عكست اللقاءات التى شهدتها مصر خلال الأيام الماضية حالة الزخم فى الحراك العربى وتعزيز التضامن والتكامل العربى الذى يدشن مرحلة جديدة من تاريخ العالم العربى, والانتقال من مرحلة الصراعات والانقسامات والأزمات إلى مرحلة جديدة من التضامن والتعاون لتحقيق التنمية والاستقرار.
فخلال أسبوع واحد شهدت مصر عددا من اللقاءات المهمة ابتداء من القمة الثلاثية المصرية البحرينية التى جمعت الرئيس السيسى بالعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى والعاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى, وبعدها انعقدت القمة المصرية السعودية بين الرئيس السيسى وولى العهد الأمير محمد بن سلمان, ثم القمة المصرية القطرية بين الرئيس السيسى والأمير تميم بن حمد, وقبلها زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسى اليمنى رشاد العليمى, وخلال الشهور الماضية عقدت القمة الرباعية المصرية الإماراتية الأردنية العراقية. هذه القمم الثنائية والثلاثية والرباعية كلها تعكس حالة الحراك العربى الكبير الذى تقوده مصر من أجل تعزيز التضامن العربى وإعادة ترتيب الأولويات العربية فى مواجهة التغيرات الإقليمية والدولية المتصاعدة وتقليل آثارها وتداعياتها السلبية على المنطقة.
المنهج المصرى ينطلق من أن تعزيز العلاقات العربية يمثل دعما لحماية الأمن القومى العربى والحفاظ على النظام الإقليمى العربى من الانهيار بعد الهزات الكبيرة التى تعرض لها خلال العقد الماضى نتيجة لما عرف بالربيع العربى، واندلاع الأزمات الاقتصادية والسياسية والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية والتى أفضت إلى تهديد الدولة الوطنية العربية, ولذلك فإن هناك العديد من الدلالات للقاءات العربية الأخيرة:
أولا: هذه القمم المصغرة تسهم فى تنقية الأجواء العربية من الرواسب والخلافات, فالانقسامات والخلافات العربية عرقلت عملية التنمية وكان لها تكلفة اقتصادية وسياسية عالية على الدول العربية, وأعاقت فرص استثمار الموارد العربية, وأدت لفراغات وثغرات فى النظام الإقليمى العربى استغلته قوى إقليمية ودولية للتدخل فى شئون المنطقة لتحقيق أجنداتها ومصالحها على حساب المصالح العربية.
ثانيا: أن هذا التقارب العربى - العربى يساهم فى تدعيم التعاون الاقتصادى وتعزيز التبادل التجارى بين الدول العربية فى ظل الفرص الواعدة التى يمكن استثمارها, حيث الموارد الطبيعية الهائلة والموارد البشرية، خاصة الشباب الذى يمثل أغلبية الشعوب العربية. ولاشك أن تغليب منهج الميزة النسبية بين الدول العربية من شأنها أن يكرس عملية التنمية والنهضة الشاملة, ولذلك فإن تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى المصرى مع السعودية والإمارات وقطر وغيرها يمثل أهمية كبيرة فى ظل فرص الاستثمار الضخمة فى مصر، خاصة فى المشروعات القومية العملاقة مثل محور التنمية فى قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها, وتهيئة مناخ الاستثمار ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى, كما أن لدول الخليج خاصة السعودية والإمارات وقطر رؤى شاملة لتحقيق التنمية والتنويع الاقتصادى لمرحلة ما بعد النفط. من هنا كان أحد مخرجات زيارة الأمير محمد بن سلمان توقيع 14 اتفاقية اقتصادية بقيمة 8 مليارات دولار وضخ استثمارات سعودية بقيمة 30 مليار دولار فى الاقتصاد المصرى, كما أسفرت زيارة الأمير تميم عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادى فى مجالات عديدة مثل الطاقة والنقل والعقارات والتكنولوجيا وغيرها. ولاشك أن تحقيق التنمية فى العالم العربى من خلال التعاون الاقتصادى بين مصر والدول الخليجية يسهم فى رفع مستوى معيشة الشعوب العربية وتجفيف بيئة الفقر والعنف والهجرة غير المشروعة والإرهاب. كما أن التعاون الاقتصادى العربى يسهم فى تقليل الآثار السلبية للأزمات العالمية مثل الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة فى مجال أمن الغذاء وأمن الطاقة وارتفاع الأسعار والتضخم العالمى, وهنا تبرز أهمية دور السعودية فى ضبط أمن الطاقة العالمى.
ثالثا: التقارب العربى - العربى من شأنه أيضا بلورة رؤية وموقف موحد للتعامل مع التحديات الإقليمية والعالمية فى ظل التحولات التى يشهدها النظام الدولى نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية والتوجه نحو نظام متعدد الأقطاب, وهو ما يعزز قوة العرب التفاوضية, فى ظل بروز أهمية الشرق الأوسط نتيجة لحرب أوكرانيا مما دفع الدول الكبرى خاصة أمريكا للاتجاه نحو الشرق الأوسط, وزيارة الرئيس بايدن المرتقبة للسعودية الشهر المقبل, وهذا يتطلب تنسيق المواقف العربية قبل القمة الخليجية العربية الأمريكية المقبلة لتعظيم الدور العربى الفاعل فى المعادلات الدولية والإقليمية الجديدة وإعادة رسم العلاقات العربية الأمريكية بما يخدم مصالح الجانبين. كما أن تنقية الأجواء العربية وتحقيق التنمية الاقتصادية يسهم فى تعزيز الأمن القومى العربى ومواجهة التهديدات الإقليمية والدولية.
حالة الزخم فى العمل العربى وتحقيق المصالحات وتنقية الأجواء العربية هى فى مصلحة الدول العربية, كما أن لها تداعيات وانعكاسات مهمة اقتصادية وسياسية وإستراتيجية, وهى نتاج لسياسة مصر الخارجية التى تعطى أولوية كبرى للدائرة العربية, وتعكس دور القاطرة العربية التى تضم مصر والسعودية والإمارات, والتى تعرف بالقلب الصلب, فى تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة وتدشين مرحلة جديدة من العمل العربى المشترك. ولاشك أن قوة العرب وتماسكهم ووحدتهم وتعاونهم تعطى رسالة قوية للقوى الإقليمية والدولية وتدفعها إلى احترام سيادة الدول العربية ووقف تدخلاتها السلبية فى المنطقة.
لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد رابط دائم: