رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الشتاء قادم: المأزق الأوروبى

عبر ثمانى سنوات فى الفترة من 2011 الى 2019, شهد العالم كله, أهم حلقات درامية تليفزيونية أمريكية فى التاريخ اسمها لعبة العروش أو صراع العروش. كان ضمن مافيها شعار متكرر اسمه: الشتاء قادم: كان ذلك الشعار مجازا يعنى أن شيئا سيئا على وشك الحدوث فى عالم تلك الحلقات, متمثلا فى شتاء سرمدى لا تظهر فيه الشمس وتعم فيه المخاوف من عدو غير مرئى دائم الإغارة على السكان الآمنين ومروعا لهم ومثيرا للفوضى العارمة فى حياتهم. صار الشعار بعدها جزءا من الثقافة الغربية يعنى أن هناك مصيبة على وشك الحدوث ما إلى عكسها من سبيل شبيهة بأغنية نجيب الريحانى: حاسس بمصيبة جايالى.

تشاء الظروف أن تقلد الحياة الفن على غرار ما حدث فى تلك الحلقات, وأن شيئا شديد الشبه بذلك سيحدث مع الشتاء القادم فى أوروبا نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية, وأن الإستراتيجية الروسية القادمة والمتمثلة فى التحكم فى قطع مصادر الطاقة من بترول وغاز عن الدول الأوروبية التى تدخلت فى الحرب وساعدت أوكرانيا بالعتاد والسلاح والمال, وطبقت على روسيا الكثير من المقاطعات فى مختلف المجالات وأمدت أوكرانيا بأحدث الأسلحة وأفتكها. ولأن الدول الأوروبية تعتمد على كل من الغاز والبترول الروسيين اعتمادا كاملا مما سيسبب لها كوارث عندما يقدم فصل الشتاء القادم قد يسبب دمارا يصعب التنبؤ به إذا قطعت روسيا الغاز عبر خطوط الغاز الممتدة الى غالبية الدول الأوروبية.

هذا أمر سبق أن توقعه كيسنجر فى يوم الإثنين الموافق 23 مايو 2022, فى خطاب صادم له ألقاه أمام المنتدى الاقتصادى بدافوس عن الحرب الأوكرانية الروسية فحواه أنه يتعين على أوكرانيا التخلى عن المناطق التى احتلتها روسيا فى الشرق الأوكرانى وأن تتفاوض بجدية لوقف الحرب فورا, وأنه يتعين على الحلفاء الأوروبيين وأمريكا تشجيع أوكرانيا أن تفعل ذلك. لم تجد تلك الكلمات آذانا صاغية بين الحلفاء الأوروبيين والرئيس الأمريكى كما هو واضح حتى الآن. هكذا تكلم كيسنجر وكان يتعين على الجميع أن ينصتوا. بالعكس حدث تصعيد من قبل حلف شمال الأطلنطى متمثلا فى تدفق المساعدات المالية والعسكرية بغير حساب بطريقة لم تحدث من قبل فى التاريخ متمثلة ببلايين الدولارات ومن صواريخ وعتاد من كل نوع وطائرات هى الأحدث, لدرجة أنه أصبح أمرا معهودا أن تكون هناك مطالب يومية متزايدة للرئيس الأوكرانى والذى وجد فيه الحلفاء الوسيلة لتنفيذ إستراتيجيتهم والتى من الواضح هى عكس ما اقترحه كيسنجر فى خطابه وهو ألا تسعى الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون الى محاولة إلحاق الهزيمة بروسيا فى أوكرانيا لأن حدوث ذلك سيؤدى الى زعزعة استقرار أوروبا على المدى البعيد. أضاف كيسنجر فى خطابه: أن المفاوضات يجب أن تبدأ خلال الشهرين القادمين وذلك قبل أن تخلق الحرب واقعا فوضويا يصعب عكسه وتجاوزه, وأن أفضل حل أن تكون الحدود بين البلدين هى التى خلفتها الحرب, وأن استمرار الحرب خارج هذه النقطة يعتبر حربا جديدة ضد روسيا.

كان يتعين على الحلفاء الغربيين أن ينصتوا للحكيم العجوز الذى يبلغ من العمر 99 سنة, فهو صاحب الخبرات الفريدة خلال عمله مستشارا للأمن القومى ثم وزيرا للخارجية الأمريكية مع الرئيس ريتشارد نيكسون فى سبتمبر 1973 ومن بعده الرئيس جيرالد فورد، وهما المنصبان اللذان شغلهما حتى 1977. أنجز كيسنجر الكثير خلال تلك السنوات الحرجة من الحرب الباردة بين الغرب وبين الاتحاد السوفيتى. فهو الذى حقق مبدأ التعايش السلمى الذى أدى الى تقليل شدة الصراع مع الاتحاد السوفيتى خلال تلك السنوات. كما أنه لعب دورا بارزا فى سياسة التقارب مع الصين عام 1971, وتكوين ما يشبه التحالف معها . كما أنه حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1973 لتمكنه من تحقيق اتفاقية وقف النار وانسحاب الولايات المتحدة من فيتنام. كما أنه هو صاحب توقيع معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية (سولت), كما أنه لعب دورا بارزا فى اتفاقية كامب ديفيد. كان يفهم التاريخ وحركته بحكم دراسته له والتعمق فيه فى جامعة هارفارد. له تصريح مع روبرت ليسى, مؤلف كتاب المملكة الصادر فى عام 1981, قال فيه: إن انشغاله بمفاوضات حرب فيتنام أفقده مغزى التقارب بين مصر والسعودية. هذا التصريح يدل على قدرة الرجل على الاستنباط وفهم الصراعات.

عندما تكلم كيسنجر كان يتعين على الجميع أن ينصتوا, وهو الأمر الذى لم يحدث حتى الآن. بالعكس ألقاه القادة الغربيون وراء ظهورهم وكأنهم لا يسمعون, بل زادوا من حدة تشددهم إزاء الموقف الروسى وخصوصا الموقف البريطانى والرئيس بايدن فى مؤتمر حلف الأطلنطى بمدريد الذى عقد فى 28 يونيو وكأنهما يؤكدان أن الإستراتيجية الغربية تهدف الى إضعاف روسيا وهزيمتها وتقوية العلاقة بين حلفاء شمال الأطلنطى. يبدو أن هناك دافعا آخر للرئيس بايدن وكأنه يجد فى المزيد مما يحدث فى تلك الحرب هروبا مما يحدث فى الداخل الأمريكى المشتعل, فيقولها بكل الثقة فى تصريح له فى أول يوليو 2022: إن الغرب سيمنح أوكرانيا كل ما تطلب. بعد أربعة أشهر من خطاب كيسنجر وبعد سبعة أشهر من بداية الحرب تبدو نبوءة كيسنجر وكأنها حقيقة حتمية. الموقف على الأرض فى أوكرانيا فوضى وخراب كبيران لأوكرانيا وتحطيم لمدن كاملة بها وخراب للاقتصاد العالمى إضافة الى احتمال حدوث كوارث مدمرة غير قابلة للعكس بقدوم فصل الشتاء القادم.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: