رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اكتشاف المواهب واستثمارها.. مهمة وطنية

مصر مليئة بالمواهب فى مختلف المجالات، ولا تكف عن تقديم أجيال تلو أجيال من الموهوبين، لكن ما يظهر منها ويأخذ فرصته نسبة قليلة جدا مما لدينا من مواهب.

فاكتشاف موهبة وصقلها وتوفير المناخ المناسب من الأشياء الصعبة، والتى تحتاج إلى عمل منظم، يساعد على اكتشاف المواهب فى الوقت المناسب وفى المجالات المختلفة، بينما ما يظهر لدينا من مواهب، إما جرى اكتشافها بالمصادفة، أو بطرق بدائية، وصادفها الحظ ووجدت من يعتنى بها، وكانت هناك جهود فردية فى اكتشاف أنواع من المواهب، فبعض المنتمين إلى أندية كبيرة كانوا يجوبون مراكز الشباب وأندية الأقاليم والمراكز النائية، وما إن يسمعوا عن لاعب صغير موهوب حتى يتتبعوه، وإذا تيقنوا من موهبته أخذوه إلى النادى الذى يشجعونه.

أما اكتشاف المواهب الفنية فكان يعتمد على المبادرة الفردية، أو ظهور مواهب فى فرق أغانى الأفراح أو الموالد، وتلعب المصادفة الدور الكبير فى مسيرتهم، ومنهم من نحتوا فى الصخر، واجتازوا عقبات صعبة حتى تمكنت موهبتهم من التفتح والظهور، وللأسف فإن الأسرة التى يفترض أن تكون الحاضنة الأولى للمواهب، والمكتشفة الأولى لقدرات أبنائها، غالبا لا تقوم بهذا الدور، بل تعرقله فى أحيان كثيرة، لأنها أسيرة مفاهيم خاطئة موروثة، فكانت الأسرة تبعد أبناءها وبناتها عن مجالات التمثيل والغناء، وتراها انحرافا أو تساعد على الانحراف، وكانوا يقولون: ابنى أو بنتى تعمل فى «التشخيص»?!

وتزدرى هذا النوع الجميل من الفن، وكذلك كانت مجالات مثل الغناء والصحافة، وكذلك كان الآباء يرفضون أن يمارس ابنهم أو ابنتهم الرياضة بانتظام، وتمنعهم من الذهاب إلى الأندية، حتى لا تؤثر على انتظامهم فى الدراسة، وكانت الثانوية العامة أهم عندهم ألف مرة من دخول مسابقة رياضية، وكانت الأندية تعانى من متابعة لاعبيها فى دراستهم فى المدارس والجامعات، والآباء يقولون إن إنهاء الدراسة الجامعية له الأولوية، وعلى الابن أن يلتحق بالجامعة وينهيها ثم بعدها يمارس الهواية التى يرى أنه موهوب فيها، ويكون الوقت قد فات، والموهبة غطاها تراب الإهمال، وتنزوى وتذبل، وكم من مواهب ضاعت تحت ضغط الأهل والثانوية العامة والشهادة الجامعية.

أمامنا الآن نموذج عصرى وناجح فى اكتشاف المواهب الفنية، وهو برنامج «الدوم»، الذى يجمع المواهب من كل أنحاء مصر، فى مجالات التمثيل والغناء والعمل الإعلامى، وظهر فيه شباب موهوب من الجنسين، لم يكن بالإمكان أن نسمع عنهم، وأن نشاهد مواهبهم، وأن يجدوا الفرصة لعرض مواهبهم، وهذه المبادرة الناجحة ستساعد على خروج مبادرات أخرى فى مختلف المجالات، ليصبح أمامنا أعداد هائلة من الشباب الموهوب، والاعتناء به وصقل مواهبه بالتعليم والتدريب المناسبين، ليكونوا روافع مهمة فى مسيرة التنمية، لأن اكتشاف مواهب فى مجالات كثيرة، يفتح الباب أمام مواهب أخرى، وينمو دور المدارس، وتشجع الأهل على الاعتناء بأبنائهم، وإلحاقهم بالمسابقات وورش التدريب، عندما يجدون أن تلك النماذج تحقق النجاح، وتجد من يأخذ بيدها ويساعدها.


إننا بحاجة إلى أن نجعل من تجربة برنامج «الدوم» نموذجا يحتذى فى الكثير من المجالات، وأن نعتنى بالمواهب فى السن المناسبة، وأن نرسل كشافة محترفين فى مختلف المجالات إلى المدارس والمعاهد والكليات المختلفة، وتتبع الكثير من الدول هذا النهج فى اكتشاف المواهب العلمية والأدبية والفنية وغيرها من المجالات، وليس فقط إرسال مفتش تربوى يتفقد كراسة المعلم، ليرى كيف أعد للدرس، وبالكاد يمكن أن يلقى نظرة سريعة على التلاميذ، أما مكتشف المواهب فيجلس مع المعلمين، ويتحدث إليهم عن تلاميذهم، ويرشحون بعضهم، ثم يجلس فى الفصل ويقضى مع التلاميذ الكثير من الوقت، وهناك كشافة محترفون فى اكتشاف الموهوبين فى علوم وفنون مثل الرياضيات والفيزياء والموسيقى والأدب والفن وغير ذلك.

وعلينا أن نعمم تجربة برنامج «الدوم» بعد أن نعمقها، ونأخذ بيد المواهب التى اكتشفها، لصقلها وتنميتها على أيدى متخصصين، فالموهبة وحدها لا تكفى، وإن كانت المادة الخام للإبداع، وعلينا أن نستثمر تلك الخامات النادرة، ونوفر لها متطلبات النجاح، لنجنى منها علما وفنا وأدبا واختراعات واكتشافات، وهو الدور المكمل والضرورى لهذا البرنامج الناجح.

قابلت خلال تجربتى الصحفية فى قطاع التعليم طلابا نابغين، تحدوا كل الظروف، وبذلوا الجهد، وتعرفوا على برامج تعليم وتدريب عن بعد، أو ساعدتهم أسرهم المتوسطة الدخل فى الالتحاق بمدارس فى بلدان متقدمة، ونبغوا فى مجالات كثيرة، وهذه الثروة من أبنائنا يمكن أن تكون أعمدة لبناء جمهوريتنا الجديدة.

وأدركت معنى أن مصر ولادة، وأنها لا تكف عن تقديم علماء وفنانين فى أصعب الظروف، فماذا سيكون الحال لو اكتشفنا المواهب بشكل واسع، وأن نمنحهم الفرصة مثلما منح برنامج «الدوم» الفرصة لمئات ثم آلاف من الشباب الموهوب، عندها ستصبح لدينا ثروة هائلة، ونجد الكثير من الحلول لمشكلاتنا من خلال ثروة العقول والمواهب، وعلينا فقط أن نوسع التجربة، وأن نعتنى بالمواهب بدءا من المدارس ومراكز الشباب وقصور الثقافة، وأن ندرب الكشافين فى مختلف المجالات، ليجدوا تلك المواهب المدفونة.

وأتمنى أن يسهم رجال الأعمال إلى جانب الدولة فى تبنى تلك المواهب، لأنها ثروة يمكن تنميتها، أما إهدارها وإهمالها فهى خسارة كبيرة، علينا تجنبها، وأن نمد يد العون والمساعدة، وأن نضع منظومة على أسس علمية لاكتشاف وتبنى وصقل وتنمية تلك الكنوز الغالية، التى ستضع بلدنا فى المكانة المناسبة، وأن نستغل طاقاتها الكامنة فى جينات تستمد خبرات حضارة قديمة أبهرت العالم، ويمكن أن تستعيد بريقها وتوهجها، لنجد آلاف المواهب فى الفن والغناء والرياضة والعلوم والاختراعات، إنها بضع خطوات ضرورية يمكن إنجازها من خلال لجنة تضع خطة علمية وعملية، وأن تتعاون وزارات التعليم والثقافة والشركات الفنية ورجال الأعمال والإعلام فى تحقيق هذه الغاية الحلم القابل للتحقيق، والذى بادر برنامج «الدوم» بأخذ خطوة فى مسار تنفيذه، وعلينا أن نكمل باقى الخطوات.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: