رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التحديات والآمال العربية .. مصر والأردن نموذجان مبشران

تمر المنطقة العربية بمنحنيات صعبة، بعضها لأسباب داخلية وأكثرها لظروف وتدخلات خارجية، وأحداث العراق وليبيا الأخيرة نموذج لتلك الأزمات الصعبة المتداخلة، فالعراق لم يهنأ بفترة تمكنه من التقاط أنفاسه، من خوض حروب دامية ومروعة، وفترة حصار طويلة ومنهكة، بعدها تعرض للغزو الأمريكى، ولم يكد يتخلص من الاحتلال حتى باغته تنظيم داعش الإرهابى الذى سيطر على أكثر من نصف مساحة العراق، وعاث فيه ذبحا وتدميرا، وكل تلك الفترة الطويلة من الاستنزاف لدماء وثروات وذاكرة العراق، تركت كل تلك القوى المتصارعة حوله ألغاما سياسية وفكرية واقتصادية وطائفية وتقسيمية، ودستور مليء بالتناقضات من ميراث فترة الاحتلال، لكنه ترك فيها الكثير من نقاط التفجير، وشرعن للمحاصصة الطائفية والعرقية، ليصعب على العراقيين توحيد دولتهم ذات الحضارة العريقة والتاريخ الطويل، والتى أصبحت مركزا للتجاذب الخارجى والداخلى، فتخرج من أزمة لتدخل أخرى.

وها هى سوريا تعانى من أزمات لا تقل عنفا وضراوة، بعد أن تعرضت لجحافل جماعات مسلحة جاءت من كل مكان، لتثير الفتن والتقسيم فى الداخل، واحتلت مساحات واسعة، نفذت فيها شريعة الذبح والتدمير، ولم تعلِِّم السوريين فى الصناعة إلا صناعة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وأحزمة التفجير، ولم تعلمهم فى الزراعة سوى زراعة الألغام، ومازالت سوريا تحاول لملمة جراحها الغائرة، واستعادة سيادتها على كامل أراضيها التى تتعرض لاحتلال من جانب أكثر من دولة، تمتد من إدلب فى الشمال الغربى إلى شرق الفرات وتمتد إلى الجنوب حيث مخيم الركبان بالقرب من الأردن، وكذلك المنطقة المتاخمة لهضبة الجولان السورية، لنجد كل أطراف سوريا تحت السيطرة الخارجية بمساعدة جماعات من الداخل، ويجرى حرمانها من مناطق واسعة مليئة بخيرات الزراعة والتعدين وأكبر حقول الغاز والنفط، بالإضافة إلى الحصار الاقتصادى الذى فرضه تطبيق الولايات المتحدة لقانون «قيصر»، لتزيد من الأعباء والأزمات التى دفع فيها السوريون الكثير من الثروات.

وكذلك الوضع فى لبنان الذى تتجاذبه الأضداد الخارجية والطائفية فى ظل أشد أزمة اقتصادية أخرجت الليرة اللبنانية من التداول على أراضيها، بعد أن فقدت كل قيمتها تقريبا، ثم تعرضت لحادث تدمير مرفأ بيروت، وتدخل أزمة سياسية أكثر خنقا من الأزمة الاقتصادية.

أما على الجانب الغربى لنهر الأردن، فسنجد القضية الفلسطينية تدخل أيضا منحنيات صعبة، فاليمين الإسرائيلى الذى يزداد تطرفا كل يوم يبتعد أكثر فأكثر عن أى مسار للتسوية، ولا يدع المجال إلا للعنف والحرب، بعد أن واصل تكثيف التوطين والطرد والتضييق وهدم المساكن والاقتحامات والقصف والإغلاق.

هذه كانت محاور نقاشاتى مع شخصيات سياسية أردنية مرموقة، فى مقدمتهم رئيس الوزراء الأردنى د. بشر الخصاونة وثمانية من ألمع الوزراء فى الحكومة الأردنية، وكنا نتبادل الإشارة إلى نماذج التحديات والمقارنة بين ما تواجهه مصر من تحديات مماثلة فى ليبيا والسودان والأوضاع فى غزة، والتى تكاد تكون متماثلة فى عمق أزماتها ودور التدخلات الخارجية فى إذكاء الصراعات واستدامتها، ليظل النزيف العربى مستمرا فى دماء شعوبه واستنزاف ثرواته.

وإن كان الحوار قد تركز على ما يدور فى العاصمتين العراقية والليبية من صراع خطير، إلا أن العلاقات المصرية ــ الأردنية كانت الأكثر حضورا، لأنها تحمل بارقة أمل فى ظل تلك الأزمات الإقليمية والدولية الشديدة التعقيد، فمسارات العلاقات بين مصر والأردن آخذة فى التماسك العضوى، وتشكل حالة خاصة ومبشرة فى المنطقة، واستطاع كلا البلدين الصمود فى أنواء أزمات صعبة مازالت تعصف بالكثير من بلدان العالم والمنطقة، وكنا نستبشر خيرا، أن تتمكن البلدان من توسيع أطر التعاون المشترك، وأن توسع من المشاركات العربية، بعد أن انضم العراق مع مصر والأردن فى شراكة إستراتيجية تحمل الكثير من الأمل فى القدرة على الوصول إلى بر الأمان، والوقوف بصلابة أمام التحديات الصعبة، وكلما زادت الشراكة العربية، واصطفت بقدراتها الكبيرة معا، فإن القدرة على تجاوز الصعوبات تزداد، فالاصطفاف العربى سيحقق الكثير، ولن يقف عند حد مواجهة التحديات، بل يمكن أن يفرض ويقدم نموذجا للنجاح والنمو فى ظل الأزمات الدولية والإقليمية.

وسمعت من القيادات الأردنية إشادات بالجهود المصرية المتميزة فى مجال التنمية المستدامة والطَّموح، ونجاحها فى تحقيق معدلات نمو عالية رغم الأوضاع المعاكسة على الصعيد العالمى، وفى ظل جائحة كورونا وما تسببت فيه من إغلاق وعقبات، ناءت بأحمالها دول عظمى، لتأتى بعدها الحرب الأوكرانية، وما صحبها من أزمات فى الطاقة والغذاء وارتفاع معدلات التضخم بصورة خطيرة تهدد بلدانا عديدة، فى مقدمتها أوروبا.

واستعرض الحوار عددا من المشروعات المشتركة والواعدة بين مصر والأردن، وخاصة فى مجالات النقل والصناعة والطاقة، وكثير من مجالات التعاون التى لا تكاد الدولتان تتركان مجالا إلا وتتعاونان فيه، وتتبادلان الخبرات والدعم، بالإضافة إلى جهودهما السياسية المشتركة نحو إحداث المزيد من الخطوات فى التقارب العربى ودعم الشعب الفلسطينى، والإصرار على التوصل إلى حل عادل يضمن الحقوق الفلسطينية، والمساعى المشتركة لاحتواء الأزمات العربية، والتى حققت نجاحا ملموسا، وتنتظر خطوات أخرى لتحقيق المزيد من التقارب.

وأشاد القادة الأردنيون بالجهود الدءوبة لكل من الرئيس عبدالفتاح السيسى والعاهل الأردنى عبدالله الثانى فى تحقيق نجاحات ملموسة فى تذويب الخلافات، وحل الأزمات المزمنة، حتى تتوحد كلمة العرب، وتصبح أكثر قدرة على التأثير الإقليمى والدولى، وتحقق آمال الشعوب العربية فى مستقبل آمن ومشرق.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: