رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ثغرة فى جدار الأزمة

كالبركان تفور الأزمات الحادة من حولنا، تداعيات كورونا وصراع الإمبراطوريات تعصف بدول كثيرة، بؤر توتر مشحونة بالأخطار، تستدعى التعجيل بالفحص والمراجعة، تزين أوقات اليسر للشعوب أن تتساهل وتتفاءل، لكن أزمنة الشدة تضغط بالتنبيه والتحذير، لمنع تراكم الخسائر، مع البحث عن مخرج من حالة الحصار والابتعاد ولو زحفا عن حافة الهاوية!.

الأزمات ليست شرا محضا، فى جوف كل محنة منحة، كما قال الزعيم البريطانى تشرشل، أحيانا تكون الأزمة فرصة، بل هدية من السماء إذا أحسن استثمارها، يقظة الإرادة وصدق التوجه وسرعة الإنجاز، تضخ الحيوية فى عروق الشعب، تقيله من العثرات، فكم من أمة سقطت فى براثن الخطر، ثم نهضت وتجاوزت العقبات.

ولا داعى لإعادة اختراع العجلة، فالتجارب الناجحة فى هذا الشأن ملقاة على قارعة الطريق، لكن استبصار أبعاد التجربة واستخلاص نتائجها وإدراك موعظتها الحسنة يتطلب حكمة العقل وقوة الإرادة، قد توهم مشاعر الخوف باستعجال الحركة دون تدبر، غير أن الحركة بغير حكمة تشنج لا إرادى، وليست فعلا واعيا. ترتبط فرص النجاة من طوفان الأزمة العالمية الراهنة بإحداث ثقب فى جدار الأزمة، بجرد دفاترها ومراجعة بنودها، وأولى خطوات نزع فتيلها هى تسليك أنابيب الاقتصاد وشرايين السياسة.

ضربت الاضطرابات الجيوسياسية الأسواق الدولية، انعكاسا لجائحة كورونا والحرب الأوكرانية، تعطلت سلاسل الإمداد وتعثرت حركة السلع، ما أفضى لغياب التوازن بين العرض البطىء، والطلب المتسارع، قفزات التضخم ورفع بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى أسعار الفائدة على الدولار، بشكل متكرر، «يشفط» الأموال من الأسواق الناشئة، ومنها مصر، يرفع أعباء الديون وكلفة الاستيراد، ما يؤثر سلبيا على معيشة المواطنين، يضعف قدرتهم على احتمال ضغوط الحياة اليومية، فى بنود الغذاء والدواء والتعليم والطاقة، يعرقل التعافى الاقتصادى ويعوق التنمية، بكل ما لهذا من تداعيات مقلقة. ظروف استثنائية تتطلب التفكير خارج الصندوق، عاجلا، أن تقوم الأجهزة المعنية، بالتشاور مع الخبراء، بعمل «تقدير موقف»، يحدد أولويات المرحلة ويساعد صانع القرار فى: أولا، ابتكار آليات للجم الغلاء، وإعادة توزيع الأعباء التضخمية بعدالة على الفئات القادرة، ومن ثمّ الحفاظ على الاستقرار السياسى. ثانيا، نحت ملامح دور الدولة فى الاقتصاد وحدوده، فلا مجال لترك الحبل على الغارب لهيمنة الدولة على الاقتصاد، مثلما لا يجوز سلبها سيادتها الاقتصادية، ما يفرمل قدرتها على تطوير مواردها البشرية والطبيعية، الأهم هدم معوقات الاستثمار وإعادة النظر فى التشريعات المنظمة لأداء البورصة.

دون إغفال بديهية أن استعادة دفة التنمية مرهون باستقلالية السياسات، صحيح أن الاقتصاد الوطنى مرتبط بالاقتصاد العالمى، لكنه يعانى تعثرا، فى ظل محاولات الإجهاض المتكررة من الخارج أو سيادة النماذج التى لا تراعى أولويات الواقع فى الداخل.اللحظة حرجة وعصيبة تتطلب تغيير السياسات، بحكمة وسرعة، تدلنا علوم الاستراتيجية على طريقين للاقتراب من الأهداف: مباشر أو غير مباشر، بشرط أن يظل الهدف فى الحالتين ظاهرا أمام أعين طالبيه، حتى وإن أخذتهم التضاريس إلى طرق بعيدة.. يبقى أن الاقتراض ليس حلا لإنعاش الاقتصادات المنهكة، الاستدانة المستمرة تحول الديون إلى مصيدة، تنجم عنها آثار سياسية واقتصادية ضخمة، حتى لو لم تكن محسوسة فى البداية.. تحويلات المصريين وإيرادات السياحة، عائدات النفط والغاز، وقناة السويس والمساعدات الخارجية، جميعها مداخيل ريعية متقلبة، تتأثر بالاضطرابات الإقليمية والدولية، فما الطريق؟!.

يتطلّب الأمر بيئة اقتصادية - سياسيّة مستقرة، توسع دائرة صنع القرار، تحفز الاستثمار المحلى والأجنبى، سردية تنموية تهتم بالإنتاج الصناعى والزراعى كأولوية، علينا أن نبذر أرض مصر مصانع وزراعات وصوبات، وتقديم كل التسهيلات الممكنة لجذب رءوس الأموال لقطاعى الصناعة والزراعة، لخلق فرص العمل والتشغيل وزيادة الإنتاج والصادرات واحتياطى العملات الأجنبية وتقليل الاستيراد، لاسيما أن الفترة الماضية شهدت اهتماما بالبنية التحتية، كالطاقة والنقل، التى تحتاجها الأنظمة الإنتاجية فى الريف والمدن. من المهم هنا اغتنام رغبة الرأسمالية العالمية فى تعددية المراكز الإنتاجية، لتلافى أزمة سلاسل الإمداد عالميا، فى تحويل مصر قلعة صناعية - زراعية خاصة التى تحوز فيها ميزات نسبية، أما السياحة فمصدر سريع للنقد الأجنبى، كذلك نحتاج إلى توطين التكنولوجيا الملائمة لاحتياجاتنا وأولوياتنا، إنتاج الغذاء وشفاء المرضى والدفاع عن الوطن يعتمد على حيازة تطبيقات العلم والتكنولوجيا، وهى قوة هائلة تدعم التغيير والرفاهية، فى بيئة هرمية عالمية لا تحترم إلا الأقوياء، كل ذلك يفرض إصلاحا جذريا لنظام التعليم، بوصفه المفتاح السحرى للتنمية، نظام تعليمى يعجز عن محو الأمية لن يقيم نهضة. للتنمية فى بلد مثل مصر، يقبع عدد ليس بالقليل من سكانها تحت خط الفقر، أشواق تطلب الرقى والرفعة، وهى توفر لنفسها حق الاختيار إذا أحسنت التقدير، وتلك مهمة السياسة، بوصفها علم وفن استخدام إرادة المجتمعات فى إدارة قدراتها وطاقاتها الإنسانية، لتحقيق رجائها فى حاضر أفضل وغد أكثر إشراقا، نعم الظروف قاسية والامتحان صعب، لكنها بالضبط لحظة الفرصة والمرونة والإنجاز، لحظة إطلاق العنان للأفكار والتعددية، حيث تختبر معادن الشعوب وتذوب الثلوج فوق قمم الجبال، مع تقدير حسابات الربح والخسارة، والتأهب للأخطار غير المتوقعة، دون خوف أو تهور. ذات مرة قال الرئيس الأمريكى الأسبق دوايت أيزنهاور: إن السياسات الطيبة ليست ضمانا أكيدا للنجاح، لكن السياسات السيئة ضمان محقق للفشل!.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: