خطوات واسعة ومتكاملة للنهوض بالتعليم تبدؤها وزارة التعليم، وفق رؤية واضحة، تستند إلى دور المدرسة الاجتماعى والتربوى والسلوكى فى بناء شخصية الطالب، ولهذا فإن عودة الطلاب إلى المدرسة هدف إستراتيجى، لكن كيف تحقق المدرسة تلك الأهداف؟، وما هى مواصفات المدرسة المطلوبة؟ وهل توافرت أدوات النهوض بالتعليم بدءا من إعداد المعلمين، والبرامج والمبانى المدرسية وغيرها من مفردات التعليم التى تسعى وفق تأكيدات الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى إلى التطوير الذى أصبح حتميًا فى ظل الثورتين الصناعيتين الرابعة والخامسة والتحول الرقمى.
السؤال الذى يلح على أذهان الجميع كان يدور حول تقييم المرحلة السابقة، وهل ستكون هناك قطيعة معها لبدء تجربة جديدة؟ وكانت إجابة الدكتور رضا حجازى واضحة ومقنعة، حيث قال إنه سيتم البناء على ما تم إنجازه خلال الفترة السابقة واستثماره، وتعظيم التجارب الناجحة والاستفادة منها والعمل على خلق قناعات لدى المعنيين بالعملية التعليمية بأنهم شركاء فى التطوير، فالتابلت سوف يستمر، لكن سيتم استخدامه فى حدود ترفع مهارات الطلاب فى استخدام تلك التقنية، لكنه لن يكون أساسيا، بل سيدعم التفاعل بين المعلم والطلاب والتفاعل بين الطلاب لرفع مهاراتهم، بالإضافة إلى توظيف التكنولوجيا فى التعليم، ومواصلة تدريب المعلمين على تقنيات التفاعل، وإكساب الطلاب المهارات والقدرة على التعلم والابتكار بعيدا عن التلقين.
لقد شعرت بارتياح كبير عندما استمعت إلى رؤية الوزير فى أكثر من ملتقى وكان آخرها خلال لقائه مع المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة وعدد من كبار الكتاب ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية والإعلاميين والصحفيين، فى ندوة نظمتها الهيئة؛ لمناقشة آخر مستجدات العملية التعليمية، فقد وجدت رؤية متكاملة بكل تشعباتها، وعلى مختلف مستويات وأدوات العملية التعليمية، وتتعامل معها كبناء متكامل ومترابط، لا يمكن إهمال أى مفردة فيه، ويلقى المعلم اهتماما محوريا فى العملية التعليمية وتسعى الرؤية لكى يتمكن المعلم من أدواته سواء فى استقاء المعلومات أو طرق تقديمها والتفاعل الخلاق أثناء العملية التعليمية، وتكامل الأدوات التقنية الحديثة مع العلاقة المباشرة.
أهم ما لفت انتباهى فى تلك الرؤية أنها تعيد الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية، من خلال تخصيص يوم نشاط لكل صف أسبوعيا، يتناوب فيه النشاط الرياضى والثقافى والفنى، ويجرى إعداد نماذج تتبارى على جذب الطلاب مثل تخصيص يوم رياضى يستهدف تحقيق توجه الدولة بنشر الثقافة الرياضية فى المجتمع.
كما جرى تشكيل لجنة لاكتشاف الموهوبين بين طلاب المدارس، سواء فى المواد العلمية أو الألعاب الرياضية أو المواهب الفنية المختلفة، وإعداد برنامج لرعاية تلك المواهب يعمل على صقلها مبكرا، وتطوير مهاراتها وأعتقد أن هذه الخطوة سيكون لها ثمارها الطيبة على مختلف الأصعدة، وستقدم لنا علماء وموهوبين فى مختلف التخصصات، ينالون الرعاية المبكرة والمناسبة، لكى تتفتح فى ربوع مدارس مصر آلاف المواهب.
واحتل التعليم الفنى مكانة متميزة فى خطة التحديث والتطوير، بل يرتكز التطوير على تحديث المدارس الذى يحولها إلى مدارس تكنولوجية، تأخذ بعين الاعتبار القفزات السريعة للصناعات التكنولوجية الحديثة، وأعتقد أن هذه المدارس التقنية سيكون لها أوسع الأثر فى القفزة التنموية الصناعية التى تشهدها مصر وسيحقق خريجوها تلك المكانة التى نبتغيها للمنتجات المحلية، لننظر بفخر لشعار «صنع فى مصر».
برنامج التطوير المستمر فى التعليم ملىء بالتفاصيل الهامة، التى تشمل المبانى المدرسية والمناهج وبرامج تدريب المعلمين، وتقنيات التدريس، والقنوات التعليمية، وغيرها من عناصر العملية التعليمية، وجميعها تبشر بالخير وتبعث على الاطمئنان.
لكن كل هذا الجهد لن يحقق الغاية منه إلا بتضافر جهود الأسرة مع المدرسة، وأن تكون الأسرة داعمة ومشاركة لجهود التطوير، حسب قدرتها، وأن تحرص على التواصل مع المدرسة، وإكساب الأبناء القيم المحفزة للتعليم والابتكار والعمل الجاد، وتجنب الغش والكذب، فمن سيعتمد على الغش لابد له أن ينكسر فى مرحلة ما أو سنة ما، لأنه اعتاد أن يسرق جهد غيره، وأن يحصل على ما لا يستحقه، فالغش ليس دعامة دائمة، وإنما هشاشة وضع فعلينا أن نحصن أبناءنا ضدها، فيجب أن نجعله متصالحا مع نفسه، وأن يعمل على تنمية قدراته ليكون واثقا من نفسه، لا ينهزم أمام أى أزمة أو مشكلة، وأن يعرف أن قدراته كنز ثمين عليه أن ينميه ليستفيد منه ويفيد مجتمعه، وألا نلقى باللوم على الآخرين، سواء كانت المدرسة أو الأصدقاء، بل أن نجعله يعطى القدوة فى السلوك وحب المعرفة، والإقدام على ما يفيده، فآفة الغش تضر صاحبها وتلحق الأذى بالمجتمع كله، لأنها لا تنتج إلا ما هو ردىء، والغش آفة معدية، تنتقل من الطالب إلى إخوته وأقرانه، طالما وجدوا أنها تحقق مكسبا سريعا، لكنه يتبدد بسرعة أيضا بعد أن يترك آثاره الضارة على المجتمع، ولهذا علينا درء هذه الآفة مبكرا، وأن ندرك مدى ضررها على أبنائنا وتحطيمها لمستقبلهم مبكرا.
أما الآفة الأخرى فهى الدروس الخصوصية، والتى يتبارى فيها الكثير من الأسر أملا فى تحقيق أبنائهم درجات أعلى، والاعتماد على الملخصات، والبحث عن الأسئلة المتوقعة، وجميع تلك الطرق لا تؤدى إلى إكساب الطلاب مهارات أعلى، بل تعودهم على نمط يعطل الموهبة والابتكار والتعلم الحقيقى المفيد، وتلقى العبء الكبير على الأهل، الذين يعتقدون أن الدروس الخصوصية تجسد مدى اهتمامهم بأولادهم، لكنهم فى الواقع يرسخون طريقة تربية خاطئة، تفسد الأبناء والمدرسة والتعليم، ويمكن أن نقول إن السبب هو تراجع دور المدرسة، وأن بعض المعلمين يقصرون بالإضافة إلى سلبيات أخرى تؤدى لاستمرار تلك الآفة، فيجب علينا مواجهة كل السلبيات، وأن نتابع مع المدرسة، وأن نرى فى الدروس الخصوصية سوقا سوداء للتعليم لا يمكن أن تستقيم الأمور معها حتى تعود للمدرسة والمعلم مكانتهما المتميزة فى المجتمع.
وأخيرا لاحظت ارتفاعا كبيرا فى ميزانية التعليم هذا العام، من 117 مليار جنيه فى العام المالى الماضى إلى 131 مليار جنيه فى العام المالى الجديد، وهو ما يبشر باهتمام أكبر وخطوات أوسع نحو تعليم أرقى.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت رابط دائم: