نتائج الانتخابات اللبنانية يمكن أن تصلح كحالة نموذجية لصعوبة التغيير وربما استحالته بالعالم العربى. قوى التغيير، وهى مجموعات ومنظمات تشكلت بعد انتفاضة أكتوبر 2019، حصلت على نحو 13 مقعداً من إجمالى 128 بالبرلمان. لكن قوى الأمر الواقع المتحكمة فى مصير البلاد والعباد لن تتنازل عن مواقعها، رغم تعرضها لإخفاقات. طريق التغيير ملىء بالأشواك والعثرات وقطاع الطرق من السياسيين الذين يخشون عواقبه.
القوى التقليدية، خاصة حزب الله والتيار الوطنى الحر، تلقت ضربات موجعة. حزب الله وحركة أمل نجحا بتأمين مقاعد الشيعة، فلم يفز شيعى معارض لهما. لكن الحزب فشل فى إنجاح حلفاء له من المسيحيين والدروز والسنة. وليد جنبلاط ألغى ما يسمى الثنائية أو الثلاثية الدرزية بعد خسارة خصميه طلان أرسلان ووئام وهاب. السنة انقسمت أصواتهم بعد انسحاب تيار المستقبل بزعامة سعد الحريرى. وحدها القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع نجحت فى أن تكون أكبر كتلة مسيحية.
فى ظل هذه الخريطة شبه الجديدة، هل تنجح قوى التغيير؟ لقد أوصلتها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير المسبوقة للبرلمان بأصوات محتجين أرادوا معاقبة القوى الحاكمة. سترفع صوتها وتعارض لكن السياسيين المخضرمين سيتجاوزونها لتسير الأمور على هواهم. غالبية النواب ينتمون لأحزاب تستميت لبقاء الوضع الراهن، ولن تسمح بتغيير جذرى.
كما أن هذه القوى مشتتة، لا يجمعها سوى رفض الصيغة الحالية، لكن لا برامج أو أجندة مشتركة. وإذا لم تشكل كتلة موحدة، سيلتهمها حيتان الفساد المسيطرون على النظام السياسى. بل إن الجمهور الذى انتخبهم سينقلب عليهم إذا لم يجد تحسنا فى معيشته أو لم يحصل على خدمات ورشاوى، كما تفعل القوى التقليدية (الحزب الوطنى السابق بمصر نموذجا).
ما حدث خرق فى جدار الفشل والفساد والمحسوبية، لكن ما لم تتواصل الاختراقات ويصبح التغيير هو الأساس، فإن من أدمنوا السلطة، سيمارسون الحيل والوسائل لإفشال التغيير وجعل الناس تؤمن بأن الواقع أفضل، و«اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش». بعد أن جرى تشويه كل من يدعو للتغيير بدول عربية عديدة، أصبحت فوبيا التغيير تسكن القلوب والعقول.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: