رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحوار الوطنى والمسكوت عنه (4-4)

أريد أن أتناول هنا فى هذا المقال الرابع حول الحوار الوطنى والمسكوت عنه قضية منهجية لا أظنها غائبة عن أذهان القائمين على هذا الإجراء الوطنى شديد الأهمية بالغ الحساسية، فالحوار يفتح عددًا من القضايا المطروحة على الساحة الوطنية والقومية والدولية بدون استثناء أو استبعاد، ويكون على من يديرونه أن يلتزموا الشفافية الكاملة وأن ينتبهوا إلى أن فتح ملفات المشكلات يكون كفتح الأورام والجروح، إذ لابد من الانتهاء من كلٍ منها والوصول إلى صيغة توافقية لحلها لأن مجرد فتحها يبدو كإعادة تفنيط (الكوتشينة) والتمهيد لاستمرار اللعبة السياسية على مسرح الأحداث، إننى أقول صراحة إن الحوار نعمة نعتز بها وفضيلة نحرص عليها ولكنه يمكن أن يتحول إلى كابوس إذا لم نتمكن من تقديم الحلول المخلصة والنظيفة والشريفة، وحينما لا نفعل ذلك فإننا سنكون كمن فتح جرحًا ولم يقم بتنظيفه وتعقيمه وعلاجه، لأنه فى هذه الحالة سوف يظل ينزف دون توقف وربما تسوء الحالة كثيرًا عما كانت عليه قبل فتحه!

فالسادة المتحاورون والمتحاورات يتعيّن عليهم أن يجعلوا باب الحوار مفتوحًا أمام كل القضايا ويعلموا أن إغلاق كل ملف يقتضى الوصول إلى خطة عمل واضحة مدروسة مرتبطة ببرنامج زمنى محدد خصوصًا أن رئيس الدولة يعتمد هذا النوع من التفكير الذى لا يسمح بتأجيل الحلول أو إرجاء التعامل مع مشكلةٍ تتصف بالعمومية وترتبط بالمصلحة العليا للوطن، ولنعلم أن (الباب الموارب) هو أخطر أنواع الفتح لأنه نصف حل فلا ترك الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ولا هو تصدى لها بجسارة وشجاعة كى ينزع عنها غطاء الإهمال والتجاهل ويضعها فى قلب اهتمامات الشأن العام، فاتحًا الباب على مصراعيه لكل الحلول والاقتراحات والتوصيات حول كل مشكلة، وإكبار توصياتٍ واقعية قابلة للأخذ بها وتنفيذها فى حيز زمنى محدد، شريطة أن يكون هناك توافق عام حولها ورضا كامل للوصول إليها، ونحذر بهذه المناسبة من المخاطر المحتملة التى نجمت فى مراحل معينة من تاريخنا القريب عندما كانت المشكلات المسكوت عنها والأزمات المستترة مستبعدة تتوارى بفعل الزمن لكى تستفحل وتتضخم وتصبح عصية على الحلول المتاحة، إن الحوار هو عملية (نكشٍ) شاملة إذا جاز التعبير فعلى الذين يتصدون له أن يدركوا جيدًا أننا أمام عملية جادة وخطيرة وليست ترفًا مرحليًا أو لعبة سياسية لمرحلة معينة، وليدرك معى القائمون على هذا الشأن أن الرجل الأول فى الدولة المصرية حاليًا ضحى مرحليًا ببعضٍ من شعبيته إيثارًا للمصلحة العامة وتفضيلاً لها على صالحه الشخصى. وما أكثر الحكام الذين يؤثرون شعبيتهم الظاهرية ويبتعدون عن الولوج إلى جوهر المشكلات والأزمات معتمدين على منهجٍ ديماجوجى يدغدغ مشاعر الجماهير ولا يبغى الوصول إلى حلولٍ جادة ترفع المعاناة عن ملايين البشر وتسمح للأسر الفقيرة بأن تتنسم هواء الأمل لمستقبل أفضل وحياة أكثر استقرارًا وقربًا لحقوق الإنسان فى عصرنا الحافل بالتناقضات. والذى يحتاج إلى وجبة غذائية معقولة واستخدام ماء نظيف ومسكن ملائم يضمن له حدًا أدنى من مقتضيات الوجود، وبالمناسبة فإن المواطن العادى وهو يحاول متابعة التطورات العامة يدرك بحسه الفطرى أن الحوار يفتح الأبواب لحل بعض المشكلات حتى وإن لم يفصح بذلك، إذ لاتوجد عصا سحرية يشير بها ولى الأمر فتستجيب كل قطاعات الدولة متناسين أن الفساد والإهمال يعششان فى بعض زوايا الإدارة المصرية ويتجاوبان تلقائيًا مع حركة خفافيش الظلام ممن لا تعنيهم مصر ولا يهمهم مستقبل أجياله القادمة، وهنا أطرح ملاحظتين أرى أن لهما قدرا كبيرا من الأهمية:

الأولى: إن الحوار الوطنى الحالى هو فرصة لمناقشات غير تقليدية تعتمد على حلول جديدة للمشكلات المستعصية ولا تقف عند حد الرصد والتوصيف فحسب، بل لابد من رؤية شاملة بعيدة النظر تضع عامل الزمن فى مقدمة حساباتها، فالوقت سلعة لا تباع ولا تشترى ولا تدخر واللحظة الآنية هى مفتاح المستقبل، وإذا كان اليوم قد جاء من رحم الأمس فإن الغد بالضرورة هو وليد اليوم بكل المعانى والاحتمالات بل والغايات أيضًا.

الثانية: واهم من يتصور أن الحوار الحالى هو مرحلة عابرة ينتهى تأثيره بانتهائها، لأن هذا النوع من التفكير سطحى لا يمت بصلة إلى فكر الدولة المصرية حاليًا رئيسًا وحكومة، فالحلول جذرية والجهود ضخمة وضمير الوطن يصحو يومًا بعد يوم، وحراسه يستيقطون ساعة بعد ساعة نتيجة تلك الطرقات القوية للتطورات الدولية والتحولات الإقليمية المحيطة والتى تعتبر نذيرًا عالى الصوت يسمعه من به صمم! أن أفيقوا فالوطن المصرى فى مرحلة تشييد وبناء تتواصل مع أكثر من مليونى طفل وافد جديد سنويًا.

بقيت كلمة أخيرة أهمس بها وسط دوائر الحوار القائم مؤداها أن فقه الأولويات يمثل الفلسفة التى يستند إليها هذا الحوار والنهج الذى تمضى عليه اختياراته، ونتذكر المثل الإنجليزى الشهير الذى يقول (أن يأتى الأمر متأخرًا خير من ألا يأتى أبدًا).


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: