رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كلمات
قيثارة السماء

حين تنسحب الشمس عن استحياء ، وتنتصر الوان الشفق على زرقة السماء ، وتداعبنا نسمات الليل وهى تسرى إلينا بلطف محسوس ، وتفوح رائحة البيوت ، ترتفع أيدينا الى السماوات داعين المولى عزوجل أن يتقبل صيامنا وصلاتنا ، ويباغتنا صوت أذان المغرب بصوت إمام المقرئين محمد رفعت ، ليكمل اتصالنا بالسماء فى رحلة روحانية وكأن نبرات حنجرته الذهبية تصدح من الجنة .

لقد تربينا ونشأنا على صوته ومازال يشكل وجداننا ويؤرجحنا بين سنوات أعمارنا ، ولد شيخنا فى مايو 1882 م فى المغربلين وبعد مرور 140 عاما على ميلاده ظل خالدا ، وكأن أثره حفر على جدران النفس حروفا من الخشوع والراحة ، أصيب بالرمد فى عينيه وهو فى الثانية ، وبعد إجراء جراحة له أصيب بالعمى ، الا أن الطفل الضرير حفظ القرآن كاملا فى سن مبكرة وتم تعيينه قارئا بمسجد فاضل باشا – جامع بشتك – بدرب الجماميز بالسيدة زينب وظل فى هذا المكان ثلاثين عاما يرتل القرآن دون أن يغير موضعه ، حتى كانت المواصلات تتعطل بسبب تزاحم الناس للاستماع إليه .

وفى يوم 31 مايو 1934 تم افتتاح الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية وعرض عليه سعيد لطفى باشا أن يفتتح الإذاعة بصوته ، ولكن الشيخ رفعت غضب وقال : ان كلام الله وقار نزل من السماء لا يليق بمقامه أن يذاع الى جانب الاغانى والفقرات .

ولجمال صوته كان منشدا للمدائح النبوية ، وكان صديقا لمحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد وصالح عبدالحى ونجيب الريحانى ، وقال عنه عبد الوهاب «إنه عندما كان طفلا واستمع الى صوت رفعت يرتل القرآن بعد صلاة الفجر كانت البلابل والعصافير وعناقيد الكروانات تسبح كجوقة فى خلفية صوته « .

وبعد افتتاح اذاعة خاصة للقرآن الكريم طلبوا منه أن يقرأ بها القرآن ، ولكنه رفض مبررا ذلك أن القرآن لم يخلق ليرتل أمام الميكروفونات الصماء . ثم إنه سيذاع فى المقاهى والحانات وهذا لا يليق ، وأخذ وقتا يستعلم ويسأل فى كونه حلالاً أم حراماً حتى سأل فى الأزهر نفسه- الشيخ الظواهري- فقال له : اعرف ما جئت تسأل عنه وأخذ بيده وجعله يتحسس جهازا فى ركن البيت ، إنه الراديو ، أجل يا شيخ رفعت لقد جئت به لأستمع إليك .ثم توجه الشيخ الى الاذاعة وصدح بصوته ليستمع إليه الملايين ، لدرجة أن طيارا كنديا التحق بالجيش الأمريكى ليأتى الى مصر ليشاهد الشيخ محمد رفعت بعد أن استمع الى صوته من خلال اسطوانات .

وقدمت له العديد من الدول عروضا مغرية ليسافر إليها ، الا أنه رفض التربح من كلام الله والاتجار بعلمه ، وهنا علينا أن نقف بضع ثوان للتأمل كيف تحول بعض الشيوخ الى نجوم للفضائيات والسوشيال ميديا والتيك توك احيانا ، وكيف انتفخت عضلات الدعاة وتحولت الى «فورم الساحل « التى ينفق عليها الشباب الاموال الباهظة ؟

وهذا ما يقدم إجابة شافية لتساؤل : لماذا فقد هؤلاء الجدد التأثير العميق والحقيقى والفاعل فى النفوس ؟وكأنه انتصار ضمنى للمظهر على حساب المضمون ! رحمة الله على إمام المقرئين ومؤذن الشعب الشيخ الجليل محمد رفعت .


لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز;

رابط دائم: