رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مع ارتفاع الأسعار.. كلنا فى الهوى سوا

ارتفع التضخم حول العالم بمعدلات قياسية مؤخرا ولوّح بإحداث أزمات معيشية للمواطنين كافة ليس فقط فى البلدان الأكثر احتياجا ولكن أيضًا فى البلدان الغنية.

التضخم هو المعدل الذى ترتفع به أسعار السلع والخدمات فى بلد معين متسببا فى انخفاض القوة الشرائية للأفراد. سببان لهذا الارتفاع الحاد فى الأسعار: الوباء وحرب أوكرانيا. انهارت أسعار السلع مع الوباء، ولكن بعد انحسار كورونا إلى حد ما طغى الطلب على السلع وعلى الإمدادات فارتفعت الأسعار، وهذا بحد ذاته كافٍ لارتفاع التضخم. ودون منح العالم فترة راحة أو استرخاء بعد الوباء تم التدخل الروسى فى أوكرانيا ليتسبب بالمزيد من الفجوات فى الإمدادات الغذائية العالمية.

كلتا الأزمتين: الوباء وحرب أوكرانيا يعملان على تأجيج معضلة الغذاء العالمية. شهرًا بعد شهر ارتفعت أسعار المواد الغذائية كثيرا. أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أنه بين شهرى فبراير ومارس من ٢٠٢٢ زادت الأسعار حول العالم بنسبة ١٢٫٦٪ لتصل إلى أعلى مستوى منذ التسعينيات وبزيادة ٣٣٪ مقارنة بمارس ٢٠٢١.

تعتبر أوكرانيا سلة غذاء أوروبا ومع قصف الجزء الجنوبى الشرقى للبلاد ــــ حيث تُزرع وتُحصد الغلال بكثرة ــــ تسببت الحرب فى نقص هائل فى المعروض من حبوب القمح والذرة حول العالم. وبما أن أوكرانيا هى المصدر الرئيسى للزيوت النباتية، ولزيت بذور عباد الشمس خاصة، فقد تسببت الحرب فى زيادة مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للزيوت النباتيه بنسبة ٢٣٪. توفر بيلاروس، الواقعة بين روسيا وأوكرانيا وروسيا نفسها، نحو ٤٠٪ من صادرات العالم من البوتاس المستخدم فى الأسمدة، وقد أدت العقوبات المفروضة على روسيا إلى تفاقم النقص فى الأسمدة، ما دفع المزارعين إلى استخدام كميات سماد أقل الأمر الذى قد يتسبب فى خفض إنتاجية المحاصيل.

ستستمر ندرة الحبوب والزيوت النباتية والأسمدة بسبب عدم تمكن روسيا من استغلال نظام سويفت البنكى لتسوية التعاملات المالية لصادراتها ثم تدمير شبكة الطاقة اللازمة لمنع تلف المحاصيل الأوكرانية المخزنة وعدم التمكن من الوصول إلى موانئ البحر الأسود التى تُشحن الحبوب منها وخطورة المياه المحاذية للموانئ المملوءة بالألغام. وارتفعت أسعار النفط بشكل مُفزع مما أدى إلى تضّخم أسعار جميع المنتجات عالميا وأسعار نقلها. وقد حظر الاتحاد الأوروبى استيراد النفط القادم من روسيا الذى سيقلل من المكاسب الروسية بالطبع لكنه يخنق اقتصادات أوروبا. حاليًا يبلغ متوسط سعر البنزين حول العالم ١٫٤٣ دولار للتر. اليوم مستهلك البنزين فى هونج كونج يدفع ما يقارب ٣ دولارات للتر والمقيمون فى فنلندا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والعديد من البلاد الأخرى قرابة دولارين فى لتر البنزين. وكان متوسط لتر البنزين فى كندا ١٫٢ دولار. اليوم أصبح الضعف أى ٢٫٤٠ دولار. ويعانى المستهلك الأمريكى من أعلى سعر للبنزين حاليا على الإطلاق.

الأسعار الباهظة لا تؤثر على البلدان فحسب بل تؤثر على الأفراد أيضًا. حتى فى البلدان الأكثر ثراءً الأسعار المرتفعة تثقل كاهل المستهلكين. مقال فى الـ «بى بى سى» عنوانه «تكلفة المعيشة: كيف سنتحمل عبء الحياة بفواتير بهذا الارتفاع؟» يتحدث عن اضطرار العائلات البريطانية للاختيار بين التدفئة وتناول الطعام بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة. يتعين على البعض اللجوء إلى منظمات الطعام الفائض التى تعيد توزيع المواد الغذائية التى لم تعد محال السوبر ماركت قادرة على بيعها ويدفعون ثمنا بخسا فيها. كما أظهر استطلاع للرأى أن نحو ثلث العاملين بدوام كامل فى بريطانيا يجدون صعوبة فى دفع الفواتير الشهرية.

يصف المقال بعض العائلات التى تمكث فى غرفة واحدة حتى يقتصدوا من الكهرباء والآخرين الذين يغلقون ثلاجاتهم للتوفير أو الذين يعتمدون على قِرب الماء الساخن للتدفئة. تتحدث شبكة الـ «سى بى إس» هى الأخرى عن ارتفاع أسعار الغذاء فى الولايات المتحدة، وليس من المستغرب أن يدفع الأمريكيون حاليا ٣٥٠ دولارا أكثر على الغذاء شهريا، وأن برامج الغذاء المدرسية فى الولايات المتحدة ليس بإمكانها توفير نفس نوعية الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار ونقص التوريد. كان الكنديون يعتمدون على شراء كميات أكثر من المواد الغذائية وتخزينها لكنهم الآن لا يستطيعون سوى شراء الضروريات مع البحث عن التنزيلات. وتتحدث صحيفة المونتريال جازيت عن معاناة سكان مونتريال وكيف يحاول الكنديون الاقتصاد لتغطية نفقاتهم. وفى كندا الارتفاع المذهل للأسعار ترك حتى عائلات الطبقة المتوسطة فى حيرة بين شراء الطعام ودفع الفواتير. سيبقى التضخم وارتفاع الأسعار معنا لبعض الوقت. تداعياتهما علينا جميعا وكلنا سواء فى هذه الكارثة.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: