رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أسئلة إلى العبد الصالح «12»

تردد فى مخيلة يس، أثناء سيرهم، ما أفصح به العبد الصالح لزوجته، من أنه لن يستطيع معها صبرا، فلا يعجبه بأى حال عودة امرأة سقراط بين الحين والآخر لتنطق بلسانها. لكن قوة زوجة العبد الصالح تأتى من علمها أن سقراط والعبد الصالح يشتركان فى قواسم كثيرة من الحكمة، وأنه لن يتخلى عنها مثلما لم يتخل سقراط عن زوجته.. وهى تعلم أن العبد الصالح وسقراط لا يحكمان على الأشخاص نتيجة مواقف جزئية، ولكل إنسان مميزاته وعيوبه، وللأسف التاريخ تحدث فقط عن عيوب زوجة سقراط ولم يتحدث عن مميزاتها.. إن رواة التاريخ كثيرا ما يظلمون!! ولا يختلف كثيرا معظم رواة التاريخ القدماء عن أبواق وسائل التواصل الاجتماعى فى عصرنا!

وبعد أن شردت أفكار العبد الصالح بعض الوقت فى أمور دنيوية، عاد ليجيب ويفصح عن موقفه من التوسل، فقال: التوسل لون من ألوان الشرك.. فعلاقتنا مع الله مباشرة ودون واسطة، سواء كان الأمر فى العبادة أو فى تدبر القرآن الكريم؛ فالله ليس بحاجة إلى (واسطة) سواء بالمعنى الدينى أو بالمعنى الذى يستخدمه البعض فى معاملاتهم الدنيوية عندما يريدون الحصول على بعض المكتسبات – سواء عن استحقاق أو عدم استحقاق- فيوسطون الأقارب أو أصحاب الشأن والنفوذ. إن الله تعالى ليس كمثله شيء، وليس من الصواب أن نسقط عليه -سبحانه- بعض صفاتنا وطرائقنا فى التصرف!

هنا ظهر فى مخيلة يس رجل يسعى إليهم معترضا على كلامهم، قائلا: كيف تنكرون التوسل وقد قال الوحى الكريم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 35].

رد العبد الصالح: لابد أن تفسر الكتاب بالكتاب، ولابد أن تستدعى الآيات الأخرى فى الموضوع نفسه، وأن تفسر الأقوال فى ضوء سياقها.. يا بُنى، إن المقصود بالوسيلة هو العمل الصالح، والعمل الصالح عبارة عن ترك الشر وفعل الخير، والعمل الصالح هو الطريق، وهو المنهج، وهو الوسيلة، والعمل الصالح هو الجهاد الحقيقى فى سبيل الله، ومنه الجهاد الأصغر ومنه الجهاد الأكبر ومنه أنواع أخرى، وأنواع العمل الصالح الكثيرة والمتنوعة هى السبل الموصلة إلى الله، سواء كانت إحسان أعمال الدنيا أو إحسان أعمال الآخرة، وسواء كانت إتقان أعمال الوظيفة والمهنة أو إتقان أعمال العبادة.. يا بُنى هذا هو معنى الوحى الكريم فى قوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

إن الله مع أهل الأعمال الصالحة، والله مع المحسنين فى أعمالهم، ولا يقبل (وساطات) مثلما نقبل!

يا بُنى إنك قلت من قبل: «كيف تنكرون التوسل وقد قال الوحى الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)؟».

وهنا أقول لك لابد أن ترجع إلى السياق الذى وردت فيه الآية الكريمة، فلا يمكن أن تفهم مقصود أى قول دون أن ترجع إلى سياقه.. ماذا جاء قبله.. وماذا جاء بعده.. والسياق كله إذا رجعت له يتحدث عن قوم يفعلون الشرور ويبتعدون عَنِ الأعمال الصالحة الَّتِى هى طرق ووَسَائِل الوصول إلى الله، ويطالبنا الله أن نبتغى إليه الوسيلة بأن نسير فى طريق غير طريقهم، وهو طريق التوسل إلى الله بفعل الخير وترك الشر.

وهؤلاء القوم أنفسهم كانوا يزعمون، فى سياق سورة المائدة نفسها، القرب من الله تعالى لأنهم أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، إنهم مثل بعضنا الآن يفتخرون بمنجزات آبائهم، لا بأعمالهم هم نفسها.. كأن معهم صكوكا إلهية. هنا طلب منا الوحى الكريم أن نبتغى إليه الوسيلة بأعمالنا نحن وليس بأعمال آبائنا أو أجدادنا! فلا يملك أحد صكا إلهيا.

يا بُنى.. قلت لك لابد أن تفسر الكتاب بالكتاب، ولابد أن تستدعى الآيات الأخرى فى الموضوع نفسه، مثل قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء: 56، 57].

إن القدماء الذين يدعون معبودين غير الله، أو غيرهم ممن يتوسلون بأشخاص فى دعائهم، أو يطلبون من الأولياء تحقيق أمانيهم.. لابد أن يعرفوا أن هؤلاء المعبودين أو المتوسل بهم أو الأولياء هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة.. لأنهم لا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْ أحد وَلَا تَحْوِيلا، وهم يرجون رحمة الله ويخشون عذابه، والوسيلة ليست تلك التى تُسقطونها على الآية من معتقداتكم التى ورثتموها، بل الوسيلة حددتها الآية الكريمة نفسها، لكنكم لا تنظرون على الرغم من أنكم تقرأون، بل وتحفظون، وإن نظرتم فلا تلفتون إلى الألفاظ الصريحة الكاشفة فى الكتاب المبين!

وصمت العبد الصالح قليلا..

وهنا بادره الغريب المعترض: إذن أخبرنا ما تلك الوسيلة التى حددتها الآية؟ وما الألفاظ الصريحة الكاشفة عنها فى الكتاب المبين؟.

 

---------------------------------

 أستاذ فلسفة الدين ــ رئيس جامعة القاهرة ــ عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية


لمزيد من مقالات د. محمد الخشت

رابط دائم: