رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المُستريح.. والوعى الكسول!

حاجة عجيبة ومسألة غريبة: تتوالى الأزمنة، وتتباين الأمكنة، وتنشال الدنيا ثم تنحَط، وتظل الظاهرة هى هى تتوارثها الأجيال جيلا إثر جيل، حتى إن الشاعر المتنبى قبل ألف عام ونَيِّف تناولها فى أشعاره. ظاهرة ماذا يا عم المثقف؟.. ظاهرة ( المِستريّح) يا سيدنا.. فهل ترى فيها حضرتك تكرارا لظاهرة (الشُّطار) القديمة الجديدة منذ زمن المماليك؟.. أظن أنه قياس بعيد.. لكنه ممكن!

إنك إن عُدت إلى تعريف الشطار فى موسوعة ويكيبيديا على جوجل لوجدتهم كتبوا: الشطار من أهل اللصوصية والنصب كانوا يمتازون بملابس خاصة بهم، ولم يكونوا يعتبرون اللصوصية جريمة بل صناعة، ويحللونها على اعتبار أن ما يسرقونه من أموال التجار الأغنياء هو زكاة تلك الأموال للفقراء. وبموجب هذا التعريف كان الشاطر يسرق ليعطى الفقير، أما اليوم فقد بات المستريح ينصب على الفقير نفسه. (عمرك شُفت شطارة أسوأ من كِده.. على رأى أحمد زكى الله يرحمه)؟

ما تلك الهرتلة؟.. ما علاقة شطار المماليك بصاحبنا مستريح الصعيد هذا؟.. اصبر وسأشرحها لك. إن هناك قاسمين مشتركيْن وليس قاسم واحد. القاسم الأول هو (بعيد عنّك) النصب.. إذ النصب هو النصب سواءً نصبت على غنى أو فقير. النصاب نصاب (وقاك ووقانى الله شرّه). أما القاسم الثانى فهو أن الزُعران ( يعنى الفقراء جدا اللى موش لاقيين اللقمة فى لغة المماليك) كانوا دائما يحبون الشطار وكتبوا فيهم ملاحم المدح والافتخار.. وهاهم اليوم مازالوا يحبون الشطار (المستريحين)، ويهرولون إليهم، فيلقون بأموالهم تحت أقدامهم. حاجة عجيبة!

ستسأل: وما سر هذا الإعجاب؟ وأجيبك: عُد إلى كلمة شاطر فى لغتنا اليوم وسوف تجدها تعنى الولد الجدع الذكى المُفتّخ اللهلوب القادر على استحلاب السمنة من فخذ النملة، واستجلاب الجنيه من جيب العفريت (حتى لو بالسرقة!!).. أليس فى هذا الفهم ظل من ظلال شاطر المماليك؟.. التسمية موحية. وهكذا قد يجد بعض الزعران (أى الفقراء الدُّقة) أنفسهم فى هؤلاء الشطار حيث يحققون ما لم يستطيعوا هم تحقيقه (سحب الجنيه من جيب الباشا العفريت!).

أراك تضرب بلسانك سقف حلقك ممتعضا معترضا ويكاد لسان حالك ينطق: قل لى يا عم أرجوك كلاما علميا مهضوما أفهمه. حسنا.. خذ عندك هذه الأسباب الثلاثة المنطقية، أو الشبيهة بالمنطقية. السبب الأول، غيبة الوعى، أو إن شئت الدِقة قلة الوعى. إن هؤلاء الذين باعوا قراريط أرضهم وجواميسهم وحلقان زوجاتهم وأعطوا ثمنها للأخ المستريح لم يقصدوا طبعا تضييع أموالهم، وإنما لم يكن لديهم الوعى الكافى لكشف حِيَلِه وطرائق نصبه، ومن أين يأتيهم الوعى وفى دمائهم منذ الأجداد يجرى عشق الشطار وألاعيبهم وخِفة أيديهم الزئبقية الموروثة من على أفندى الزيبق؟ إن الأمر الغريب هو أن عمليات النصب تلك تكررت كثيرا قِبلى وبحرى وفى القاهرة نفسها، ومع ذلك لم يتعظ المخدوعون فكأنهم (سائرون نِيامًا)!

وأما السبب الثانى فهو (بعيد عنّك) الطمع.. إذ ما من (طمعنجى) إلا ووراءه (نصبنجى). لقد قالت لهم الحكومة ضع فلوسك بالبنك يا عم وستنال ١٨٪ فائدة.. لكن للأسف (مافيش فايدة).. فبرطم وركب رأسه وباع الجاموسة.. وكان ما كان.. ومازال الزعران يثقون بالشطار رغم تحذيرات الحكومة.

ويبقى السبب الثال، وهو الكسل. إن الواحد منا صار اليوم يسأل نفسه: ولماذا احتفظ بالجاموسة، بينما من الممكن أن أبيعها وأجلس بالجلباب الأبيض بالمقهى كالبهوات.. وغيرى يتعب ويعطينى خيرها؟.. وكانت النتيجة: لا طُلْنا الفلوس.. ولا طلنا الجاموسة. أسمعك تسألنى هامسا: لم تقل لى ماذا قال المتنبى؟. وسأصرخ فى وجهك: كفاك كسلا واذهب فاقرأ بنفسك ليكبر وعيك فلا تلجأ إلى (المستريحين)..!


لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: