رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العالم يتغيّر

تبدو هناك فترات فارقة فى مسيرة الجنس البشرى تنعكس بالضرورة على طبيعة العالم التى تعاصر تلك الفترات المفصلية والتى تأتى عادة عقب الحروب العالمية أو انتشار الأوبئة الجماعية أو ما يتعرض له البشر من كوارث ضخمة وتحولات جذرية، خصوصًا فى المناخ والبيئة، ونحن نلاحظ الآن أننا نمر بشيء من ذلك كله، فالكوكب الذى نعيش عليه قد تغير بعد وباء الكورونا، والعلاقات الدولية المعاصرة سوف تتحول إلى شيء مختلف عندما تتوقف الصواريخ الموجهة وتصمت أصوات جنازير الراجمات ويختفى ضجيج الدبابات، يومها سوف يتطلع العالم إلى شيءٍ مختلف عما كان عليه من قبل، ولعلنا نرصد لذلك بعض الدوافع والأسباب التى أدت إلى ما نحن عليه فى حياتنا المعاصرة، وأسجل هنا المحاور الرئيسية التى تدور حولها مظاهر ذلك التغيير ومنها:

أولا: ليس من شكٍ فى أن أدق تسمية لهذا العصر الذى نعيش فيه هى تلك التى تقول إنه عصر التكنولوجيا والتقدم الكاسح فى المجالات المختلفة ،والناجم عن القفزة الهائلة التى تشهدها البشرية بعد أن تجاوزنا عصر البخار والكهرباء ودخلنا فى العصر الإلكترونى الذى يمهد للاستخدامات الضخمة للذكاء الاصطناعى ودور الروبوت فى حياة الأجيال القادمة، وذلك يعنى فى مجمله أن التكنولوجيا أصبحت إلى حد كبير هى التغير المستقل الذى تتبعه تغيرات أخرى، فلم تعد هناك حاجة إلى تسمية بديلة لهذا العصر الذى تفوق فيه العقل البشرى حتى وصل إلى صناعة عقول بديلة وتمكن من صناعة الصدفة وتوجيه الأحداث على نحو غير مسبوق فى تاريخنا الحديث.

ثانيًا: إن للتكنولوجيا أمراضها وتبعاتها التى لا يمكن إغفالها أو تجاهل تأثيرها وذلك يعنى أننا يجب أن ننظر إلى الآثار السلبية أيضًا لتفوق التكنولوجيا الحديثة وما جلبته من مشكلات وتغييرات، ولكنها تبدو فى النهاية كالشر الذى لا بد منه لمواكبة إيقاع العصر وسرعة التحول بين معطياته المختلفة، ولقد أسهم فى ذلك كله التحول الذى طرأ على الطقس وغير مفاهيمنا الجغرافية والأطر الحرارية للمناطق المختلفة وأدى إلى صراع غامض بين البحار والمحيطات فى جانب ،واليابسة فى جانب آخر، لذلك فإننا نقول بلا تردد إننا نعيش عصر التكنولوجيا الممتزج بالتغيرات المناخية الكبرى ،ولا يخفى علينا أن كلا الأمرين له تأثير على مسيرة الإنسان فى كل مكان.

ثالثًا: لا يغيب عن وعينا أن العالم يتجه إلى الابتعاد عن الدولة الأيديولوجية للدخول فى إطار الدولة الوطنية، فلم تعد الخلافات الأيديولوجية مصدرًا لأحداث نقف أمامها مندهشين مثلما حدث فى الصراع العقائدى بين الاتحاد السوفيتى السابق ودولة الصين فى بداية ستينيات القرن الماضى، وفى نهاية ذلك الخلاف أعلن الطرفان أن الجوار القومى أقوى من الرابط الأيديولوجى وبدأنا ندرك منذ ذلك الوقت أن عصر الأيديولوجيات فى تراجع وأن عصر القوميات فى بروز وتطور، ولذلك فإن ما نشهده من حرب شرسة بين روسيا وأوكرانيا إنما هو دليل آخر على سيطرة الدافع القومى واكتساحه العامل الأيديولوجى، فقد كانت روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا جزءين لا يتجزآن من الاتحاد السوفيتى السابق بأيديولوجيته المعروفة، ولكن تفجر المشاعر القومية فى أوروبا خصوصًا فى وسطها وشرقها قد أدى إلى انقسامات مختلفة نجمت عنها كيانات وطنية جديدة تعترف بكيان الدولة المستقل بصورة واقعية تختلف عما كانت عليه البشرية فى عصر الحرب الباردة التى تلت مباشرةً الحرب العالمية الثانية فى منتصف أربعينيات القرن الماضي.

رابعًا: دعنا نعترف صراحة بأن وباء الكورونا قد رسب فى أعماق كتل بشرية كبرى أن هناك من يسعى جاهدًا للحد من عدد سكان كوكب الأرض الذين تجاوزوا المليارات السبع، وأن الهدف هو الوصول إلى الحد الأمثل للسكان وهو ما يقتضى التضحية بما لا يقل عن مليارى نسمة، كان من المتصور أن تلتهمهم الأوبئة والحروب، ولقد بدأ التفسير التآمرى لأحداث التاريخ يعبث بعقول البشر خصوصًا فى جنوب العالم المعاصر وتحديدًا فى القارتين الإفريقية والآسيوية بما يخلق وهمًا مؤداه أن كبار السن ومواطنى الدول الهامشية - إذا جاز هذا التعبير القبيح – يجب أن يدركوا أن نسلهم غير مرحبٍ به لأن دورهم كقوى منتجة أقل بكثير من دورهم كجماعات مستهلكة، إنها نظرة مادية مخيفة، ولكن يبدو أن العالم يتقدم نحوها بخطوات يمكن ملاحظتها من قراءة الأحداث المتلاحقة.

خامسًا: لعلنا نلاحظ أن هناك محاولة لاستعادة أحداث التاريخ ولكن بصور مختلفة فلقد احتدم الصدام بين الثقافات وتزايدت حدة العداء بين المجموعات البشرية فى قارات العالم بغير استثناء وشاع خطاب الكراهية بينهم، فظهرت تعبيرات جديدة، خصوصًا على الصعيد السياسى ترى أن العالم تحكمه حسابات علوية ذات طابع خفى، وأن أسماء من طراز بيل جيتس وغيره هى الرؤوس الجديدة التى تتحكم فى مصائر البشر، وترى أن لها وصاية على الإنسان حتى ولو تغير زمانه ومكانه.

.. لم يعد خافيًا أن العالم يتغيّر وأن الكون كله يتحول ،وأن الكوكب الذى نعيش فيه يواجه تحديات لم تكن معروفة من قبل!


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: