رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أخلاقنا ومنصات التواصل

دخلت منصات التواصل الاجتماعى على رأس قائمة المؤثرات الأخلاقية والفكرية، استنادا لعدد المشاركين وساعات التعرض لمنصات التواصل التى تتزايد بمعدلات كبيرة، خاصة لدى صغار السن الذين تعاملوا مبكرا مع الهواتف المحمولة وما تتضمنه من صور مبهرة ومواد متجددة ومتنوعة، وكثير من الأمهات وقعن فى فخ ترك أطفالهن لأجهزة الهواتف، حيث يكف الطفل عن البكاء أو الحركات المزعجة، ويستسلم أمام مقاطع الفيديو أو الكارتون، وتدريجيا يتعلم كيف يصل إلى مواقع بعينها، يشاهد الألعاب المسلية ثم يشارك فيها، ويصبح عضوا فى فريق افتراضى أو مبارزا فى حرب افتراضية، حتى يشب ويشاهد ما هو أغرب، ويتعرف قبل الأوان على أشياء كانت حكرا على الكبار، ولم تعد هناك رقابة بل أصبحت عسيرة جدا، فالهواتف بيد الأطفال واليافعين والمراهقين طوال الوقت، ويمكنهم فتحها فى أى مكان بعيدا عن أى رقابة، حتى استسلم الآباء لتربية منصات التواصل وألعاب ومغامرات الهواتف المحمولة، السريعة التحديث، ذات القدرات غير المحدودة فى كسر حدود المكان والزمان، وتقودهم إلى عالم أوسع ملىء بالغرائب والمخاطر.

لقد تراجع دور الآباء والمعلمين وأصبحنا تحت رحمة ثقافة وتربية منصات التواصل، ولدى المراهقين أعداد كبيرة من الأصدقاء من مختلف البلدان، بدلا من أولاد الجيران الذين كنا نعرفهم جيدا، ويمكن الرجوع إلى أسرهم عند أى تجاوز، لكن مع أصدقاء منصات التواصل لا نعرف شيئا عن الغرباء المتفاعلين مع أبنائنا، ولا مرجعية لهم لنشكو من سوء تصرف أو أى تجاوز.

الآباء لهم أعذارهم، فالوقت لا يسمح بمراقبة ما يتعرض له الأبناء، والأم منهكة من الأعمال والمهام الكثيرة، وتجد فى انشغال الأطفال فرصة للراحة من البكاء والطلبات والمتابعة وإنجاز باقى مهامها، ومع تعقد المشكلة وانتشارها، استسلم الآباء للأمر الواقع وتركوا الأبناء ليشاهدوا ما يحلو لهم، فانتشرت ثقافة جديدة، يراها البعض منفلتة ويراها آخرون منفتحة، لكنها فى النهاية تقودنا إلى مرحلة جديدة من الغزو الفكرى المكثف وظهور معارف وألفاظ وعلاقات لم تكن بهذا الانتشار، وإذا كانت بعض المجتمعات قد تنبهت إلى خطورة ترك الأطفال واليافعين لثقافة وأخلاق منصات التواصل والألعاب الخطيرة أو المعلومات الجديدة وحدد الآباء مواعيد وفترات زمنية لاستخدام تلك المنصات وبعض الدول أنشأت مصحات لعلاج مدمنى مواقع التواصل وألعاب الهواتف إلا أن تلك القيود لم تكن كافية لمنع الآثار الخطيرة لتلك الثقافة العابرة للحدود، التى أصبحت أمرا واقعا، علينا الاعتراف به، لكن مع محاولة كشف عيوبه والحد من انتهاكه لعقول وأفكار الصغار.

لا يتوقف التأثير السلبى لتلك الأخلاق والثقـافة على الصغـار واليافعــين وامــتد إلى الكبار، بل إلى الثقافة السائدة وظهرت إشكاليات تتعلق بمفهوم وحدود الحرية على مواقع التواصل، وكنت قد شاهدت صفحة لإحدى السيدات تستخدم ألفاظا أعتبرها خارجة أو غير لائقة، وقرأت التعليقات وكانت المفاجأة أن الأغلبية تهلل وتمدح جرأتها وصراحتها، وعندما انتقدها أحد الأصدقاء المشاركين وقال إن تناول مشاكل خاصة مع شخصية غائبة عن الحوار لا يستقيم مع المنطق أو حسن الأخلاق، ردت كاتبة «البوست» بأن هذه صفحتها ولها أن تكتب فيها ما تشاء، «ومن لا يعجبه كلامى فليخرج من صفحتى». رد عليها الصديق بأن الصفحة لا تخصها، وليس لها الحق بأن تقول «صفحتى» طالما أنها مفتوحة على العام، وبها آلاف الأصدقاء والمتابعين، ولهم الحق فى النقاش وإبداء الرأى والاختلاف.


ذكرنى هذا الحوار بخلاف بين إحدى الجامعات ومعيدة تعمل بالجامعة، عندما نشرت مقطع فيديو وهى ترقص بطريقة لا تختلف عن راقصات الملاهى الليلية ورأى البعض أن ذلك حريتها الشخصية، بينما أصرت الجامعة أن نشرها فيديوهات كهذه تمس مكانتها بين طلابها والجامعة التى تعمل بها، وأصرت على معاقبتها، وكالعادة اختلف الناس حول حدود الحرية على صفحات التواصل.

وإذا كانت أخطاء الأشخاص غير المتخصصين فى الكتابة شيئا واردا، لأنهم لم يتعودوا على وجود قوانين للنشر قد تختلف كثيرا أو قليلا بين الدول، لكن كل دولة لها قوانين منظمة للنشر وتعتبر السب والقذف جريمة، لكن تمكن البعض من توجيه اتهامات تستوجب العقاب إلى أشخاص آخرين وبدون أى دليل, جعل الأمر جديرا بالمناقشة حول مفهوم الحرية، وهل يعطى لكل شخص أن يقول ما يشاء عن آخرين، ويسىء إلى سمعتهم وسمعة أسرهم؟ إذا تركنا الأمر كذلك فلن نسلم جميعا من التجريح والإساءة, فكل شخص يمكن أن يكون له خصوم أو منافسون أو غير ذلك من أشخاص لا يتقيدون بأى معايير أخلاقية فى النشر بل يتبارون فى السباب والاتهام وللأسف يجدون جمهورا يحب تلك النوعية المنفلتة من الكتابات, بل كلما كانت الشتائم أكثر خروجا تجذب مشاهدات ومشاركات أكثر فالصحف الصفراء التى تتناول الجرائم، وتستخدم الألفاظ الدارجة أو الخارجة أكثر انتشارا من الصحف الرزينة والملتزمة بالقواعد والأعراف،

لهذا تنمو الثقافة الشعبوية ويبرز الشتامون, وعندما تسألهم عن مصدر تلك المعلومات لا يقدمونها وأحيانا يكتفون بالقول إنهم سمعوها أو يدعون أنهم جاءوا بها من مصادرهم الخاصة, وهذا يضعنا أمام مأزق أخلاقى، ويطرح علينا التساؤل مجددا عن مفهوم الحرية وحدودها، وهل يحق الإساءة للآخرين عبر منصات التواصل؟ أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى قيود وقوانين فى المقام الأول، بل يحتاج إلى وعى عام بمخاطر استشراء تلك الظاهرة التى لن توقر أحدا، وتؤذى مجتمعا بأكمله.

إن دور المثقف أو الكاتب أن يرتقى بالوعى العام والثقافة الرفيعة وتخطى الشعبوية أو الارتقاء بها إلى مستوى أعلى من الوعى والسلوك، وليس الهبوط الأخلاقى والقيمى والسلوكى والعقلى إلى المستوى الشعبوى, وأتمنى أن أرى الكتاب والمثقفين يحرصون على النقاش العقلانى والمفيد وأن يكونوا فى مقدمة المعركة فى مواجهة التردى واللاعقلانية, فهم حائط الدفاع الأول عن العقل والأخلاق.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـلاء ثــابت

رابط دائم: