انتهت فعاليات المؤتمر العالمى الأول لمركز سلام لدراسات التطرف، تحت عنوان (التطرف الدينى المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة) والذى عقد برعاية معالى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وقد شارك فى المؤتمر كوكبة فريدة من المختصين بشأن التطرف الدينى على مستوى العالم من المنظمات الدولية والأكاديميين والعلماء والمفتين، ونتيجة لهذا التنوع والزخم الفريد شهدت جلسات المؤتمر العديد من المناقشات والأطروحات الجادة التى عالجت قضايا التطرف من زوايا عديدة ربما لم تطرح مجتمعة فى بوتقة واحدة من قبل، وهذا التنوع أكد أيضًا مكانة مصر الرفيعة وريادتها التاريخية وخصوصيتها الفكرية والعلمية لدى علماء ومفكرى العالم كله، وما من كلمة ألقيت إلا وقد أكدت هذا المعنى، لقد كانت مصر عبر التاريخ وما زالت محورا للأحداث التاريخية الهامة، وهذا القدر لم تغير فيه تنوع الحضارات التى تعاقبت على مصر شيئا ، وفى التاريخ الإسلامى شهد العالم حملات صليبية عاتية أرادت هزيمة العرب والمسلمين والقضاء على قوتهم واحتلال مقدساتهم، ولم يتمكن صلاح الدين الأيوبى من السيطرة على زمام أمور الأمة الإسلامية وصد الهجمات الغاشمة وتحرير المسجد الأقصى إلا عندما اتخذ من مصر قاعدة انطلاق إستراتيجية له فكان النصر المبين، وبعدها بعشرات السنين شهد العالم كله والعالم الإسلامى خاصة سقوطا مدويا نتيجة أطماع التتار فى السيطرة على العالم، وكانت مصر وحدها هى الصخرة التى تحطمت عليها أطماعهم واسترد العالم الإسلامى عافيته وكرامته بسبب تصدى مصر لحملات التتر الهمجية، وفى عصرنا هذا وبعدما دخل العالم مجال الحروب الفكرية والالكترونية والاستخباراتية، كانت مصر مسرحا لتفاعلات فكرية كثيرة، وهدفا لغزو فكرى منظم، اعتمد سياسة الحروب الفكرية الذى يتخذ من غزو العقول خاصة الشباب هدفا له مستغلا التطور التقنى وسهولة الاعتماد على شبكات التواصل فى نشر الأفكار المتطرفة والإرهابية وصرف همة الشباب عن التعليم والتعمير إلى الإرهاب والتدمير، فكان هناك جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات السلفية المتشددة بأطيافها المختلفة وكلها بلا استثناء جماعات يؤول أمرها من التفكير المنحرف إلى التكفير ثم التدمير وسفك الدماء، وكان من فضل الله على مصر وعلى العالم تلك المعركة الضارية التى قادها الرئيس السيسى لبناء مصر الحديثة وتحريرها من أفكار الجماعات المتطرفة، وكان تجديد الخطاب الدينى أحد أهم الدعائم التى بنى الرئيس السيسى رؤيته عليها، ووفقا لتلك الرؤية الشاملة كان لدار الإفتاء المصرية العديد من الجهود والمشاركة فى تجديد الخطاب الدينى والحرب على الإرهاب فى الجانب الفكرى الذى يجب أن يكون جنبا إلى جنب مع الجانب الأمنى والعسكرى كما أكد الرئيس كثيرا حتى تتكامل أركان دفاعاتنا الوطنية ضد التطرف والإرهاب، وانطلاقا من رؤية سيادته فى تجديد الخطاب الدينى كان لدار الإفتاء انطلاقتها الهامة بتأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، كمؤسسة عالمية إفتائية تنصهر فيها جهود العلماء العاملين لنشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح وملاحقة الأفكار المتطرفة فى العالم بشتى الوسائل العلمية والتقنية، وكانت الجهود الحثيثة التى قامت بها الأمانة العامة لها أكبر الأثر فى تصحيح كثير من الأغاليط والمفاهيم الخاطئة التى تبثها الجماعات المتطرفة، وكان لها أثر كبير فى تحسين صورة مصر فى الخارج خاصة المؤسسات الدينية التى حاولت جماعة الإرهابية بشتى الطرق عمل عزلة بينها وبين مصر، بترويج الأكاذيب والشائعات، وكان للأمانة العامة دور كبير فى دحض كل الشائعات والافتراءات والأكاذيب التى كانت تروجها أبواق جماعة الإخوان الإرهابية بحق مصر وما يجرى فيها من أحداث، ونظرا للخبرات والتجارب الكبيرة التى تكونت للأمانة العامة فى مجال العمل الوطنى ومكافحة التطرف والإرهاب وتفكيك الأفكار المتطرفة، وتفنيد المقالات التى تروج لها تلك الجماعات الضالة من الناحية الشرعية والتأصيلية، فقد تكونت لدينا قناعة بأن أمر مكافحة التطرف يحتاج إلى تضافر جهود وتعدد تخصصات فى مجالات عديدة منها السياسى والأمنى والاجتماعى والإعلامى والتقنى، إضافة إلى التخصص الشرعى والإفتائى بطبيعة الحال، من هنا طرحنا فكرة إنشاء مركز متخصص لدراسات التطرف والإرهاب يعمل بآلية أكثر دقة وتخصصا ويجمع فى آلية عمله العديد من تلك التخصصات من أجل الوصول إلى النموذج المتكامل والأكثر تأثيرا فى مجال مكافحة التطرف والإرهاب، فكان مركز سلام الذى ولد عملاقا متكاملا من جهة الكفاءات العاملة، ومن جهة الخبرات المتكاملة ومن جهة الإمكانات المبذولة، وأيضا من جهة التنوع حيث لم يشهد مركز متخصص فى دراسات التطرف ذلك الزخم والتناغم من التخصصات كما شهد مركز سلام، وكان المؤتمر الأول شاهدا على ذلك التنوع الفريد، فكانت مشاركات متخصصين من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبعض الوزراء ومستشارى رؤساء الدول ومستشارى الدواوين الملكية ورؤساء المراكز البحثية المتخصصة على مستوى العالم بجانب مشاركات العلماء والمفتين والباحثين فى علوم الشريعة، وقد أثرى السادة المشاركون جلسات المؤتمر بالعديد من الأطروحات الجادة العميقة، وانبثق عن تلك الجهود طرح العديد من الأفكار والرؤى والمبادرات التى تصلح أن تتحول إلى برامج عمل لها أكبر الأثر فى محاصرة أفكار تلك الجماعات الضالة، وإننا بفضل الله تعالى نستبشر خيرا بتجربة مركز سلام لدراسات التطرف ونعقد عليها كما يعقد معنا العديد من المتابعين حول العالم آمالا كبيرة لما يمكن أن يقدمه مركز سلام من نشر قيم الاعتدال والوسطية والتعايش السلمى على مستوى مصر والعالم كله ..حفظ الله مصر.
لمزيد من مقالات د. شوقى علام رابط دائم: