رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبد الرحمن منيف: روائى المنفى

للذاكرة قوانينها الخاصة التى تعمل بمنطقها. ولا سيطرة للإنسان عليها. وهذا ما جرى معى هذا الأسبوع. فجأة امتلأت صفحات الذاكرة بعبد الرحمن منيف “24 مايو 1933 – 24 يناير 2004” وذكرياتى معه تنقلت بين عواصم عربية مختلفة. المتأكد منها: دمشق والقاهرة.

كان ملء السمع والبصر. وكانت خماسيته: مدن الملح يُضرب بها المثل فى الكتابة الروائية العربية. بعد ثلاثية نجيب محفوظ: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية. رأيته فى دمشق والقاهرة. وربما بغداد. فقد كان دائم السفر والترحال. لا يوجد له مكان ثابت يعيش فيه. ولا أيضا دخل معروف يحيا من خلاله هو وأسرته.

جاء عبد الرحمن منيف إلى القاهرة لحضور أول ندوة عربية تعقد فى مصر بعد قطيعة كامب ديفيد. وإن كنت لم أره فى هذه الزيارة التى كانت سريعة. وسمعت بعدها أن عبد الرحمن منيف قد سافر لباريس وأنه عاش فى ضواحيها. أو بالقرب منها. لأنه لم يكن قادرا على الإقامة فيها. وأن ظروفه المالية كانت متعثرة واتصل بى صديق مشترك – خلال مرحلة منيف الباريسية – أعتقد أنه المرحوم سعد التائه. يطلب منى تدبير نسخة من مذكرات السلطان عبد الحميد. لأن منيف طلبها لكى يقرأها ضمن قراءاته التى تجعله يعيش فى أجواء الإمبراطورية العثمانية. التى صورها فى بعض أجزاء خماسيته “مدن الملح”. وأضفت من عندى مذكرات الأميرة جويدان. زوجة السلطان عبد الحميد. أخذهما منى سعد التائه وأرسلهما له. إلى أن وصلت دمشق 1989. مع سعد الدين وهبة. لحضور مهرجان دمشق المسرحى. وكانت زيارة بعد سنوات طويلة من زيارتى الأولى لدمشق التى جرت منتصف السبعينيات. وعرفت أن منيف يعيش فى ضواحى دمشق أو بالقرب منها. وقد التقينا فى مقر اتحاد الكتاب العربى بدمشق.

كان عبد الرحمن منيف قد تقدم فى العمر. وشعره ازداد بياضا. وجسده أصبح نحيلا. ولكن كانت فى عينيه نظرة إصرار على الاستمرار فيما بدأه. كان قد أوشك أن يكمل ثلاثين سنة من عمره دون وطن ودون جواز سفر. واصبح عبدالرحمن منيف. فى هذا اللقاء أكثر ميلا إلى الصمت. وكان قد وصل فى رحلة مدن الملح إلى الجزء الثالث. الذى كان من المفترض أن يكون الأخير. ولكنه لم يخرج من هذا النص إلا بصعوبة بالغة وأصبحت خماسية بدلا من الثلاثية.

وكان منيف قد كتب رواية مشتركة مع المرحوم جبرا إبراهيم جبرا: “عالم بلا خرائط”. وإن كنت قد لاحظت أن التجربة مرت مرور الكرام. الذى لا يترك أثرا. ولم تثر ما كانت تستحقه من الاهتمام. مع أنها كانت التجربة الثانية فى الأدب العربى بعد محاولة القصر المسحور. التى اشترك فى إبداعها طه حسين وتوفيق الحكيم.

ولأنى لم أكن معاصرا لها من الصعب المقارنة بين هذه وتلك. ومازالت أسئلة الرواية معلقة. هل كتب كل منهما فصلا فى الرواية؟ وفى هذه الحالة ماذا كان يمنع أن يضع كل واحد اسمه على فصله؟ أم هل كتب عبد الرحمن منيف الكتابة الأولى. وتكفل جبرا بالثانية؟ أم أنهما جلسا معا وكتبا معا؟ مع أن الإبداع عملية فردية معقدة من الصعب أن تتم قسمتها على اثنين. وتوالت أعمال منيف بعد ذلك. صدر منها عمل تسجيلى عن عمان فى صدر هذا القرن. وكتاب عبارة عن ذكرياته عن الذين مروا فى حياته.

تبقى قضية عمره. المنفى الذى طال أكثر مما ينبغى. وقد علمت ان الأمير عبد الله بن عبد العزيز. وقت أن كان وليا للعهد فى المملكة العربية السعودية. عندما كان فى دمشق عرض على منيف عبر وسيط العودة إلى بلاده. المملكة العربية السعودية. ولكن منيف رد على العرض بانه دون جواز سفر. والمفروض أن يصله الجواز أولا. ثم يقرر العودة. ولكن الجواز لم يصله. ويبدو أن المطلوب كان أن يعود أولا. ثم يمنح الجواز. ولكن موقف منيف كان أنه من الأفضل الحصول على الجواز قبل العودة. ثم قدمت القاهرة له جائزتها الأولى للإبداع الروائى. وبصرف النظر عن القيمة المادية للجائزة. فهى جائزة تراث تقدمها دولة صاحبة حضارة عظيمة. ولهذا فالجائزة رسالة تؤكد الدور الحضارى المصرى فى رعاية حقوق الكاتب. والوقوف بجوار كاتب حُرِمَ من أول حقوق المواطنة فى كل زمان ومكان. تبقى حكاية خارج قصتى مع عبد الرحمن.

كان آخر ما قرأته لعبد الرحمن منيف. مقال فى جريدة القدس العربى عن الروائى اليوجوسلافى أيفو أندرتش بعنوان: أندرتش زرقاء يمامة البوسنة والهرسك. وهو يعود إلى نتاج هذا الروائى المهم. الذى يوشك أن يكون قد تنبأ بكل ما يجرى فى هذا الجزء من العالم الآن. يبقى عبد الرحمن مُنيف مؤسس أدب الصحراء بإنتاجه الروائى. لست ناقدا أدبيا حتى أقول إنه أول من كتب عن الصحراء روايات جميلة. ولكن ما كتبه يوشك أن يكون علامات مهمة فى الكتابة عن الصحراء. وفى تأسيس ما سُمى بعد ذلك بأدب الصحراء. لم يسبقه أحد إلى هذا فيما أتصور وأعتقد. فقد كان إنسانا صادقا وكاتبا يُراعى الصدق فيما يكتبه.

ومن بعض أعماله الروائية: الأشجار واغتيال مرزوق، قصة حب مجوسية، شرق المتوسط، النهايات، حين تركنا الجسر، سباق المسافات الطويلة، التيه، الأخدود، تقاسيم الليل والنهار، المنبت، بادية الظلمات، الآن هنا.. أو شرق المتوسط مرة أخرى، أرض السواد، الكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية، سيرة مدينة: عمان فى الأربعينيات، الديمقراطية أولا.. الديمقراطية دائما. مروان قصاب باشى: رحلة الحياة والفن. وغيرها.


لمزيد من مقالات يوسف القعيد

رابط دائم: