رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما أحوجنا لشهر رمضان

تهل علينا نسائم الشهر الكريم ونحن فى أشد الحاجة إلى الراحة فى رحابه، وكأننا كنا نلهث من عناء سباق طويل استغرق 11 شهرا، وننتظر أن نأخذ قسطا من الراحة فى كنفه، نرتاح من عناء التدافع اليومى من أجل الكسب المادى، ونسينا خلاله أنفسنا، وانشغلنا عنها فى خضم منافسات لا تتوقف، ومهما كسبنا أو خسرنا فيها نزداد رغبة فى تحقيق المزيد.

إنها الشراهة التى ميزت عصرنا، وجعلتنا لا نستمتع بما لدينا ولو كان كثيرا، ونلهث من أجل مزيد قد لا نحتاجه، لكننا اعتدنا على الجرى فى سباقات لا تنتهى ولا تشبع.

ويأتى شهر رمضان لنخلو إلى أنفسنا، نسائلها عما نفعله، فنجد فى شهر رمضان المعنى الذى نسيناه فى انشغالاتنا، إنه شهر الالتقاء بالمعنى، وترك ماراثونات البحث عن المغانم. أدركت معنى شهر رمضان، عندما وجدت إجابة سؤال ظللت أبحث عن إجابته طويلا، لماذا لا تكون كل الشهور رمضان حتى تظل بركته تلازمنا، ولا ننشغل عن عبادتنا، ونتمسك دائما بأخلاقيات رمضان، بزهده وتقواه؟

سألت شيخ الجامع الأزهر عندما كنت طالباً بالجامعة، فقال لى إنه مثل امتحاناتك فى نهاية العام الدراسى، تنظر إلى درجاتك، وتتعرف على ما فعلت طوال العام، تحاسب نفسك، تعرف خطاياك ومزاياك، ومن استفاد من مراجعة نفسه فإنه سيصل إلى مبتغاه، ومن لا يقف ويحاسب نفسه فلا رجاء منه، فهو شهر محاسبة النفس، ولا يمكن أن تحاسب إلا بين فترة وأخرى، لهذا كان رمضان شهرا فى كل عام، فمن جعله لمحاسبة نفسه فقد أصاب ونجا، ومن جعله شهرا كباقى الشهور، وإن صام وصلى فلن يصوِّب مساره.

وعندما سألته عن الصدقات، وهل هى مقصورة على الأغنياء؟ قال لى: ليست الصدقة مالا أو طعاما أو شرابا فقط، فالكلمة الطيبة صدقة، والعلم النافع صدقه، والمعاملة الحسنة صدقة، وهذه لا تقل قيمة عن التصدق بالمال، ويستوى فيها الغنى والفقير.


أتذكر شيخى الجليل وأنا أجد الكثيرين قد انشغلوا عن الغاية من الشهر الكريم، وجردوه من جوهره، وحادوا به عن غايته، وجعلوه شهرا للانشغال عن جوهره، شهرا لتبادل العزومات، وتذوق أشهى المأكولات، والسهر حتى الفجر على المقاهى أو أمام الشاشات، والتوقف عن العمل بسبب إجهاد السهر أو عدم اعتياد الصوم ولو لساعات.

وأتذكر كلامه عن الصدقة بالكلمة الطيبة عندما أجد النميمة أصبحت الشغل الشاغل لقسط كبير من الناس، وتطورت النميمة مع ظهور منصات التواصل فأصبحت لها مجموعات، تتبادل النكات وسيرة هذا وذاك، وكلما أوغلت فى الخصوصيات، وزادت بعدا عن الحقيقة، وأضيف لها الكثير من البهارات، لزوم التشويق والإثارة، كانت الأسرع فى الانتشار ونيل الإشادات، وهناك من جعلوا النميمة مسابقة ومباريات، يفوز بها من استطاع أن يضفى عليها مزيدا من الخيالات، ويحصل على العدد الأكبر من الإعجابات، وهكذا خرجت النميمة من الجدران المغلقة إلى فضاء منصات التواصل، وأصبح لها جمهور وكتاب.

سألت نفسى كيف نحول كل تطور فى العلم إلى أداة للهدم؟ ولماذا مجتمعاتنا وهى الأكثر احتياجا للمعرفة لم تجد فى تطور وسائل الاتصال الحديثة فرصة تعوضها عن العزلة وقلة المعلومات، وأن تفتح عليها نوافذ، تضىء لها المعرفة والمعلومة الصحيحة، وتيسر الحصول على آخر ما توصلت إليه الأمم المتقدمة، وحوّلنا الهواتف المحمولة إلى وسائل للتسلية واللهو، ويتسابق الشباب الصغير على اقتناء آخر جيل من أفضل الهواتف وأغلاها ثمنا، ولا يستفيد منها إلا فى التسلية أو النميمة، ولا يغتنم فرصة تعميق مهاراته، والانفتاح على عالم ينتقى منه ما يفيد، ثم نجد انتشار مجموعات تبادل النميمة، سواء فى محيط الأصدقاء والمعارف أو نجوم المجتمع أو مكان العمل، فهل يمكن لمجتمعنا أن يتطور ويجتاز أزماته وشبابه يضيع طاقاته فى هذا الحيز الضيق من اجترار حكايات عن سمعة الآخرين؟

ألا تتصورون أن النميمة ستمسُّكم جميعا، وأن من يشارك فى النميمة سيجد من يجعلونه مادة للنميمة؟ وأن التنافس فى التردى الأخلاقى وما جعله الله من الكبائر لا يمكن أن نحصد منه إلا الشر وسوء الخاتمة.

عندما سألت شيخى هل تبطل النميمة الصوم قال: لا تبطله، لكنها محرمة، ومن أكبر الكبائر، ولا تكون عاقبتها فى الآخرة فقط، بل إنها تفسد الدنيا، ولا تمنح مرتكبيها إلا شعورا زائفا بالانتصار لذوى النفوس الخاوية والعقول الضحلة ومن يعيشون فى كرب، ولا يجدون وسيلة لتحقيق ذاتهم إلا بإيذاء الآخرين، وهؤلاء ندعو لهم بإصلاح أحوالهم، ونشفق عليهم مما هم فيه، فهم ضعفاء وجبناء، فليست النميمة من شيم الشجعان، وإنما من سمات الطامعين بلا قدرات، فلا يجدون وسيلة للنيل من الآخرين إلا بتلويث سمعتهم.

أما الأسوياء فليس من طبعهم الإساءة لغيرهم، حتى لو كانوا خصومهم، فالستر من طباع الأصيل، حتى لو رأى منكرا بعينيه، أما الوضيع فيشيع الإساءة حتى لو كان يدرك أنها افتراء.

أراحتنى كلمات شيخى الجليل، وتمنيت لو أننا استطعنا أن نتجنب النميمة فى الشهر الكريم، وأن نتأمل ونراجع أنفسنا، وأن نتمنى الخير لمن حولنا، لأنه يعود علينا وعلى مجتمعنا، فإذا استَشْرت الرذيلة أفسدت الأمم، أما صلاحها فيبدأ بالنفس، وأن يسعى كل منا إلى التنافس على الصدقة ولو بالكلمة الطيبة، وأن نجعل من الشهر الكريم فرصة لصوم حقيقى، ليس عن الطعام والشراب فقط، بل عن كل ما يؤذى، وأن نعامل الناس كما نأمل أن يعاملونا، حتى تعم المحبة والتسامح والخير.

وكل عام وأنتم بخير.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: 
كلمات البحث: