رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ماذا بعد سيطرة روسيا على دونباس؟

شكلت سيطرة القوات الروسية على جمهورية لوجانسك الشعبية بشكل كامل نقطة تحول مهمة فى الصراع الأوكرانى وتحديد مساراته المستقبلية, حيث عكست العديد من الدلالات والنتائج المهمة:

أولا: أن السيطرة الكاملة للقوات الروسية والقوات المتحالفة معها, شكل ضربة للرهانات الغربية والأوكرانية على هزيمة القوات الروسية فى دونباس, وعكس فشل الأسلحة الغربية والأمريكية الحديثة التى تم تزويد أوكرانيا بها فى تغيير موازين القوى المختلة مع روسيا أو تحجيم التقدم الروسى فى الإقليم, كما أكد عدم نجاح الضغوط والعقوبات الاقتصادية الشديدة التى فرضتها أمريكا والغرب على روسيا فى إثنائها عن إتمام العملية والانسحاب من أوكرانيا.

ثانيا: أن روسيا تسير فى مخططها الأساسى من وراء العملية العسكرية, وهو السيطرة على إقليم دونباس بشكل تام لإنهاء ما تعتبره انتهاكات بحق سكان الإقليم من قبل ما تسميهم القوميين المتشددين منذ عام 2015, ولذلك فإن الهدف التالى مباشرة فى الأسابيع المقبلة هو استكمال السيطرة على جمهورية دونيتسك الشعبية لإحكام السيطرة الكاملة على كل إقليم دونباس, وهو أمر لن تجد فيه روسيا صعوبة فى ظل الانتصارات التى حققتها فى لوجانسك وقبلها ماريبول وخيرسون, إضافة إلى تركز المعارك فى منطقة جغرافية محدودة وهو ما يمكن القوات الروسية من التقدم فى ظل تراجع معنويات القوات الأوكرانية بعد خسارتها عددا من المدن والأقاليم فى الشرق واستسلام ومقتل الكثير منها فى ظل الإحباط من عدم استجابة الغرب لمطالب كييف بتزويدها بالأسلحة الحديثة الهجومية.

ثالثا: السيطرة على إقليم دونباس يعكس السيناريو المقبل والمتمثل فى إجراء استفتاء فى جمهوريتى لوجانسك ودونيتسك بعد السيطرة الكاملة عليهما، وضمهما لروسيا بشكل رسمى, على غرار ما حدث فى شبه جزيرة القرم عام 2014، خاصة أن روسيا قد منحت معظم سكان الجمهوريتين الجنسية الروسية وأغلبهم يتكلمون اللغة الروسية، كما أنهم يميلون إلى الترابط والاتحاد مع روسيا، على عكس سكان وسط وغرب أوكرانيا الذين يريدون الانتماء للغرب والانضمام للاتحاد الأوروبى.

وبالتالى فإن نهاية الحرب فى أوكرانيا، والذى أصبح قرارا روسيا، يرتبط بتحقيق روسيا هذا السيناريو الذى قد يتحقق قبل نهاية هذا العام, وقد يشمل المخطط الروسى توسيع العملية وضم ماريبول وإقليم ميكولايف وخيرسون لإقليم الدونباس، وبالتالى يتم عمليا تقسيم أوكرانيا، بحيث يكون شرق أوكرانيا وبحر أزوف ضمن الاتحاد الروسى, مقابل بقية أوكرانيا التى ستنضم للاتحاد الأوروبى.

لاشك أن خيارات أوكرانيا والغرب أصبحت محدودة مع سيطرة روسيا بشكل كامل على إقليم دونباس وضمها لأراضيها، وهذه الخيارات تتمثل فى:

أولها: أن تتجه أمريكا والغرب إلى تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الهجومية المتطورة فى محاولة لمنع روسيا من السيطرة الكاملة جمهورية دونيتسك أو السيطرة على ميناء أوديسا فى جنوب شرق اوكرانيا، والاعتماد على معارك استنزاف طويلة للقوات الروسية الموجودة فى شرق أوكرانيا، مع تكثيف المزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على روسيا، وعدم الاعتراف بضم روسيا إقليم الدونباس، كما حدث مع عدم الاعتراف بضمها القرم، وفى ذات الوقت الاعتماد على إستراتيجية عزل روسيا دوليا وتطويقها عسكريا من خلال توسيع حلف الناتو وضم فنلندا والسويد وتكثيف الوجود العسكرى للحلف فى الجناح الشرقى المجاور لروسيا، وهو ما أكدته قمة مدريد الأخيرة لحلف الناتو.

ثانيها: أن تتقبل أوكرانيا والغرب بالأمر الواقع خاصة بعد إعلان جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك الانضمام رسميا لروسيا، وبالتالى اللجوء الى المفاوضات وتقبل فكرة تقسيم أوكرانيا، والعمل على حل مشكلة تصدير الحبوب الأوكرانية وتخفيف أزمة الغذاء العالمية, خاصة أن تكلفة استمرار الحرب أصبحت باهظة على الجانب الأوكرانى, عسكريا واقتصاديا وبشريا، فى ظل الفجوة الكبيرة فى القوة العسكرية مع روسيا، كما أن الغرب بدأ يئن من استمرار الحرب ومن تداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا والتى أخذت تأثيراتها فى الصعود مع ارتفاع الأسعار وتصاعد التضخم بشكل غير مسبوق، خاصة فى أسعار السلع الغذائية وأسعار الطاقة، وهو ما أصبح له تأثيرات اجتماعية وسياسية سلبية تجسدت فى تزايد المظاهرات فى عدد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا احتجاجا على ارتفاع الأسعار, وكلها تشكل عوامل ضاغطة على صانع القرار الغربى خاصة فى دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا. لكن يظل تحدى هذا السيناريو هو جناح الصقور فى الغرب والذى تقوده أمريكا وبريطانيا, حيث يسعيان الى استمرار سياسة العصا وأقصى الضغوط على موسكو لاستمرار وإطالة أمد الحرب مهما كانت التكلفة, لأن الاعتراف بانتصار روسيا وضم الدونباس يعنى فشل أمريكا والغرب فى تحقيق هدفهما الإستراتيجى من الحرب وهو تحجيم روسيا عسكريا وسياسيا ومنع تحول النظام الدولى من أحادى القطبية, الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود، إلى نظام متعدد القطبية, وتحديدا ثلاثى القطبية, أمريكا وروسيا والصين, والذى أسهمت الحرب الأوكرانية فى تكريسه، لكن المشكلة هو أن بنك الأهداف الروسية التى يمكن فرض عقوبات عليها قد استنفد، كما أن روسيا لديها أوراق وخيارات أخرى لتقليل تأثير العقوبات الغربية وأبرزها التحالف مع الصين واستخدام سلاحى الطاقة والغذاء.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: