الهوية المصرية عميقة الجذور، قوية الملامح، عظيمة الحضارة. ميراث الجدود غناه بلا حدود، ومن يتركه ولا يفتخر به يصير فقيراً. منذ أيام احتفلنا بالسنة الجديدة القبطية حسب التقويم المصرى القديم (6264). واحتفلت الكنائس أيضاً بتقويم الشهداء (1739ش) ويطلق عليه عيد النيروز وهى كلمة فارسية تعنى اليوم الجديد.
وكان المصريون حتى القرن السادس قبل الميلاد لم يعطوا أسماء للشهور القبطية؛ أى كانت الأسماء هى الشهر الأول ثم الثانى وهكذا، ولكن حين أطلق الفرس على العيد اللفظ الفارسى النيروز خشى المصريون على هويتهم فأعطوا أسماء للشهور مرتبطة بأعياد مصرية فى كل شهر. فالأول توت على اسم العالم العظيم الذى اخترع الزمن وقسمه ومخترع الكتابة ورمز العلم. والثانى شهر بابه وفيه تخضر الأراضي، وبابه رمز لقوة اللـه فى الزرع. والثالث هاتور وهو رمز قوة اللـه فى صنع الجمال لأن الحقول يظهر جمالها، وهكذا باقى الشهور (كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى).
وفى عام 284م اعتبرت الكنيسة أنه بداية تقويم جديد وهو الشهداء لأنه فى هذا العام جلس دقلديانوس الذى اضطهد الأقباط لتغيير إيمانهم وجعلهم وثنيين مثله، وحين تمسكوا بالإيمان سفك دم مليون شهيد فى ثلاث سنوات.
والتقويم المصرى أو القبطى هو أعظم إنجاز بشرى حدث فى العصر القديم لأنه حين نتخيل أن حياة البشر قبل هذا الإنجاز العظيم كانت ليلا ونهارا ولا يعرفون الأيام ولا الأسابيع ولا الشهور ولا السنة؛ فكل الأيام مثل بعضها، ولا حساب للزراعة ولا وعى بالزمن والتاريخ.
وقد كان العالم توت قد اكتشف بعد ملاحظات سابقة كثيرة وإنجازات علمية عظيمة فى رؤية الكون والنجوم؛ ارتباط ظهور نجم سبدت بالفيضان الذى يصل إلى منف فى هذا الوقت. وهذا النجم معروف باسم سيريوس أيضاً، ويسمى نجم الشعرى اليمانية عند العرب، وهو ألمع النجوم فى السماء. فالسنة المصرية القديمة ليست شمسية ولا قمرية ولا نجمية مطلقة ولكنها مرتبطة بنظام فلكى معين، ففى يوم محدد يظهر هذا النجم بصورة سميت الظهور الاحتراقى بعد اختفائه سبعين يوماً. وهذه الظاهرة قبل شروق الشمس مباشرة. لتصير هذه بداية السنة وقسموها 365 يوماً، وقسموها ثلاثة فصول كل فصل أربعة شهور؛ الأول فصل الفيضان أّخت، والثانية فصل الزراعة بيريت، والثالثة الحصاد شمو.
وقد جعلوا السنة اثنى عشر شهراً بعدد الاثنى عشر برجاً والتى سميت ذودياك وهى كلمة يونانية تعنى مجموعة الحيوانات لأنها سميت بأسماء حيوانات مثل الحمل والأسد والجدي، وهى دائرة البروج فى القبة السماوية لمسار الشمس، وقد سجلوا هذا على سقف حجرة التابوت فى مقبرة الملك سيتى الأول بوادى الملوك. وفى سقف مقبرة سنن موت مستشار الملكة حتشبسوت بالأقصر وفى معبد الرمسيوم، وفصول السنة فى معبد حاتحور ودندرة. وبعد فترة لاحظ العلماء تغييرات فى يوم ظهور نجمة الشعرى اليمانية؛ فاشتكى الكاتب المصرى للإله آمون فى عصر الرعامسة فى الأسرة التاسعة (1292ق.م). وفى عصر بطليموس الثالث وجدوا أن أيام الأعياد لا تتوافق مع التقويم فواصل علماء الفلك دراساتهم فوجدوا أن هناك فرق يوم كل أربع سنوات وهذا ما يجعل هناك خللاً فى حسابات الأعياد مقارنة بالتقويم القبطي، فالسنة ليست 365 يوماً ولكنها 365 يوماً وربع اليوم. فاجتمع العلماء والكهنة من كل مكان فى مصر فى معبد كانوب (أبى قير بالإسكندرية الآن) وقرروا إضافة يوم كل أربع سنوات. وأصدر مرسوما باسم بطليموس الثالث أذيع فى كل أنحاء مصر باسم مرسوم كانوب ونقش على لوحات من الحجر الجيرى بالكتابة الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية فى أربع نسخ فى 6 مارس عام 237ق.م.
وقد ساعد هذا المرسوم على فهم اللغة المصرية أكثر بعد فك رموز حجر رشيد لأنها تحوى 37 سطراً بالهيروغليفية، يليها 75 سطراً بالديموطيقي، يليها 76 سطراً باليونانية. وأضيف عيد جديد للأعياد المصرية وهو عيد ظهور النجم سبدت. وفى عام 46ق.م أراد يوليوس قيصر أن يصلح التقويم الرومانى الذى كان قمرياً فاستدعى العالم الفلكى السكندرى سوسيجينس ليقوم بهذه المهمة. فأعاد ترتيب التقويم الرومانى على نمط التقويم المصرى القديم مع تغيير طفيف وهو توزيع أيام الشهر الصغير على الأشهر الفردية فى السنة، وكل أربع سنوات يضيف يوماً على شهر فبراير الذى كان الشهر الأخير لأن التقويم كان يبدأ فى مارس وكان فبراير 29 يوماً ويضاف إليه يوم ليصبح ثلاثين. ولكن فى عصر الإمبراطور أغسطس أوكتافيوس أطلق اسمه على الشهر السادس وجعلوه 31 يوماً فخصموا يوماً من فبراير ليصير 28 يوماً. وفى السنة الكبيسة كل أربع سنوات 29 يوماً. وحتى القرن السادس كانت السنوات تنسب إلى بناء روما. وفى القرن السادس استطاع الراهب الأرمنى ديونسيوس أن يحسب سنة ميلاد المسيح عام 753 من تأسيس روما. وقد أخطأ فى أربع سنوات زيادة أى أن السيد المسيح ولد قبل هذا التاريخ بأربع سنوات. وسُمى بالتقويم الميلادى الذى يبدأ من شهر يناير من عام 532م. وفى القرن السادس عشر عدله البابا غريغوريوس بابا روما فى ذلك الوقت وسُمى بالتقويم الجريجورى إلى الآن، وهو غير دقيق بالمرة ويحتاج كل فترة إلى تعديل آخر.
عزيزى القارئ يجب أن نستعيد هويتنا المصرية التى أذهلت حضارتها العالم، وإلى اليوم الكل يقف فى انبهار من علوم وحضارة وعظمة مصريتنا وجدودنا، فلتكن هويتنا المصرية دائماً هى افتخارنا.
لمزيد من مقالات القمص ـ أنجيلوس جرجس رابط دائم: