رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر وقطر.. تعاون وشراكة

إن قوة العلاقة المصرية ــ القطرية تمنحنا الثقة فى القدرة على تجاوز الأزمات والخلافات لنبنى جسور التعاون والشراكة، وتؤكد لنا أن الخلافات العربية ليست عصية على الحل، ويمكن عبورها وتجاوزها إلى آفاق رحبة، وبخطوات سريعة وجادة.

والعلاقة المصرية ــ القطرية نموذج للنجاح فى التجاوز الإيجابى للخلافات وبناء شراكة تزداد قوة ومتانة على أسس صحيحة، وتحقق المنفعة المتبادلة، وتوظف الطاقات فى كل ما هو لمصلحة الشعبين الشقيقين وشعوب المنطقة العربية، وتمنحنا الأمل فى أن يتمدد هذا التقارب، وأن يكون نموذجا يحتذى لأطراف عربية أخرى، يكون من شأنها استعادة التضامن العربى، وتوظيفه لخدمة شعوبنا، وتحقيق أهداف كنا نراها بعيدة المنال وعصية على الحل، بعد أن عشنا فترة طويلة نعانى كثرة الأزمات وهدر الطاقات، فى خوض معارك جانبية.

وها هى علاقات مصر وقطر تمنحنا دفعة قوية من التفاؤل، ونحن على أعتاب قمة عربية قريبة فى الجزائر، يمكن أن تحقق خطوات أخرى نحو تقارب عربى، وإذابة الخلافات العربية، وأن تتحول ثرواتنا وقدراتنا الكبيرة والمتنوعة إلى العمل فى اتجاه المصلحة العربية المشتركة، ولدينا كل المقومات ليكون العرب بين القوى الكبرى والأكثر تأثيرا على الساحتين الإقليمية والدولية، لو تضافرت جهودهم، ونسقوا مواقفهم، ووحدوا صفوفهم، وهذا ليس بالأمر العسير. وسوف نحقق الكثير ما دمنا نمتلك الإرادة ونستفيد من خبرات السنوات العصيبة، فقد دفعنا ثمنا باهظا لتفككنا وتفرقنا، مما فتح المجال للتجاذبات الإقليمية والدولية التى وجدت بيئة مناسبة، وساهمت فى توسيع شقة الخلافات، وتوظيف طاقات العرب لصالح أطراف أخرى، بينما لو استثمرنا طاقاتنا وثرواتنا لحققنا نتائج مبهرة، وقفزنا ببلداننا إلى مصاف البلدان المتقدمة والقوية.


لقد أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة قبل وأثناء زيارته التاريخية إلى قطر إلى الأوضاع البالغة الدقة والحساسية التى تمر بها منطقتنا، فالعالم يموج بأزمات خطيرة، سواء المتعلقة بأزمة الطاقة العالمية أو موجات التضخم والحرب الأوكرانية والأزمة فى تايوان والحروب التى تندلع فى كثير من البقاع ولها ارتداداتها على المنطقة، ولهذا علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة تلك الارتدادات والتحديات التى ستفرضها فى مختلف المجالات، سواء بتحصين البيت العربى سياسيا لتكون لنا كلمة واحدة، أو على الأقل التنسيق فى المواقف وعدم التعارض أو التضاد، وأن تكون المصلحة العربية المشتركة بوصلتنا الأساسية التى ستحقق لنا الأمان وليست أى أطراف أخرى، لأن ما بيننا كثير لو أحسنا استخدامه، وخطير إذا ما تم توظيفه فى مشاريع ومصالح قوى دولية أخرى، تعمل على تفريقنا، وتستفيد من فرقتنا، بل تخيف بعضنا من بعض لنظل بحاجة إلى حماية قوى خارجية، وتكون النتيجة أن نظل متفرقين وضعفاء وأقل قدرة على التأثير فى الأحداث، وتكون الأزمات أكثر إيلاما عندما نكون فرادى، بينما يمكن تقليل الأضرار، بل تحويل الأزمة إلى فرصة يمكن اغتنامها، ومثال على ذلك أزمة الغذاء العالمية، التى رفعت أسعار الكثير من السلع، وكانت رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى أن البلدان العربية يمكن أن تتكامل فى مشروعاتها الزراعية، بما لديها من موارد كبيرة ومتنوعة لتنتج غذاءها، ولهذا كان التعاون فى المجال الزراعى أحد ملفات اللقاء المصرى القطرى، لما له من أهمية متزايدة فى الفترة القادمة، إلى جانب ملفات الطاقة والصناعة والأمن وغيرها من القطاعات التنموية، التى يمكن للبلدين توفير مقومات نجاحها، لتصبح قدراتنا الذاتية أكبر وأكثر قدرة على مجابهة التحديات، وأن تكون أكثر فعالية على الصعيد الدولى، وأن تلعب دورا إيجابيا فى احتواء الأزمات العالمية، والعمل على حلها أو على الأقل تخفيف أضرارها على المنطقة والعالم.

وكانت هناك العديد من الملفات الأخرى بين القائدين الشقيقين، تتعلق بسبل تخفيف معاناة الشعب الفلسطينى، وتقديم الدعم له، وكذلك العمل على إزالة الاحتقان فى الأزمة الليبية، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الأشقاء فى ليبيا، والعمل على تعزيز المسار السلمى، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى على أسس مهمة لضمانة الأمن العربى، أهمها تأكيد مفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضى الدول، ومجابهة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، حتى نتجنب الحروب الأهلية والتقسيم وتوظيف الإرهاب، وأن تكون الجيوش الوطنية ضمانة للسيادة والحفاظ على وحدة الدولة، والعمل على تقوية مؤسسات الدولة المركزية لتكون ضمانة عدم العبث بمقدرات الدول، إلى جانب التمسك بمبدأ المواطنة، كعنصر أساسى لتحقيق السلام المجتمعى، وهذه الرؤية الواضحة للرئيس عبدالفتاح السيسى كفيلة بأن تحمى البلدان العربية من إثارة الفتن والنزاعات الداخلية التى تؤدى إلى انهيار الدول من الداخل، لتفتح الثغرات أمام الخارج للتلاعب بمصائرها.

وهذه الأسس تحمى البلدان العربية وتعزز مناعتها، خاصة ونحن مقبلون على فترات عصيبة يمر بها العالم، وعلينا العمل من الآن على تحصين المناعة الوطنية إلى جانب العمل العربى المشترك فى المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، لنكون قادرين معا على مجابهة أى تحديات تواجهنا.

إن أهمية الزيارة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى قطر تنبع من أنها تسعى إلى تصحيح مسارات العلاقات العربية، لتضعها على طريق المصالحة والتعاون والتنمية، وتؤكد أن الطريق يمكن اختصاره، وتجاوز سلبيات الماضى والاستفادة منها، وأن تخطى الخلافات أمر ممكن، بما يمنح الشعوب العربية الأمل فى أن ترى العرب مجتمعين، قادرين على استثمار طاقاتهم وقدراتهم، وأن يصبحوا قوة دولية قادرة على التأثير فى مسار ونتائج الأزمات الدولية، وأن تكون قوة خير ونماء لشعوبهم وللعالم كله.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: