إنشاء فروع للجامعات العالمية العريقة والجامعات الأهلية إلى جانب الجامعات الحكومية والخاصة، بما يفتح أبواب التنافس العلمى والتنوع فى شتى مجالات العلوم، ويجرى تقديم المنح ليدرس طلابنا المتفوقون فى أرقى جامعات العالم وفى مختلف التخصصات، وكذلك الاهتمام بالتعاون العلمى مع البلدان الأكثر تقدما، لكى نبدأ بما انتهى به الآخرون، وأن نتمكن من المشاركة فى تقديم منتجات متطورة تسهم فى تحقيق أعلى معدلات الإنتاجية والجودة مع الحفاظ على البيئة، وتنظم الجامعات مسابقات علمية لطلابها وخريجيها، وتتبنى مخترعاتهم وابتكاراتهم، وتساعدهم على تنفيذها، والربط بين البحث العلمى والصناعة، وهذا الترابط الوثيق بين العلم والمصانع سوف يحقق طفرة كبيرة وسريعة، ستطور كلا المجالين، فعندما تتحول الابتكارات إلى منتجات فإنها تشجع المبتكرين مثلما تحقق فوائد كبيرة للإنتاج الصناعى.
كما تشارك جامعاتنا فى المعارض الدولية، وقد حققت مراكز متقدمة فى ابتكارات متنوعة، بما يؤكد أن جامعاتنا قادرة على دعم وتقديم المواهب والمخترعين، وتحتضن النوابغ وتوفر لهم البيئة المناسبة والتشجيع المادى والأدبى، والتجارب كثيرة فى عدد كبير من جامعاتنا، يصعب حصرها أو تقديم نماذج محدودة منها؛ لأنها متنوعة وكثيرة، وتتبارى الجامعات فى مجال البحوث والتطوير والابتكار، وهذا النوع من المنافسة سوف يعود بالكثير على صناعاتنا، وأن تخوض مضمار التنافس العالمى على أرضية صلبة من قطاع خاص يعى أهمية التطور الصناعى، والجانب الوطنى فى الاستثمار بما يحقق للدولة التقدم على أرضية من الصناعات الوطنية الحديثة، والدعم غير المحدود من مؤسسات الدولة، ومنح الصناعات الوطنية فرصا كبيرة لتحقق التطور المنشود، وفتحت مجال توريد معدات بناء وطنية فى مجالات البنية التحتية، منها قطاع التشييد والبناء، الذى حقق تطورا هائلا فى تقنيات البناء وفق المعايير العالمية، من أوناش ومعدات خلط وروافع ومعدات ثقيلة، لتعطى دفعة كبيرة لهذا القطاع المهم بأياد ومعدات وعقول مصرية، وتفتح المجال أمامها لكى توسع نطاق أعمالها فى الأسواق العربية والإفريقية.
إن تحقيق خطوات كبيرة فى توطين الصناعات من شأنه أن يحقق العديد من الأهداف، منها توفير احتياجات السوق المصرية بأسعار مناسبة، وتوفير العملات الأجنبية التى ننفقها على استيراد منتجات يمكننا صناعتها بأيادى أبنائنا، وتطوير مهارات العمالة الوطنية، بما يرفع الإنتاجية ويحسن مستويات معيشتها، وتوفير فرص عمل فى مجالات واسعة، يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من الخريجين، خاصة من يدرسون فى المجالات العلمية والتكنولوجية، والذين توافرت لهم فرص الدراسة فى مدارس فنية وجامعات حديثة، تضعهم على قدم المساواة مع نظرائهم فى البلدان المتقدمة، بما يحقق لمصر مكانة علمية وصناعية متقدمة، فى إطار مشروع التنمية الشاملة، التى تضع بناء الإنسان والعقول فى مقدمة الاهتمامات، لتكون الانطلاقة قوية وسريعة، وتعوض ما فاتنا، وتعيد بناء مصرنا على أسس قوية من المعرفة والعمل والمهارة والابتكار، وأن نشارك البلدان المتقدمة فى الارتقاء والتقدم.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـلاء ثـابت رابط دائم: