رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لا شرقية ولا غربية

كانت صاحبة العصمة صاحبة مفهومية ودرجة عالية من التذوق لا يدانيها فيها أحد، مع حسن اختيار مثالي بعد التروي والتمحيص والاختبار.. أم كلثوم.. كانت عمرها بالعمر ما عرضت روحها للملامة، أو ابتذلت ذوقها الرفيع فيما لا قيمة له.. فنانة محترمة لا يدخل دائرة اهتمامها إلا كل ما هو محترم سواء في الناس أو المعاني أو الألحان أو الأشياء..

ومن أجل مسلكها المحترم هذا فإنها لما طلعت علينا في الخمسينيات نجمة غلاف إعلانات صابون نابلسي شاهين صدقناها زي ورقة البوسطة وصدقنا سلعتها ـ صابونتها ـ التي تستخدمها للعناية ببشرتها، فقوامها الراغي زيت الزيتون النقي الذي تتساقط منه قطرات على أرض الإعلان كأنها التبر المقطر القادم من أعلى الجنان عند التقاء السحاب بجبال نابلس في فلسطين..

 

زيت الزيتون الذي يقسم بثمرته اللـه سبحانه وتعالي بقوله في سورة التين: «والتين والزيتون» إشارة إلي غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح عليه السلام ـ من السفينة ـ لترتاد حالة الطوفان وتستطلع في طيرانها إذا ما كانت المياه قد جفت عن الأرض، فلما عادت حاملة في منقارها غصن الزيتون عرف أن الأرض قد تكشفت لتطرح الشجرة المباركة أول نبتة تظهر على وجه البسيطة لتثمر الزيتون الذي ورد ذكره في كتاب اللـه الكريم سبع مرات منها في قوله تعالي في سورة النور «يُوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار».. وفي سورة الأنعام «..وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه» «..والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان».. وفي سورة عبس «فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا».. وجاء في قول الرسول صلي اللـه عليه وسلم: «ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة»، وذكر الإمام الذهبي قول رسول اللـه صلي اللـه عليه وسلم «غيروا الشيبة بزيت الزيتون» وقد أثبت العلم أن دهان الشعر بزيت الزيتون باستمرار يؤخر المشيب.. وفي الإنجيل جاء ذكر شجرة الزيتون مائتي مرة.

وفي التوراة أن سيدنا موسي أتي على ذكر سبعة أطعمة إلهية هي: الحنطة والشعير والكرمة والتين والرمان والزيتون والعسل، وبزيت الزيتون بارك موسي قومه، وأنشأ النبي داود فرقة جند مهمتها مراقبة عصر الزيتون وحساب كمياته ومراعاة أشجاره.. وجاء في تفسير قوله تعالي من سورة يوسف «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون» إنه سيأتي من بعد ذلك عام ينعم فيه الناس بالمطر والغيث ليجنوا الثمرات ويعصرون فيه العنب خمرا، والزيتون زيتا.


الشجرة المباركة

وكانت الشجرة المباركة رفيقة للإنسان منذ خلق، فقد اكتشف الجيولوجيون بقايا أشجار وحبوب زيتون تعود إلي العصر النيوليتي أي إلي المرحلة التي بدأ فيها الإنسان يصقل الحجر ويبني الأكواخ ويزرع الأرض ويدجن الحيوانات، وحول أصول فرعونية الزيتون المستخدم زيته في عمليات التحنيط أن الإلهة إيزيس والدة حورس وزوجة أوزيريس كانت تعد لدي المصريين حامية شجرة الزيتون.. وأنه على ورقة بردي جاء بالهيروغليفية نص للقربان الذي قدمه الفرعون رعمسيس الثاني للإله رع جاء عن زيت الزيتون إن هذا الزيت الصافي مستخرج من هذه الأشجار ليشتعل إلي الأبد ويضيء معبدك، وفي عهد رعمسيس صنفت النصوص الطبية زيت الزيتون بين العلاجات التي تشفي الجروح والحمي والآلام النسائية والإرهاق والاضطرابات الهضمية.. وإذا ما كان بيبي الثالث قد بلغ المائة من العمر، ووصل رمسيس الثاني السادسة والتسعين تزوج خلالها200 امرأة أنجب منهن195 ابنا و60ابنة، ومثله الكاهن الأعظم نينتيرو في الأسرة الحادية والعشرين فقد كان زيت الزيتون أحد دعائم صلابتهم على مر السنين، وقد جاء في برديتي إيبرز714 و617 أنه لكي يظل الوجه مشدودا بدون تجاعيد يطلى بمزيج من بودرة المرمر وبودرة النطرون وملح البحر وزيت الزيتون بحيث يخلط جميعها مع العسل ويدهن بها الجلد المترهل من أثر التقدم في السن الذي ظل مشكلة الإنسان عبر جميع العصور.. وكانت الآلهة نفسها غير معصومة من التقدم في السن حتي يأتي وصفهم في نقوش الفراعنة: يظهر رع كل يوم على رأس طاقم قارب الشمس جالسا على عرش الأفقين، وقد جعل السن الكبير فمه يرتعش ولعابه يتساقط على الأرض.. وكان زيت الزيتون كما جاء في برديتي الرامسيوم وايبرز يدخل في تركيبة المراهم المخصصة لتيبس العظام وهي خليط من زيت الزيتون ونخاع العظم والدقيق والنطرون وطحال عجل وصمغ ولبان وكرفس وبصل وكمون وعرعر وسنط يتم دعك الأعضاء المصابة بها..


ثمار الزيتون فى ردائها الأسود

وليس أبلغ من قدر الزيتون تاريخيا أن تمثال رئيس الآلهة زيوس مكلل رأسه بتاج من فروع الزيتون، وقد نسبت العديد من الأساطير حول علاقة الآلهة بقدرات زيت الزيتون الذي أطلقوا عليه اسم الذهب السائل منها أن الإلهة حيرا كانت تدلك جسدها في الصباح والمساء بزيت الزيتون ليظل محتفظا بطراوته ولمعانه الفريد ليبقي على غوايتها للإله زيوس، وكان أمراء وأميرات اليونان القديمة يحفظون المراهم التجميلية المصنوعة من زيت الزيتون نفس حفظهم لجواهرهم الثمينة، وقد تم العثور على بعض منها في كنز طروادة، وظل إنتاج الزيتون اليوناني في التاريخ القديم متواضعا لمدة طويلة مما دفع بالسلطات التي تعرف قدره إلي نص قانون صارم يعاقب كل من يقتلع شجرة زيتون بالسجن سنوات، وربما لهذا السبب بقي الزيتون وزيته النادران حكرا على النبلاء حتي عصر هوميروس.. وفي بداية القرن العشرين عندما قام علماء الآثار بإزالة أنقاض قصر كنوسوس بجزيرة كريت التي شهدت حضارة مذهلة قبل ميلاد المسيح بألفي عام اكتشفوا في أنقاض القصر التاريخي جرارا لزيت الزيتون يبلغ ارتفاعها مترين مما يشير إلي زراعة الزيتون الواسعة النطاق في تلك الحقبة، إلي جانب التقدم في صناعة الفخار، ومهارة التخزين التي استنتج منها المؤرخون أن سكان الجزيرة كانوا يصدرون زيتهم وينظمون تجارته..

ويعود إلي الرومان فضل ابتكار أول معصرة آلية للزيتون، وذلك عندما كانت السلطات الرسمية تعفي مالكي بساتين الزيتون من تأدية الخدمة العسكرية ــ كما كان يحدث في مصر لحفظة القرآن فترة ما قبل قيام ثورة ١٩٥٢ ــ بمفهوم أنهم بتربيتهم لشجرة الزيتون يقدمون أشرف خدمة وطنية جليلة.. الشجرة المباركة التي تثمر جوهرا يقطر زيتا صافيا للطعام ومثاليا في تركيب الدواء ونموذجيا للعناية بالجلود والسلاح.. الشجرة التي نسجت حولها أسطورة مدينة أثينا عندما نظمت الآلهة مسابقة لانتخاب الإله حامي حمي المدينة بشرط أن يقدم أثمن هدية، وبدأت المباراة التي أخذ فيها كل إله ينافس الآخر بقوته وعظمته وثروته إلي أن أتت الإلهة أثينا بحكمتها وقدمت غرسة الزيتون الأولي فكان لها تاج الجزيرة وسميت أجمل مدن العالم القديم باسمها، وتمضي الأسطورة اليونانية في تأريخ الزيتون بأن هرقل هو أول من نشر زراعته في جميع أرجاء اليونان، وكان اليونانيون يعصرون الزيتون بأقدامهم كالعنب، منتعلين أحذية خشبية ضخمة، وهذه الطريقة لم تزل معتمدة في بعض البلاد خاصة في شمال أفريقيا، وعندما وضع الرومان تلك المناطق تحت سيطرتهم ذكر المؤرخ بلوتارخس مبينا أسباب تلك الحملة: ما إن عاد قيصر من حملته على أفريقيا حتي ألقي خطابه أمام الشعب يعرض فيه انتصاراته بأفصح العبارات، قائلا إن البلاد التي هزمها شاسعة إلي حد أن الشعب الروماني قادر أن يجني منها سنويا مئتي ألف مكيال من القمح.. وثلاثة ملايين ليبرة من زيت الزيتون، وفي تذكرة داوود الأنطاكي أتي ذكر فوائد الزيتون الكثيرة ومنها أنه: ينعم البشرة ويدر البول ويسكن المفاصل وأوجاع الظهر والدهان به كل يوم يمنع الشيب ويصلح الشعر ويقوي البصر، وحول زيت الزيتون ذكر العلامة ابن سينا أنه يحفظ الشعر ويؤجل المشيب ويوصف للجرب والنقرس ويقوي اللثة والأسنان وجيد للمعدة، وربما تكون شجرة الزيتون أكثر الأشجار المعمرة فهناك في القدس أشجار يقدر عمرها بألفي عام أي من أيام المسيح عليه السلام، وهناك زيتونة في كرواتيا يقدر عمرها بألف وستمائة عام، بينما في منطقة كارانا الإيطالية بلغ عمر زيتونتها ثلاثة آلاف عام، وفي المطرية بالقاهرة الشجرة المقدسة التي بلغت2000 عام وكانت السيدة مريم العذراء قد جلست تحتها في رحلتها المقدسة إلي مصر برفقة زكريا وطفلها يسوع..

ومن فوق جبل الزيتون في القدس ألقي المسيح موعظته الأخيرة وتتوالي الحكايات حول شجرة الزيتون الموجودة بفلسطين ويطلق عليها اسم شجرة البدوي نسبة إلي القطب الصوفي الشهير السيد أحمد البدوي، حيث كان دراويش الصوفية في السابق يطهون تحتها طعاما تقليديا من الأرز والعدس يتم توزيعه على الفقراء، ويقدر عمرها بنحو5500 سنة ويصل قطرها إلي20 مترا ولم تزل خضراء وارفة الظلال يلجأ إليها الناس لقطف سبع ورقات منها لاستخدامها كعلاج وتعاويذ تحت رؤوس المرضي جلبا للشفاء، فأوراق الزيتون وحدها بعيدة عن الثمار وزيتها يستخدم الماء المغلي معها كخافض قوي للحرارة وعلاج لأمراض الرشح والإنفلونزا، وله تأثير فعال في فيروس الهيربس ويعالج مرضا حديثا تم تشخيصه تحت اسم CFS» Chronic fatigue syndrome» يسبب الشعور بالتعب ووهن الأجساد، ويساعد ورق الزيتون المغلي في خفض نسبة السكر في الدم.. وفي الحروب الإسبانية كان الضباط الفرنسيون يستعملونها لمعالجة الحمي في حال عدم توافر نبتة الكينا، وفي حالات ضغط الدم المرتفع والسكر ينصح باستخدام الأوراق الطازجة بغلي حوالي20 ورقة في30 سنتيمترا من الماء إلي أن يتبخر الثلث ثم يصفي الثلثان المتبقيان مع التحلية بالسكر ويحتسي المشروب ساخنا صباحا ومساء.

ولأنني غاوية زيت الزيتون وقسمًا عظمًا ليس لما توصل إليه العلم من أنه مهم ومؤثر وضروري حماية من أمراض الشيخوخة والزهايمر، ويحافظ على قدرات الإنسان الفكرية والإدراكية لما فيه من الأحماض الدهنية الأحادية غير المشتقة Monoinsatures.. لا واللـه ليس هذا مربط فرس الاهتمام فالإدراك سليم وماكينته عالزيرو، بلا نهجان ولا يرقان ولا استناد على سلم أودرابزين، ولا يعنيني في شيء أن زيت الزيتون يقاوم ظهور التجاعيد وأن أكبر دليل أن المعمرين في جمهوريتي سمرقند وطشقند لا يعانون من أية تجاعيد أو غضون في الوجه أو اليدين لأنهم يستخدمون الدهان بزيت الزيتون ثلاث مرات أسبوعيا، ولدي العبدة للـه ذاكرة حديدية ترصد وتروي بالتفصيل الممل أحداث الطفولة وأفراحها وإحباطاتها مع ذكر التواريخ والمواقع والمناسبات حتي موضات الأزياء ومن كان مرتديا بدلة كاملة ومن حضر بالقميص والبنطلون.. هذا وإن كان ما حدث بالأمس ــ ليلة إمبارح يادوب ـ ممسوح بأستيكة من فوق شاشة المخ، وعموما العقل ليس بدفتر تسجيل وليس مهما في شيء ما شربته بالأمس ولا ماذا أكلت وماذا صرفت وماذا قبضت ورحت فين وكلمت مين، فكلها في رأيي أمور هامشية لا تذكر.. إن حرصي على تناول الزيت المعجزة أتي من بعد إعلان المؤتمر الدولي لأمراض القلب الذي عقد في أشبيلية في مايو1998 وخرج بتوصيات كان أهمها من وجهة نظري أن زيت الزيتون يحتوي على كميات كبيرة من الأوميجا3 التي تحارب زيادة الدهون في الدم، حيث تزيد من ذوبان ما ترسب بالشرايين من الدهون، والنوع البكر الممتاز ExtravirginoliveOil منه فعال للغاية في تخفيض خطر أمراض القلب بسبب محتواه العالي من مركبات نباتية مضادة للأكسدة تسمي بولي فينولز polyphenols، وفيتامين E المتوفر في زيت الزيتون يلعب دورا مهما كمضاد للأكسدة على جوانب الشرايين، ولو قال الكوليسترول شعرا يكشف مكمن ضعفه لنهج طريق المتنبي في قول الشعر، لكن ليس على سبيل التفاخر بمن يشهد له بالقوة، بل حسرة ممن يتسبب بزوال قوته وتأثيره الضار، وبدلا من ترديده قول المتنبي: الخيل والليل والبيداء تعرفني، لقال الكوليسترول: الجوز واللوز والزيتون تغلبني.. وهذا ما أكدته المصادر الطبية العالمية وما خرج به الباحثون أخيرا في مايو كلينك من أن تناول كمية ثلث كوب من الجوز عين الجمل يوميا يخفض من نسبة كوليسترول الدم بمقدار12% وإن كانت هذه الكمية تحمل في طياتها حوالي240 سعرا حراريا كالوري من الطاقة، وأن تناول الدهون الأحادية غير المشبعة كما في زيت الزيتون له أثر بالغ في خفض نسبة كوليسترول الدم وبالتالي حماية القلب وشرايينه..

ولا نهاية لهبات الشجرة المباركة التى أكدت أحدث الدراسات الطبية في فبراير الماضى فى مجلة Archive sofinternal medicine من أن تناول ملعقة طعام من زيت الزيتون يوميا يمكن أن ينقص من خطر حدوث سرطان الثدي بنسبة 45%، وكانت الدراسة قد اعتمدت على بحث نوعية الغذاء لدي أكثر من60 ألف امرأة ما بين سن الـ40 و76، وبعد مضي ثلاث سنوات وجد الباحثون أن النساء اللاتي لم يصبن بسرطان الثدي كن يتناولن كميات وافرة من زيت الزيتون في الطعام.. وتوصل بحث علمي أجري في أكاديمية العلوم بإسبانيا ونشرته مجلة «جت» المتخصصة في أمراض الجهاز الهضمي إلي أن استخدام زيت الزيتون في طهي الطعام قد يمنع سرطان المعدة ــ مع العلم بأن زيت الزيتون يحتفظ بخصائصه العلاجية وبمذاقه ويبقي سهل الهضم حتي بعد أن يطهي به ــ ويفسر البروفيسور ميجيل جاسول رئيس الفريق العلمي القائم على البحث دور زيت الزيتون هنا بأنه يعرقل تكوين مادة يطلق عليها اسم أركيدونات وهي المسئولة عن اتحادها مع مادة أخري هي بوستجلاندين إي عن تحريض الخلايا على الانقسام السرطاني..

وأحدث دراسة أمريكية أكدت احتواء زيت الزيتون على مركبات تحاكي عمل عقار الايبوبروفين الذي يستخدم في تسكين الآلام ومقاومة الالتهابات مثل الاسبرين، وهو يقلل من مخاطر انتشار السرطان وانسداد الشرايين وحدة الزهايمر.. ومن هبات الزيتون ـ الذي يضعه الصوفيون في منزلة النفس المستعدة للاشتعال بنور القدس لقوة الفكر ـ أنه يعالج أمراض الكبد ومنها الكبد الدهني حتي أن الدواء المعروف في الأسواق باسم Essentialfort يحتوي على نسبة عالية من زيت الزيتون الذي يعالج الحساسية المتكررة وتورم العقد الليمفاوية وآلام العظام وتورمها، وقلة الشهية، والجيوب الأنفية ومشاكل الجهاز التنفسي ولاسيما الربو، وقرح الجلد، وتقوية جهاز المناعة، والصدفية، وسرطان الجلد، والتهاب المفاصل، وفي حالات اضطرابات الجهاز الهضمي ينصح بتناول ملعقتين من زيت الزيتون فيخف التورم على الفور، ولحصي الكلي ملعقة على الريق من زيت الزيتون مع الانتظار نصف ساعة بعدها قبل تناول الإفطار، وللمحافظة على أسنان بيضاء ولثة سليمة تدعك من جميع الجهات بزيت الزيتون مع ملعقة كبيرة منه في الفم وتبقي مدة طويلة دون ابتلاع، وللتخلص من التجاعيد يمزج لب حبة أفوكادو مع عصر نصف ليمونة وملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون ويوضع المزيج على الوجه لمدة ربع ساعة يوميا ثم يغسل بالمياه المعدنية..

وللتخلص من آثار الطلاء أو الشحم يجب تجنب غسل الأيدي بالبنزين أو مادة التنر لما يسببانه من جفاف وتهيج للبشرة، وأجدي طريقة فرك اليدين بزيت الزيتون، حيث تختفي البقع كما السحر.. ولإطالة عمر باقات الزهر تقطع السيقان بشكل مائل وتنقع في زيت الزيتون قبل وضعها في الفازة، والسرد في فوائد الشجرة المباركة لا ينتهي.

وأنت إذا ما كنت غاوي شقاء من النوع اللذيذ فعليك بتدبير رحلة سفاري إلي سيناء لتدور في وديانها الآمنة بحثا عن شجرة الزيتون البعلى بلهجة أبناء سيناء ويعني الذي لم يرو سوى بمياه الأمطار، ومنه يستخرج أجود أنواع الزيوت، ليس في سيناء فقط بل على مستوي العالم كله فخصائصه العلاجية ليس لها مثيل ودرجة الحموضة فيه أقل من 1%، حتي إن إسبانيا أكثر بلاد العالم إنتاجا لزيت الزيتون تحرص على استيراد زيتون سيناء الشافى المعافى.. وكيف لا وقد جاء في الآية الكريمة من سورة المؤمنون «وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين»، وتلك الآية تشمل أمورا عظيمة فإذا كان سبحانه يقول إن شجرة الزيتون تعطي الدهن فهذا معلوم ولكن وصبغ للآكلين ليس معناها كما جاء في بعض التفاسير من أن الصبغ ما هو إلا الإدام لأنه يصبغ اللقمة، أو أن المقصود هو غمس الطعام في زيت الزيتون بكثرة، وإنما كما جاء في كتاب الدكتور خليل أبوالعطا «إعجاز النبات في القرآن الكريم» من أن ثمار الزيتون تحتوي على الأحماض الدهنية الأمينية التى تصبغ الجلد تبعا لنسبها فيه، فإذا كانت مرتفعة الكثافة أصبحت البشرة سوداء، وإذا ما انخفضت مال الجلد للون الأصفر، أما إذا غابت تماما يغدو كل من الشعر والرموش والجلد شاهق البياض فنسمي صاحبها عدو الشمس، ولهذه الصبغة الميلانين أهمية بالغة للبشر تبعا لموقعهم من خريطة العالم، فالأفارقة على سبيل المثال يعيشون في مناطق ساطعة الشمس مما يتطلب الحماية بتوفر الميلانين أي اللون الأسود، وذلك ملحوظ في الشخص القمحي اللون عندما يقف طويلا في الشمس فيتغير لونه لأن الاسمرار وسيلة دفاع عن الجلد ضد الشمس.

شجرة الزيتون بأنواعه ــ الشملالي والزلماطي والبكوال والزرازي والذكار والفحار والساحلي والعفريني والطاولة والمسكي والتفاحي الخ.. مائة وخمسون نوعا أبرزها فى مصر العجيزى الشامى والتفاحى.

وللعلم فإن مصر تحتل المركز الأول فى إنتاج زيتون المائدة عالميًا ــ أكرر زيتون المائدة وليس الزيتون عامة ــ وهناك عدة مناشدات بإنشاء مجلس وطنى للزيتون على غرار ما هو موجود فى تونس والأردن، فالتحدى أمام مصر يتمثل فى تسويق الزيتون، حيث لا يوجد نظام معين للتسويق والمسألة «عجيزى»! هذا بينما تحتل غالبية دول العالم جميع المنصات الأمامية لتصديره، حيث تصدر إسبانيا الأولى مليونا و٢٥١ ألفا و٦٠٠ طن.. وإيطاليا الثانية ٤٢٨ ألف طن واليونان الثالثة ٣٦٤ ألف طن، وتونس الرابعة والأولى عربيًا ٢٨٠ ألف طن، وتركيا الخامسة ٢٦٣ ألف طن، والمغرب السادسة ١٤٠ ألف طن، وسوريا السابعة ١٠٠ ألف طن، هذا بينما يقال إننا فى مصر ندور حول المركز التاسع، إذا لم نتعرض للعوامل الجوية دون استعدادات مسبقة فتغدو المسألة.. ومعذرة.. فى معدلات «الكالاماتا»!!

الشجرة التي يلزمها حتي تعطي ثمارها الأولي خمس سنوات، وخمسة عشر عاما لتصبح شجرة بالغة يصل إنتاجها ما بين 50 إلي70 كيلو في العام.

ولا تورق أبيات الشعر دون ارتواء بزيت الزيتون، وقد جاء قول المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي:

ويذكرني تخبيط كعبك شقه

ومشيك في ثوب من الزيت عاريا

بمعني أن كعبه كان متشققا من السير بلا نعل، وأنه في بيعه للزيت يتلطخ بدنه كأنه قد لبس ثوبا منه أي كان مزيتا بدنا وثوبا.

وتُلهم الشجرة المباركة الشاعرة فدوي طوقان 1971 ـ 2004 ابنة نابلس فتكتب عن مشاعرها في ظلال الزيتون من فوق جبل جرزيم حيث لا حدود إلي مرمي البصر من أشجار الزيتون..

هـنا.. هـنا في ظل زيتونتي تحطم الروح قيود الثري

واها.. هنا يهفو على مجلسي في عالم الأشواق روح حبيب

لــم تره عـيناي لـكنـني أحسه مني قـريبا قـــريب

نجيتي.. أنت وقـد عزني نجي روحي يا عروس الجبل

دعــي فـــؤادي يشــتكي بثــه لعل في النجـوي شفـاء، لعل!

ومن أبيات محمود درويش:

شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك

هى

سيدة السفوح المحتشمة، بظّلها تغطى

ساقها، ولا تخلع أوراقها أمام

عاصفة

هى لون السلام إذا اجتاح السلام

إلى فصيلة

لون، لا يقول لها أحد: كم أنت جميلة

لكنه يقول: كم أنت جميلة وجليلة

آه.. يا أختى الشجرة

لقد عذبوكِ كما عذبونى

فلا تطلبى المغفرة

لحطّاب أمى وأمك

ومن أقوالنا المأثورة على جميع المستويات في المسألة الزيتونية: «خبزى وزيتى عمارة بيتى».. «إذا كان فى البيت عيش وزيت وقفت أنا وغنيت».. «وما حدا يقول عن زيته عكر».. «أيام الزيت أصبحت وأمسيت».. «اشرب زيت وناطح الحيط».. «الزيتونة مثل ما بدّك منها.. بدّها منك».. خللى الزيت فى جراره حتي تجيك أسعاره».. «زيتنا فى دقيقنا».. «طايش كما الزيت ع الميه».. «ما يطلع الزيت إلا من كثرة العصر».. «الزيت مسامير الركب»..

ومن بعد تعودنا على المسلسلات القادمة من بلاد الشام والتعبير المحصور حصريا غدت لفظة منيح بدلا من كويس ومش بطال في حكم اللـهجة المصرية.. ومن هنا ومن بعد التجاوب المنيحي أقدم لكم طبقا من الزيتون اللبناني غنت له صباح يومًا عالبساطة بعشاء جبن وزيتون وبطاطا: «ما عليك إلا أن تأخذ حفنة من الزيتون الأخضر الممشح من غلة النقبة تغسلها جيدا بمياه نبعة العسل العذبة، ثم تقوم برص اللب دون كسر النواة متخذا حجرا نهريا مبلطحا، ثم اغمر ثمار الزيتون المرصوص في ماء بوشة البيضة مشبع بالملح لمدة خمسة أيام مع تبديله يوميا مرتين، وجربه مع رغيف من الخبز الساخن المحمر على صاج ورق الصنوبر وقطعة من جبن الغنم أو صحن من اللبنة الطازجة وبصلة خضراء من حاكورة النبعة، واجلس تحت ما تبقي من صنوبرة الدار العتيقة واستسلم لنسيم الصباح صاغيا إلي أبوعلى ناهرا حماره العجوز عائدا من عين العربين، وعندما تشبع استلق إلي الخلف واغمض عينيك واشكر اللـه الذي جعل الأرض تعطيك هذه النفحة وادع لبقائها».... منيح!!

زيتونة لا شرقية ولا غربية تقع عليها الشمس طول النهار فلا يتمكن منها حر ولا برد، أي ليست حكرا على شرق ولا غرب، فهي تنبت في أي مكان، وقد جاء الرسول صلي اللـه عليه وسلم رجل من الأعراب يشكو وجعا في معدته فقال له: كل لا وادهن بلا، أي كل زيتا وادهن معدتك بالزيت، ومن هذا القبيل قول الحريري في المقامة الحلبية: بورك فيك كما بورك في لا ولا أي في شجرة الزيتون التي هي لا شرقية ولا غربية.. «اللـه نور السماوات والأرض».. يتجلي النص القرآني ويفيض بالنور ليغمر الكون بما فيه ومن فيه.. نور طليق من القيود والحدود تتصل فيه السماوات بالأرض، والأحياء بالجماد، والبعيد بالقريب.. ولأنه الإنسان الكيان البشري الذي لا يستشرف ذلك الأفق البعيد فقد أعطي سبحانه مثالا لنوره يقربه إلي الإدراك البشري المحدود «مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور»..

المثل الذي ضربه اللـه لنوره كوسيلة لتقريبه إلي المدارك، وهو العليم بطاقة البشر، فمن عرض السماوات والأرض إلي كوة صغيرة في الجدار المشكاة يوضع فيها المصباح فتحصر نوره وتجمعه فيبدو قويا متألقا، والمصباح في زجاجة تقيه الريح وتصفي نوره فيشع، والمصباح يوقد من شجرة زيتونة مباركة، ونور زيت الزيتون أصفي نور، والمثل الإلهي هنا أيضا للظلال المقدسة التي تلقيها الشجرة المباركة. ظلال الوادي المقدس في الطور، وهو أقرب منابت الزيتون لجزيرة العرب، وفي القرآن إشارة لها وظلال حولها: «وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين»..

شجرة معمرة فيها كل ما ينفع الناس.. زيتها وخشبها وورقها وثمرها.. شجرة لا شرقية ولا غربية ليست متحيزة إلى مكان أو جهة، وزيتها تميزه الشفافية والإشراق.. زيت الزيتون.. حتي يكاد يضىء بغير احتراق ولم تمسه النار.. نور على نور.


لمزيد من مقالات سـناء البيـسى

رابط دائم: