رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر والسودان .. مقاربة بديلة

يوماً بعد يوم تتكشف مدى ضراوة الحرب الاقتصادية الأمريكية - الأوروبية ضد روسيا وردود الفعل الروسية المضادة لهذه الحرب. فقد أضحت هذه الحرب أقرب إلى "معارك كسر العظام" كل طرف يريد أن يكسر إرادة الطرف الآخر. لكن مخاطر وتداعيات هذه الحرب تتجاوز، يوماً بعد يوم، الحدود الضيقة لمجال الصراع العسكرى الدائر على أرض أوكرانيا ومجال العقوبات والعقوبات المرتدة بين الولايات المتحدة وأوروبا وبين روسيا، وإذا استمرت هذه الحرب لشهور أخرى قادمة فسوف تتفاقم تداعيات هذه الحرب على كثير من دول العالم، سواء بالنسبة للارتفاع الجنونى فى أسعار الحبوب: القمح والذرة والشعير وغيرها من المواد الغذائية نتيجة لتعثر وتعذر التصدير من أوكرانيا وروسيا، أو لتراجع بات مؤكداً فى حجم الإنتاج الأوكرانى من هذه المواد الغذائية "الاستراتيجية"، أو بالنسبة للارتفاع الجنونى أيضاً فى أسعار الطاقة «النفط والغاز» بعد العقوبات الأمريكية على تصدير النفط الروسى وبعد القيود الروسية لتصدير الغاز إلى أوروبا.

روسيا تعيش مرارة العقوبات الغربية، لكنها تحاول أن تجعل أعداءها يتجرعون قدراً من هذه المرارة عبر تقييد تصدير الغاز الروسى إليهم أو فرض تسديد أثمانه بالروبل. وسبق أن عاشت إيران هى الأخرى ومازالت تعيش ضراوة عقوبات أمريكية ضدها بدأت منذ تفجر الثورة الإيرانية عام 1979. وقبل إيران تعرضت مصر فى النصف الأول من عقد الستينيات من القرن الماضى لنوع من هذه العقوبات الأمريكية عندما رفضت القيادة الوطنية المصرية الرضوخ للمطالب الأمريكية التى كانت تستهدف النيل من استقلالية القرار الوطنى وكان القرار الأمريكى هو معاقبة مصر بوقف معونات القمح الأمريكية إلى مصر. وهذا يعنى أنها ستكون معرضة لخطرين الأول هو صعوبة الاستيراد بعد أن أدت الحرب فى أوكرانيا إلى التأثير على التدفقات التجارية المتجهة من منطقة «سلة الخبز» المهمة فى البحر الأسود، مما أدى إلى إصدار تحذيرات بشأن نقص الإمدادات الحيوية من القمح والذرة وزيوت الطهى بدرجات كبيرة. أما الخطر الثانى فهو ارتفاع أسعار هذه المنتجات بسبب نقص المعروض فى ظل تراجع الصادرات الأوكرانية وربما الروسية، وبسبب ارتفاع أسعار النقل العالمية نتيجة للارتفاع الكبير والمفاجئ فى أسعار الطاقة. وزير المالية قال فى مارس الماضى إن ارتفاع أسعار القمح فى الأسواق العالمية سيؤدى إلى زيادة تكلفة واردات البلاد من هذه السلعة بقيمة تتراوح بين 12 و15 مليار جنيه فى ميزانية العام الحالى 2021- 2022. وبسبب ذلك أيضاً ارتفع سعر طن القمح المحلى فى مصر بأكثر من 1100 جنيه عن العام الماضى ، بعد رفع سعر توريد القمح إلى 885 جنيه للإردب لأسباب كثيرة منها ارتفاع أسعار الأسمدة، لكن الأهم هو «نقص المعروض العالمى». نقص المعروض العالمى من السلع الغذائية يجب أن يكون «جرس إنذار» شديد الوطأة بالنسبة للحكومة المصرية وكل أجهزة الدولة المعنية حيث يجب النظر إلى هذه السلع باعتبارها «سلعاً استراتيجية»، ليس هذا فقط بل يجب التعامل معها باعتبارها «أمنا قوميا» فإذا كانت تعريفات التنمية والتقدم كثيرة منها ما يتعلق بالدخل القومى الإجمالى ومنها ما يتعلق بمستوى دخل الفرد، لكن دخلت مؤشرات أكثر أهمية أبرزها ما يعرف بـ «جودة الحياة» أى مجمل مؤشرات التقدم والتحضر، فإن الاستقلال الوطنى وثيق الصلة بمؤشرات التقدم والتنمية لا يتحقق إلا فى ظل شروط توافر الاكتفاء الذاتى الوطنى من سلع استراتيجية ثلاث هى: الغذاء والدواء والسلاح.

مصر التى استوردت 12.9 مليون طن من القمح عام 2020 للحكومة وللقطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار، اتجهت هذا العام إلى زراعة 3.62 مليون فدان من القمح للموسم الحالى 2022 بما يمثل المساحة الأكبر على الإطلاق ، وبما يعنى أن مصر تتجه إلى السير فى الطريق الصحيح بتقليل الاستيراد من الخارج لهذه السلعة الاستراتيجية ، الأمر الذى يفتح باب الأمل للتفكير بطريق أكثر جدية لكيفية أن تصل مصر إلى درجة الاكتفاء الذاتى من إنتاج القمح خاصة ومجمل المواد الغذائية . هل تستطيع ذلك؟ الإجابة وردتنى من الصديق العزيز الدكتور محمد حسب الرسول من السودان الشقيق الذى أعرفه منذ سنوات باعتباره من القيادات البارزة فى المؤتمر القومى العربى ونتشارك معاً فى همومنا القومية. فقد أرسل لى هذا الصديق السودانى، دون سابق ترتيب، رسالة تحمل إجابة عن هذا السؤال فى معرض استعراضه لتداعيات الحرب الأوكرانية على احتياجات مصر والسودان من القمح، حيث قال ما نصه إن الطريق لمعالجة النقص فى سلعة القمح فى السودان ومصر «يكمن فى إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، يتحقق عبرها توطين زراعة القمح فى السودان، الذى يعد موطنه التاريخى، وتوظيف المشروعات الزراعية الخاصة والعامة المنتشرة فى مناطق تنتج القمح، من خلال ما يعرف بالزراعة التعاقدية التى يوفر عبرها أصحاب المشاريع الزراعية الأرض والمياه، وتوفر الدولة المصرية من القطاعين العام والخاص مدخلات الإنتاج، والعمالة الماهرة، والآليات الزراعية، ويتم اقتسام الإنتاج وفق النسب التى تتوافق عليها الأطراف». إجابة تفتح لنا مجدداً أبواب الأمل، وتعيد فتح ملف «المثلث الذهبى المصرى- السودانى- الليبى» بتأسيس ما يعرف فى أدبيات التكامل بـ «تجمع أمنى اقتصادى» Security Community يربط مصائر هذه الدول الثلاث بشبكة مصالح قوية متداخلة تحول دون تفككها من ناحية وتكون قادرة على النهوض بتحويل هذه الكتلة إلى «قاعدة أساس» فى مشروع نهضوى أوسع يحمى الإرادة الوطنية ويحقق الأهداف باعتباره مقاربة بديلة للاعتماد على الخارج.


لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: