جاءت القرارات الأخيرة التى أعلنتها وزارة المالية بشأن تبسيط الإجراءات وتسهيلها من أجل تخفيف تكدس السلع الموجودة بالموانئ المصرية، والإفراج عن عدد كبير و متنوع من السلع، متوافقة مع ما تطلقه الدولة من حزم مختلفة تسعى لتخفيف العبء عن المواطن؛ من أبرزها زيادة دعم بطاقات التموين بمبلغ 100 جنيه لكل أسرة، وغيرها الكثير من القرارات التى تعمل على تخفيف الضغوط الاقتصادية عن المواطنين.
ما سبق يبدو متسقا مع جهود الدولة فى هذا السياق، ولكن تظل أزمة ارتفاع الأسعار هى الشاغل الأكبر للسواد الأعظم من الناس، لاسيما أن هناك زيادات تفوق قدرات عدد كبير منهم، مما جعلهم يرشدون فى الاستهلاك بشكل واضح تماما، عل هذا الترشيد يقلل من الطلب على السلع، فتبدأ الأسعار فى الانخفاض تباعاً، تزامناً مع الإفراج عن السلع الموجودة بالموانئ وهو ما لم يلمسه الناس حتى الحين.
لذلك رأى عدد غير قليل فى القرارات السابق الإشارة إليها طوق نجاة سريعا، يعمل على زيادة المعروض من السلع ، فينخفض السعر، طبقا للمعروف عن قانون العرض والطلب، وقد يقول قائل، إنه لم يمر وقت معقول على تنفيذ القرارات الأخيرة بحيث تستقبل الأسواق السلع فتتحرك الأسعار هبوطا كما يأمل الناس، وهو قول سليم.
إلا أننا نأمل من المسئولين تعريف الناس بما تحويه الموانئ المصرية من سلع، مع الإعلان عن كمياتها وأنواعها وفترات الصلاحية الخاصة بها، فيعى المواطن ــ وهو المطلوب ــ عدد السلع وكيف يمكن أن تتأثر الأسعار هبوطا خاصة بعد زيادة العرض.
إلا لو أن تلك السلع وكمياتها لم تكن بالقدر الكافى لتغطية احتياجات السوق، وهو أمر مخالف للمنطق، لأن ذلك يضرب المأمول من القرارات فى مقتل، لأنه بدرجة ما سيزيد المعروض، والحقيقة خلاف ذلك، لأنه كلما زاد العرض، قل الطلب، وكلما قل الطلب قل السعر، والغرض هنا تعظيم الفائدة من إصدار تلك القرارات المهمة.
فعلى سبيل المثال، سلعة مثل الشاى، سعرها الآن فى الأسواق يساوى جنيها مثلا، فعندما يعلم المواطن أن الموانئ تستوعب كمية تصل لحمولة ما، بصلاحية ما، تستدعى وجودها فى الأسواق وتسويقها فى موعد محدد، ذلك يؤشر إلى ضرورة نزول السعر لسببين، الأول وفرة المعروض، الثانى، فترة الصلاحية.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة، مثل إطارات السيارات، التى ارتفع ثمن البعض منها لأكثر من الضعف، ومبرر التجار ندرة المعروض، فحينما يعلم المستهلك أن هناك كمية من الإطارات ستغطى الأسواق، يكون من غير المنطقى استمرار ارتفاع الثمن بهذا الشكل الغريب! وفى هذا السياق الأمثلة التى يمكن طرحها كثيرة.
لأنه لو حدث غير ذلك، «انخفاض الأسعار» فهو يعنى أن هناك خللا غير مفهوم و كذلك غير مبرر، يتطلب العمل على معالجته على الفور، لأنه يُفقد القرارات التى تطلقها الدولة لمصلحة المواطن قيمتها تماما.
لسنا فى المدينة الفاضلة، لذلك يوجد بيننا الجشع بدرجاته، كل ما علينا هو كشفه ومحاربته، وهنا أقترح آلية تنتهجها الحكومة، تعمل من خلالها على إطلاق بعض المعلومات الخاصة ببيانات السلع الموجودة، كما تفعل مع السلع الاستراتيجية، حينما تقول إننا نملك احتياطيا يكفى لعدد 10 شهور أو أكثر من القمح على سبيل المثال، وكما تؤكد أن الانتاج المحلى يكفى لعدد آخر من الشهور، وهكذا تطمئن الحكومة المواطن دون أن يطلب ذلك.
فما يمنع أن تعلن بشكل دورى و ليكن كل اسبوع أو اثنين، بيانات عدد من السلع التى تهم المواطن، مثل الدواجن، فقد شاهدت فيديو قريبا لأحد تجارها، يؤكد أنه يبيع سعر الكيلو جملة بـ نصف سعر بيعها للمواطن، وكلنا يعلم سعرها الآن فأين يذهب الفرق، وذلك يؤكد مضمون العنوان، بضرورة البحث عن آلية لضبط الأسعار، فما يحدث على أرض الواقع غريب وعجيب.
فلو علم المواطن أن السلعة موجودة بوفرة بل وتفيض عن حاجة الناس، وقتها سيعلم بشكل يقينى من يزيد عليه الأسعار، ومن المؤكد أنه سيكون له وقفة فى وجه التجار الذين يقتاتون على مقدراته دون وجه حق. وفى المقابل، إذا علم المواطن بوجود ندرة فى إحدى السلع فسيرشد احتياجاته منها، حتى تعاود انتشارها.
حتى وقت قريب، كنا نرى الأخبار التى تعلن أسعار الفاكهة والخضراوات فى أسواق الجملة، وكان الناس يتعجبون من مشاهدة أسعار أكبر منها بكثير جدا فى أسواق التجزئة، أسعار تصل فى بعض الأحيان لأكثر من ثلاثة أضعاف، وبكل تأكيد هذا يغطى أسعار النقل و خلافة بأضعاف مضاعفة، فأين يذهب الفرق؟ و هل تُحصل عليه الضرائب المستحقة؟
الثابت بما لا يدع مجالا للخلاف عليه أن الدولة تسعى بكل دأب لتوفير المنتجات والسلع للمواطنين بأسعار مقبولة، وتراقب عن كثب الأسواق وتسن القوانين التى تمنع الاحتكار، كل هذا فى إطار من السياسات الاقتصادية التى تعمل على إتاحة السلع بأسعار تناسب احتياجات الناس.
وهى فى هذا الشأن لا تكل ولا تمل، لذلك يأتى عرض المقترح بإنشاء آلية لضبط الأسعار متسقا مع السياسة الاقتصادية التى تراعى الأعباء المثقل بها كاهل المواطن، كل ما فى الأمر، نشر المعلومات الخاصة بكميات السلع الموجودة فى الأسواق، ليعى المواطن كم المعروض، لاسيما بعدما خطت الدولة خطوات معتبرة فى سبيل رقمنة الإجراءات والمستندات، فباتت هناك سلاسة فى امتلاك البيانات، ومن ثم نشرها.
[email protected]لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم رابط دائم: