رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قد نختلف لكن لا بديل عن الحوار

كل القضايا الكونية والإنسانية قابلة للاختلاف حتى أكثر القضايا حساسية والخالق سبحانه وتعالى أعطى للإنسان حقه فى أن يختلف حتى فى أكثر القضايا قدسية (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) .. لا يوجد إنسان يشبه إنسانا آخر حتى فى بصماته ولونه وصوته وملامحه فما بالك بأفكاره وعقائده .. كان الخالق لو أراد سبحانه لجعل منا جنسا واحدا ولكن التعددية كانت وستبقى من أهم الثوابت التى حددت مسيرة الحياة ودستور البشر ..

ــــ أقول ذلك ونحن الآن نفتح صفحة جديدة مع قضايا الحوار الوطنى الذى تشارك فيه كل أطراف العمل الوطني، أحزابا وأصحاب فكر وأساتذة جامعات وشبابا ورجال دين .. وفى آخر تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى طالب الحكومة بإقامة مؤتمر اقتصادى يناقش واقع الاقتصاد المصرى وإمكاناته والأعباء المفروضة عليه من الالتزامات والديون وكيف نخرج به من عنق الزجاجة أمام ظروف دولية فرضت واقعا جديدا على الاقتصاد العالمى بما فيه مصر .. إن العالم يقف الآن أمام عدد من التحديات الخطيرة التى يشترك فيها الجميع الفقراء والأغنياء..

ــــ بدأت الكارثة مع كورونا التى حصدت ملايين البشر ومعهم بلايين الدولارات وخلفت آثارا إنسانية واقتصادية سوف يعانيها العالم زمنا طويلا وكانت مصر مثل كل دول العالم من ضحايا كورونا وقد تركت آثارها على كل شيء ومازال العالم حتى الآن يدفع ثمن هذه الكارثة..

ــــ جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتفرض على العالم التزامات وأعباء جديدة فى أسعار البترول والغذاء والقمح وكل الحاصلات الزراعية .. وأمام ملايين البشر وقف العالم حائرا يبحث عن موارد جديدة وتحكمت روسيا فى أسواق البترول وارتفعت أسعار القمح والغذاء وكانت مصر من ضحايا الحرب الروسية الأوكرانية وأمام ارتفاع أسعار السلع والأعباء الرهيبة التى فرضتها الأحداث على الاقتصاد العالمى ووجدت السلطات المصرية نفسها أمام أعباء جديدة تجاوزت كل الإمكانات التى يمكن البحث عن حلول لها..

ــــ كانت مصر فى السنوات الماضية وأمام مشروعات وخطط لإعادة بناء الدولة قد استعانت بالقروض من اجل تمويل هذه المشروعات ابتداء بالتوسع فى شبكات الكهرباء والسكك الحديدية والمياه والمساكن والمدن الجديدة والموانى والمطارات والطرق والكبارى .. اعتمدت هذه المنجزات على التمويل الخارجى فى صورة قروض من صندوق النقد الدولى والمؤسسات المالية الدولية فى التمويل والبنوك والدول وكانت البنوك المصرية من أهم مصادر تمويل هذه المشروعات بجانب الدعم المالى العربى خاصة دول الخليج السعودية والإمارات والكويت..

ــــ وكانت أزمة ارتفاع أسعار السلع فى كل شيء قد فرضت على المواطن المصرى أن يتحمل بعض أعباء هذه المرحلة خاصة مع زيادة حجم الواردات وتراجع الصادرات وعبء سداد الدين .. هذا هو واقع الاقتصاد المصرى الذى يدور حوله الخلاف الآن بين أطراف المجتمع وهو خلاف مشروع لأننا أمام ظرف تاريخى فرض نفسه علينا فى صورة التزامات وأعباء اكبر ومستقبل قد يفرض المزيد من الأعباء .. وقبل هذا كله فنحن أمام التزامات دولية لا بد من سدادها ومجتمع له مطالب لا يمكن التخلى عنها .. ومن هنا طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بعقد مؤتمر اقتصادى يناقش كل هذه القضايا ويضع كل حقائق الموقف أمام الشعب ..

وفى تقديرى أننا أمام عدد من الموضوعات التى ينبغى أن تكون لها أولوية خاصة فى أعمال هذا المؤتمر...

> أولاً : لابد أن نتوقف عند قضية زيادة الموارد والتوسع فى المشروعات التى تخرج بالاقتصاد المصرى إلى آفاق جديدة وهنا تأتى أهمية الإنتاج الزراعى لتوفير احتياجاتنا من القمح والذرة والسلع الغذائية لأن استيراد ١٢ مليون طن قمح سنويا هى احتياجات مصر يحتاج إلى خطط مدروسة لإنتاج أنواع جديدة واستخدام احدث أساليب الزراعة والتوسع فى المساحات المخصصة لزراعة القمح.. إن إهمال الزراعة فى سنوات مضت كان خطأ تاريخيا ندفع ثمنه الآن.. إن توفير الغذاء لابد أن يتصدر أولويات الدولة وقد بدأ التوسع الزراعى ولكن ينبغى ألا يتوقف أو يتراجع..

> ثانياً : كانت صادرات الصناعة المصرية من أهم موارد الدولة وكانت لدينا صناعات تفوقت وحققت سمعة دولية فى دول أفريقيا والدول العربية بل والأجنبية مثل المنسوجات والغزل والنسيج .. بل إننا أحيانا اقتربنا من إنتاج سلع استهلاكية متقدمة وتستطيع مصر الآن أن تتوسع فى مشروعات الإنتاج الصناعى المتقدم من خلال الإنتاج المشترك مع دول شرق آسيا.. إن الصناعة هى المستقبل ولا بديل عنها كما أن مشروعات التكنولوجيا الحديثة التى دخلتها مصر أخيرا تمثل تحولا كبيرا فى مسيرة الإنتاج المصرى..

> ثالثاً: مازالت السياحة من أهم مصادر الدخل فى مصر ولدينا نصف آثار العالم كما أن شواطئ مصر لم تستغل حتى الآن.. سياحة الصحارى والسياحة الداخلية وفى ظل الأعداد الكبيرة من المتاحف التى تم إنشاؤها خاصة متحف الحضارة والمتحف الكبير فإن السياحة يمكن أن تكون من أهم موارد الاقتصاد المصرى فى شرم الشيخ والعلمين والساحل الشمالى وجنوب مصر والأقصر وأسوان ..

> رابعاً: مازال الأمل كبيرا فى استثمارات البترول مع الاكتشافات الجديدة فى البحر المتوسط والدلتا والصحراء الغربية وهى اكتشافات تضع مصر فى أماكن متقدمة فى إنتاج الغاز خاصة بعد اكتشاف البترول فى أكثر من مكان..

> خامساً: مازالت قناة السويس مستقبلا واعدا فى المشروعات المشتركة والخدمات البحرية والربط بين أوروبا والشرق.. ولا ننسى التوسعات فى العين السخنة والموانى الجديدة والصناعات المشتركة مع دول شرق آسيا ودول الخليج..

> سادساً: ما زلت اعتقد أن المصريين العاملين فى الخارج يمثلون ثروة مهدرة إن عددهم يزيد على 10 ملايين مصرى منهم الخبراء فى جميع التخصصات وحتى الآن لم تستفد منهم الدولة المصرية بدرجة كافية وتكتفى بما يحولون من الأموال الصعبة رغم أن بينهم قدرات كثيرة مميزة ونادرة..

> سابعاً: فى تقديرى أن الإنسان المصرى مازال اغلى ثروات مصر وانه قادر على تحقيق انجازات مبهرة إذا أتيحت أمامه فرص النجاح والتميز وانه حتى الآن لم يجد من يفتح له آفاق الابتكار والإبداع وحين نفتح أمامه الفرص سوف نجد إنسانا آخر .. إن القضية الآن أن نقيم حوارا جادا ونسمع بعضنا.. وفى مصر قدرات ومواهب كثيرة من رجال الأعمال والقطاع الخاص وأصحاب المواهب والقدرات فهل يكون المؤتمر الاقتصادى الذى دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فرصة لحوار خلاق نناقش فيه كل قضايانا بصدق وشفافية..

> ثامناً : لا يمكن لنا أن نتصور الاستغناء عن الشباب أو تهميش دوره لأنه شئنا أم أبينا يمثل مستقبل هذا الوطن وهو صاحب الحق فيه وهو يملك قدرات لا يمكن الاستغناء عنها..

ـــ إن القضية ليست مجرد انتقادات توجه للحكومة وهل أسرفت أم تجاوزت لأن الأزمة لا تخص مصر وحدها ولكنه طوفان من الأزمات اجتاح العالم كله ونحن جزء منه.. المهم أن نتجاوز ما حدث ونأخذ من الأزمات دروسا.. ومهما تكن درجة الاختلاف فى المواقف والرؤى فلا بديل عن الحوار لأنه أكثر المناطق أمنا وعلى الحكومة أن تسمع وعليها أيضا ألا تصمت..

 

..ويبقى الشعر

عودُوا إلى مصْر ماءُ النـِّيل يكفينـَا

منذ ارتحلتمْ وحزنُ النهْر يُدْمينــــا

أيْن النخيلُ التى كانتْ تظللـَنــــــــا

ويرْتمى غصْنـُها شوقـًا ويسقينـَا ؟

أين الطيورٌ التى كانتْ تعانقـُنــــــا

وينتشى صوْتـُها عشقـَا وَيشجينا؟

أين الرُّبوعُ التى ضمَّتْ مواجعَنـَـا

وأرقتْ عيْنها سُهْدًا لتحْمينـــَــــا ؟

أين المياهُ التى كانتْ تسامرُنــــَــا

كالخمْر تسْرى فتـُشْجينا أغانينـَا ؟

أينَ المواويلُ ؟..كم كانتْ تشاطرُنـَا

حُزنَ الليالـى وفى دفْءٍ تواسينـَـــا

أين الزمـــــــانُ الذى عشْناه أغنية

فعانــقَ الدهـْــرُ فى ودٍّ أمانينـــَـــــا

هلْ هانتِ الأرضُ أم هانتْ عزائمنـَا

أم أصبـحَ الحلمُ أكفانـًا تغطـِّينــــــــَا

جئنا لليلـــــــى .. وقلنا إنَّ فى يدهَا

سرَّ الحيَاة فدسَّتْ سمَّهــــــــا فينـــَا

فى حضْن ليلى رأينا المْوت يسكنـُنـَا

ما أتعسَ العُمْرَ .. كيف الموتُ يُحْيينا

كلُّ الجراح التى أدمتْ جوانحَنـــــَــا

وَمزقتْ شمْـلنـــا كانتْ بأيدينــــــــــَـا

عودوا إلى مصْر فالطوفانُ يتبعكـُــمْ

وَصرخة ُ الغدْر نارٌ فى مآقينـــــــَــا

منذ اتجهْنا إلى الدُّولار نعبــــُــــــدُهُ

ضاقتْ بنا الأرضُ واســودتْ ليالينــَا

لن ينبتَ النفط ُ أشجارًا تظللنـــــــَـا

ولن تصيرَ حقولُ القار .. ياسْمينــَا

عودوا إلى مصْرَ فالدولارُ ضيَّعنــَا

إن شاء يُضحكـُنا .. إن شــاءَ يبكينـَـا

فى رحلةِ العمْر بعضُ النـَّار يحْرقنا

وبعضُهَا فى ظلام العُمْر يهْدينـــــــَا

يومًا بنيتمْ من الأمجَـــــــاد مُعجزة ً

فكيفَ صارَ الزَّمانُ الخصْبُ..عنينا؟

فى موْكبِ المجْد ماضينا يطاردنـــَا

مهْما نجافيهِ يأبى أن يجَافينــــــــــَـا

ركبُ الليالى مَضَى منـــــــا بلا عَدَدِ

لم يبق منه سوى وهم يمنينـــــــــَا

عارٌ علينا إذا كانتْ سواعدُنـــــــــَا

قد مسَّها اليأسُ فلنقطـعْ أيادينــــــَا

يا عاشقَ الأرْض كيفَ النيل تهجُرهُ ؟

لا شىءَ والله غيرُ النيل يغنينـــَـا..

أعطاكَ عُمْرا جميلا ًعشتَ تذكـــرهُ

حتى أتى النفط بالدُّولار يغـْرينـــــَا

عودوا إلى مصْرَ..غوصُوا فى شواطئهَا

فالنيلُ أولى بنا نـُعطيه .. يُعْطينــَـا

فكسْرة ُ الخـُــبْـز بالإخلاص تشبعُنـا

وَقطـْرة ُ الماءِ بالإيمَــــان ترْوينـَـا

عُودُوا إلى النـِّيل عُودُوا كىْ نطهِّـرَهُ

إنْ نقتسِمْ خـُبزهُ بالعدْل .. يكـْفيــنـَا

عُودوا إلى مِصْرَ صَدْرُ الأمِّ يعــرفـُنــــــا

مَهْمَا هَجَرناهٌ.. فى شوْق ٍ يلاقينــَــا

قصيدة «عودوا إلى مصر» سنة 1997

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: