رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فوكوياما وحرب أوكرانيا

هل لعب فوكوياما دورا فى اندلاع أزمة اوكرانيا؟ وهل تسهم أفكاره فى استمرارها؟

فرانسيس فوكوياما، هو استاذ العلوم السياسية الامريكى، وصاحب نظرية نهاية التاريخ الذى نشرها فى مقال عام ١٩٩٨، ثم فى كتاب بعنوان نهاية التاريخ والرجل الأخير عام ١٩٩٢، اى منذ ما يقرب من ثلاثين عاما. وجهة نظر فوكوياما، انه بسقوط الاتحاد السوفيتى ونهاية الحرب الباردة، فإن الانسانية قد وصلت إلى نهاية التاريخ، ونهاية التطور الأيديولوجى للبشرية، وذلك بانتصار الليبرالية الغربية على ماعداها من ايديولوجيات، وتم إضفاء الطابع العالمى عليها باعتبارها الشكل النهائى للحكومة البشرية.

أفكار فوكوياما أثارت جدلا كبيرا منذ ثلاثة عقود، ما بين مؤيد و معارض. واليوم يتصاعد جدل جديد هو أفكار فوكوياما القديمة، وأفكار جديدة طرحها بشأن الأزمة الأوكرانية. البعض يرى أن فكرة نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية الغربية قد ساهمت وقت ظهورها (فى ظل أجواء نهاية الحرب الباردة) فى خلق حالة من الشعور بالانتصار لدى الولايات المتحدة، وتضخم إحساس الغرب بغرور القوة. وأن ذلك أسهمت بشكل كبير فى رفض ضم روسيا الى المنظومة الغربية، وهو ما كانت تسعى اليه الحكومة الروسية فى ظل الرئيس جورباتشوف وخلفه يلتسين. وأدى غرور القوة الى تجاهل المطالب الروسية بعدم توسع حلف شمال الاطلنطى. وتم التعامل مع روسيا على أنها أمة انهزمت فى الحرب الباردة على يد الغرب، وان على روسيا أن تتحمل نتائج الهزيمة، ومن حق الغرب أن يجنى ثمار الانتصار.

أفكار فوكوياما وقتها حول نهاية التاريخ وفرت الاطار الفكرى لهذه المشاعر المتزايدة بانتصار الغرب، و ما ترتب عليها من سياسات، مثل توسع حلف الناتو حتى اقترب من حدود روسيا، وكان التلويح بانضمام أوكرانيا للحلف السبب فى غزو روسيا لها، واندلاع الازمة الأوكرانية الحالية. اليوم يعود فوكوياما للأضواء مرة أخرى بمجموعة من التنبؤات حول الازمة الأوكرانية نشرها فى مقال فى مارس الماضى بعنوان الإعداد للهزيمة، وتضمنت عددا من الافكار بشأن الحرب فى أوكرانيا، أهمها: أن المعركة فى أوكرانيا ليست بشأن توسع حلف الناتو واحتمال انضمام أوكرانيا له، ولكنها حرب بين قوى الديمقراطية والحرية وتمثلها أوكرانيا ويساندها الغرب، وقوى الشعبوية والسلطوية وتمثلها روسيا. وان الخوف الرئيسى لروسيا هو وجود دولة ديمقراطية مزدهرة على حدودها، قد تدفع المواطنين الروس لطلب مثيل لها فى بلدهم. ويتنبأ فوكوياما بأن روسيا فى طريقها لهزيمة صريحة فى أوكرانيا، وان التخطيط للعملية العسكرية كان غير كفء، وبنى على افتراض خاطئ بأن الأوكرانيين مؤيدون لروسيا وأن جيشهم سينهار فورا بعد الغزو. ولكن من المتوقع وفقا لفوكوياما ان يحدث انهيار عسكرى روسى فى أوكرانيا بشكل مفاجئ وكارثى، بدلاً من أن يحدث ببطء من خلال حرب استنزاف.

ويرى فوكوياما انه لا يوجد حل دبلوماسى ممكن للحرب قبل الانهيار العسكرى الروسى، ولا يوجد حل وسط يمكن تصوره يكون مقبولًا لكل من روسيا وأوكرانيا نظرًا للخسائر التى تكبدتها الدولتان بالفعل. وان بوتين لن ينجو من هزيمة جيشه، لانه يكتسب الدعم الداخلى من اعتباره رجلا قويا، وستهتز مكانته داخليا نتيجة لذلك. كما سيتسبب الغزو فى إلحاق أضرار جسيمة بالزعماء الشعوبيين فى جميع أنحاء العالم، وسيمثل درسا للصين فى حالة التفكير فى تحرك مستقبلى ضد تايوان.

الا أن أهم نبوءة لفوكوياما هى أن هزيمة روسيا ستجعل من الممكن ولادة موجة جديدة للحرية، وستخرج العالم من الحالة المتدهورة للديمقراطية، وستدعم روح عام ١٩٨٩، وهو العام الذى يرمز لسقوط حائط برلين ونهاية الشيوعية بأوروبا. ويتحدث فوكوياما عن أن السيناريو الذى يمثل كابوسا بالنسبة له هو عالم تتعاون فيه الصين وروسيا، وتؤيد فيه الصين لحرب روسيا فى أوكرانيا، وتساند فيه روسيا غزو الصين لتايوان.

ويرى فوكوياما أنه إذا حدث ذلك، وكان ناجحا فعندئذٍ سنعيش حقا فى عالم تهيمن عليه هذه القوى غير الديمقراطية، وإذا لم تستطع الولايات المتحدة وبقية الغرب منع حدوث ذلك، فهذا حقًا سيكون نهاية التاريخ.

باختصار أفكار فوكوياما القديمة لا تختلف كثيرا عن أفكاره الجديدة، وتنطلق جميعها من إيمانه بالحتمية التاريخية وان حركة التاريخ تسير للامام، واعتقاده الأيديولوجى بسمو وتفوق المشروع الليبرالى الغربى على غيره من مشاريع فكرية وسياسية، وذلك على الرغم ان أحداث السنوات الأخيرة أثبتت ان حركة التاريخ قد تكون ملتوية وقد تسير للخلف، وان المشروع الليبرالى قد تعرض لانتكاسات داخلية فى العديد من الدول الغربية، وبدأ يظهر على الساحة مشاريع أخرى تزعم انها تتفوق عليه فى كفاءة تعاملها مع المشاكل. ولكن فوكوياما مازال يؤمن بأن المشروع الليبرالى هو الأفضل حتى لو تعرض لبعض الانتكاسات، واخذا فى الاعتبار أنه مشروع يحتاج رعاية مستمرة ولايمكن أخذه كأمر مسلم به، وقد طرح هذه الفكرة فى كتاب جديد له صدر منذ شهور قليلة بعنوان الليبرالية والسخط منها، وهو ما سنناقشه فى المقال القادم ان شاء الله.


لمزيد من مقالات د. محمد كمال

رابط دائم: