رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحوار الوطنى وتطوير الممارسة السياسية

مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بإجراء حوار وطنى مع جميع القوى السياسية دون استثناء حول أولويات المرحلة الراهنة ألقت حجرا كبيرا فى مياه الركود السياسى الآسنة منذ عقود، فالممارسة السياسية الإيجابية غابت عن الساحة، وحل محلها مماحكات ومناكفات من جانب من رأوا فى هذه الوسيلة أن هذا هو دور المعارض، وكلما ارتفع الصوت بالاعتراض أو التشويه أو الإساءة اعتقد أنه اكتسب المزيد من الأضواء، وفى المقابل كانت القيادة السياسية طوال عقود تتجاهل هذه المعارضة، التى رأت أنها مجرد مصدر للإزعاج، وبالتالى غاب الحوار الوطنى، بل غابت الممارسة السياسية الحقيقية، وأعطت انطباعات سلبية، وللأسف فقد تكرست هذه الصورة بمضى الوقت، ورسخت لدى الأجيال الجديدة، ولهذا أعتقد أن أولى مهام لجنة الحوار الوطنى أن تدرس عيوب الممارسة السياسية خلال العقود الطويلة الماضية، منذ خروج الاحتلال البريطانى، وتجربة الحزب الواحد، ثم تجربة التعددية المليئة بالعيوب، والتى لم تتجاوز تجربة الحزب الواحد كثيرا.

لهذا أجد دعوة الرئيس السيسى إلى الحوار خطوة بالغة الأهمية، علينا جميعا ألا نفوتها، وأن نعمل على أن تكون بداية عملية تطوير سياسى شامل ومتواصل، وأن نبدأ مع الإعداد والانطلاق فى الحوار تصويب الممارسة السياسية، على أساس التفرقة بين المصلحة الوطنية العليا والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة، وأن نكتسب مهارات سياسية وأدوات تتخطى تلك الممارسات القديمة، التى أوصلتنا إلى الجمود السياسى للأحزاب، وأن نسعى لبناء سياسى جديد ومتطور، يخرج بنا من تلك الدائرة الضيقة المغلقة، وأن نتمرس على الحوار الموضوعى المستند إلى معلومات دقيقة، لنضع لبنة فى مسار سياسى ديمقراطى ينطلق من قضايا مجتمعنا وتحدياته، ويسعى إلى المشاركة الواسعة فى بناء مؤسسات الجمهورية الجديدة، متجنبة كل عيوب وسلبيات ممارسات المراحل السابقة، وقادرة على إشاعة مناخ من الثقة والشراكة فى تحقيق الأهداف الوطنية، على أسس من المكاشفة والجدية والموضوعية، التى تحقق التطوير المنشود.

سيكون السؤال الأول حول الشخصيات والجهات التى ينبغى أن تشارك فى الحوار، والإجابة جاءت من السيد الرئيس بأنها تشمل جميع القوى السياسية دون استثناء، وهنا يحضرنى تشكيل لجنة صياغة الدستور التى ضمت شخصيات سياسية وفكرية بارزة، مع نخبة من الأحزاب والمجتمع المدنى والنقابات وغيرها من المؤسسات، وفى مقدمتهم الشباب، وتتولى الأكاديمية الوطنية للتدريب التنسيق بين الفئات المشاركة فى الحوار دون التدخل فى محتواه، ليتمكن المشاركون من وضع المحاور التى تساعد على تحديد أولويات العمل الوطنى، وتدشن الجمهورية الجديدة، على أساس ما قاله السيد الرئيس إن «الوطن يتسع للجميع»، وإن «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية».

وهذا الطرح المنفتح يشمل الجميع، ويتيح المشاركة الواسعة، ويلقى على المشاركين مسئولية جسيمة، بأن يكون الحوار الوطنى متجردا وموضوعيا، ويحقق نقلة نوعية فى الممارسة السياسية، تضمن تنوع الآراء مع الحفاظ على سلامة الوطن، وأن تؤدى إلى المزيد من التماسك السياسى والاجتماعى وليس مناسبة لإظهار التميز والاختلاف وما كنا نراه من مزايدات لا تؤدى إلا لتعكير الأجواء التى تستفيد منها الجهات المتربصة، خاصة أننا نواجه ظروفا دولية بالغة التعقيد، تلقى بظلالها على العالم كله، وأن نكون على قدر المسئولية الملقاة علينا فى هذه الظروف، خاصة أن مصر قطعت شوطا طويلا فى مجالات التنمية الشاملة، وتغلبت على أزمات صعبة، من الإرهاب إلى جائحة كورونا، وهذا يجعلنا أكثر مناعة وصلابة فى مواجهة أى تحديات مستقبلية، على أن نضع فى مقدمة أولوياتنا سلامة وأمان الوطن، فبدون تحقيقهما لن يكون بالإمكان أن نسعى إلى المزيد من التطور، وأن ننتقل إلى مرحلة جديدة تليق بمكانة مصر وثقلها وتاريخها وقدراتها.

وكانت مبادرة الحوار الوطنى قد واكبها تفعيل لجنة العفو الرئاسى، لإعادة النظر فى قوائم المحبوسين خلال الفترة التى شهدت توترات وتهديدات مثلت خطرا داهما على الدولة وبنيانها، وفى مثل هذه الظروف تكون الوقاية من المخاطر لها الأولوية، وعندما تتراجع المخاطر يتم إجراء فرز لا يأخذ بالشبهات أو القرائن، وإنما بالأدلة القاطعة، ومنح فرصة لمن تم التغرير بهم دون أن يشاركوا فى أعمال عنف. وتلك البادرة الطيبة من شأنها أن تعطى دفعة قوية تتناسب مع فتح صفحة جديدة، على أن تكون المسئولية متبادلة، وأن نؤسس لشراكة تضع مصلحة الوطن وأمنه فوق كل اعتبار، عندئذ سنحقق النقلة النوعية المنشودة من الإصلاح والتطوير والتحديث الذى يشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إننى أخشى من وضع كل القضايا على مائدة الحوار الوطنى، وأن ندخل فى تفاصيل كثيرة، تجعل من الصعب وضعها جميعا موضع التنفيذ، ولهذا أتمنى أن يجرى تحديد عدة محاور أساسية أو افتتاحية، لتكون بداية حوار مستمر ومتواصل، بل يمكن تشكيل لجنة دائمة للحوار الوطنى، تضع تصورات لمختلف القضايا، وتقدم مقترحات وتصورات وإبداعات وبدائل متنوعة، واستقراء للقضايا والتطورات المتوقعة، سواء السياسية أو الاقتصادية، وأن تتلقى تلك اللجنة الدائمة مقترحات وآراء من مختلف الفئات، وأن تكون همزة وصل أو قناة مفتوحة بين مختلف مؤسسات الدولة، ليظل الحوار ممتدا ومفتوحا، لأن المتغيرات والتحديات لا تتوقف عند حد، ومن شأن تشكيل هذه اللجنة أن تعزز التواصل والثقة، وأن ترسى دعائم جديدة لبناء ديمقراطى جديد، يأخذ فى الحسبان ظروفنا وأولوياتنا، وأن نتجنب النظرة السلبية المدمرة التى ترى أن الممارسة السياسية صراع وخصومة، بل نرسخ أنها منافسة وعمل مشترك من أجل المصلحة العليا.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: