رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإشارة

يقال إشارة بمعنى حركة، إيماء (علامة)، اشارة وقوف. والاشارة (اسم) تعيين الشىء باليد ونحوها .. ويقال إشارة لضبط الوقت، اى علامة بصوت مميز لظبط الوقت. ويقال الإشارة بمعنى التلويح بشيء، ويفهم، منه المراد. ويقال رهن اشارته، اى تحت أمره، و سريع الاستجابة له. ويقال لغة الإشارة أى لغة تعتمد على الحركات اليدوية للوصول للمعنى (وهى تستخدم كلغة للصم والبكم)، و يقال إشارة لاسلكية أى تعليمات مرسلة بطريق ما. ويقال إشارات المرور أى علامات تتضمن دلالة و ترمز الى شيء ما وتدل عليه. ويقال كل لبيب بالإشارة يفهم.

هذا المقال يرتبط ارتباطا وثيقا بمعنى الاشارات التى ترسل لغرض ما, بينما المقصود منها غرض آخر. وهو ما يعد بهذا المعنى نوعا من أنواع الخداع. فالخداع فى حد ذاته ليس غاية ولكنه وسيلة لإحداث ظروف مناسبة لتحقيق مفاجأة ما. وهو مصطلح يستخدم بقوة فى علوم الحرب والعلوم العسكرية (بمعناها الإيجابي). فيقال خداع بصرى، أى صورة خادعة مضللة، أى ما يخيل للرائى انه موجود وهو ليس كذلك.،و يقال خداع الحواس، أى خطأ فى الحواس مرده او سببه إلى مظهر كاذب او وهمي. وتستخدم هذه المصطلحات دائما فى العلاقات الحميمية كما فى العلاقات الإنسانية. فيقال انخدع فى مظهره. و يقال خدعه بكلام معسول. و يقال الحرب خدعة، أى من وسائلها الخداع.

من اكثر الإشارات السياسية شهرة فى التاريخ المصرى ما كان يقال عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات ونخبة العسكريين الأفذاذ الذين خططوا لانتصارات اكتوبر ١٩٧٣ لإزاحة آثار الهزيمة النكراء ( التى سميت تجاوزا نكسة عام ١٩٦٧)… حيث قام بجميع أنواع الخداع كوسيلة إستراتيجية (للتضليل) والتى تقاطعت مع الحرب النفسية آنذاك مع العدو الإسرائيلى، وهو تصديق شيء ما ليس حقيقيا. وقد اعترف هنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة إبان حرب اكتوبر ١٩٧٣ فى مذكراته (سنوات مضطربة) بقوة الخطة الاستراتيجية المصرية فى خداع اسرائيل و امريكا معا.. فقبل ساعات من بدء الهجوم كان الجنود يمصون القصب ويلعبون على شاطئ القناة تأكيدا على الاسترخاء. حيث كانت خطة الخداع الاستراتيجى كلمة السر لتحقيق النصر. فصباح ذلك اليوم التقى وزير خارجية جمهورية مصر العربية نظيره الامريكى وتحدثا عن مبادرة السلام (وهى الإشارة التى اراد أن يرسلها السادات لاسرائيل وامريكا عكس الحقيقة).

وبعد ساعات كان الهجوم.. وخرجت الصحف الاسرائيلية والامريكية تقول (خدعنا المصريون) وقد شملت خطة الخداع عدة مستوات بإشارات متعددة عكس ماكان مقصودا بها .. منها الجانب الاعلامى والاقتصادى والسياسى.. فقد تم تسريب معلومات لإسرائيل (وهى تعد إشارة) أن مصر ستبدأ إجراء مناورات شاملة وليس حربا فى الفترة من ١-٧ اكتوبر بالاضافة الى نشر إعلان عن الراغبين من قادة وضباط القوات المسلحة لتسجيل اسمائهم والراغبين فى تأدية مناسك الحج. وهى الإشارة التى أرسلها الرئيس السادات لإسرائيل وامريكا أنه لا نية فى الحرب واسترداد الأرض المحتلة. وهى اشارة فهمها الجانبان الاسرائيلى والامريكى وتعاملا على اساسها. لكن الاشارة كانت عكس ذلك وفى الاتجاه المقصود والمعنى بها اتجاه آخر مغاير. يذكر ان إشارات التمويه العسكرى قد استخدمت خلال الاستعداد لإنزال النورماندى عام ١٩٤٤ فى اثناء الحرب العالمية الثانية.. وسمى آنذاك عملية الخداع البصرى .. حيث نفذ الحلفاء اكبر عملية خداع فى التاريخ العسكرى آنذاك، وهى ما اطلق عليها الحارس الشخصى وهو ما ساعد الحلفاء على تحقيق أعلى درجات المفاجأة التكتيكية للعدو.

الاشارة بالمعنى الإيجابى لا تجدها فقط فى العلوم العسكرية. بل فى كل مناحى حياتنا الاجتماعية.. فى العلاقات العاطفية والإنسانية كلها.. حتى فى الفنون المختلفة.. تلعب الاشارة دورا مدهشا ومميزا لإيصال رسائل بعينها.

فى واحد من اشهر الشعر الغنائى فى تاريخ الغناء المصرى الحديث، كتب الشاعر الغنائى حسين السيد واحدة من اروع القصائد الغنائية ذات الاشارة. ففى عام ١٩٧٤ كتب يقول «فاتت جنبنا انا وهو وضحكت لنا انا وهو .. واعرف منين انها قاصدانى انا مش هو ..» وتسير الكلمات التى شدا بها عبد الحليم حافظ وقام بوضع موسيقاها الموسيقار محمد عبد الوهاب فى اتجاه ملتبس.. «مرة تانية برضه صدفة.. كنت انا وهو فى طريقنا، التفت لقيتها هى ..» وهكذا حتى يصل للإشارة بكل دلالتها الايجابية.

«اعرف منين ان الضحكة دى مش له هو و لى انا مش هو.. وان لقيت صاحبى بيضحك اقول دى لازم قابلته، وان لمحت فى عنيه شكوى اقول دى لازم خاصمته.. ما لقيتش طريق قدامى يرحمنى من العذاب غير انى ادور واسأل واعرف منها الجواب.. وعرفت طريقها عرفته وبعثت كلمتين قولتها ريحينى قولى لى انا مين.. وجانى الرد وقالتلى انا من الاول بضحك لك يا اسمرانى وانا انا ايوه مش هو..» هكذا الاشارة تلعب دورا فى حياتنا وتسهم فى سعادتنا احيانا ونجاحاتنا احيانا.. إلا أن اشرار السياسة والمفتونين ببث الشائعات لإحباط أعضاء المجتمع يستخدمون الاشارات بالمعنى الآخر الحقود و السلبى والمدمر والذى يبث الفرقة بين أعضاء المجتمع. يمارسون كل انواع الكذب وبث الاكاذيب من عواصم الحقد ومن أيديولوجيات الكراهية والسلفية الغليظة القلب واللسان.

وعلى المجتمع ونخبه وقادته ألا يلتفتوا لهذه الاكاذيب وأن يفعلوا بأقصى ما بوسعهم لدحض هذه الإشارات المريضة.. ليظل الوطن وأعضاؤه يمارسون الاشارة بمعناها المفرح الطازج الذى يمنح النصر والسعادة.


لمزيد من مقالات صبرى سعيد

رابط دائم: