لم يعد الحديث عن الطرف المنتصر أو المهزوم فى حرب أوكرانيا يثير اهتمام واستنتاجات المراقبين والمحللين،فالعالم قد يتجاوز عن ذلك بحثا واستقراء لمستقبل أزمات سياسية واقتصادية أخرى مرشحة للانفجار كنتيجة لتلك الحرب المجنونة التى يستعيد بسببها العالم ذكريات أجواء ساخنة،مرتبكة من القرن الماضي.
ضمان سريان الدماء فى شرايين سلاسل التوريد العالمية التى تمنح الحياة لكل بقعة على الكوكب،أصبح الشغل الشاغل للحكومات والأنظمة حتى تضمن قوت شعوبها وتحفظ استقرار بلدانها. الضغوط العظمى التى تتعرض لها سلاسل التوريد التى تمر عبرها السلع والتجارة العالمية منذ أزمة كورونا ثم استفحالها فى خضم الحرب الأوكرانية دفعت دفة الحديث تجاه حتمية قيام نظام جديد لسلاسل التوريد يعتمد على تحالفات إقليمية للتخلص من هيمنة السلاسل القائمة،وهو حديث يعلو صوته يوما بعد الآخر تماما كما تنتفخ التوقعات بقيام نظام عالمى جديد على أنقاض نفس الحرب !
أصبحنا الآن أكثر إيمانا بأن العالم لن يعود كما كان قبل الحصار الروسى لأوكرانيا،والغربى لروسيا، ليضرب الشلل كلا الاقتصادين،وتتجمد شرايين النقل البحرى والجوى فى كليهما،فالبلدان يقدمان أكثر من ثلث إجمالى صادرات القمح العالمية،وتوفر روسيا ما يقرب من 40% من إمدادات الغاز الطبيعى لأوروبا،وهى ثالث أكبر مصدّر للنفط فى العالم،ناهيك عن كون البلدين ضمن الأهم فى تصدير المواد الخام المستخدمة فى الصناعات الدقيقة. هذه الضغوط على سلاسل التوريد بسبب الحرب،وهى تتجاوز بمراحل تلك الفجوة التى أحدثتها جائحة كورونا،خلفت تداعيات أزعجت العالم كارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وسط نذر حدوث مجاعة تضرب الجميع بلا تمييز، لتتصاعد الدعوات لإنشاء تحالفات إقليمية للتخلص من تحكم السلاسل العالمية فى أسعار البضائع ونقلها. لم تتضح بعد جدية قيام مثل تلك التحالفات لأن الأمر يرتبط بالتأكيد بفك الارتباط بالدول الكبرى التى تتحكم فى شرايين النقل والتوريد،ويعلم الطرف الأضعف فى المعادلة وهى الدول النامية أنها ستواجه طويلا واقعا مؤلما يفرض عليها اختراق موجات التضخم بأقل الخسائر وشحذ أسلحتها الاقتصادية لحماية أمنها الغذائي،فهل تدفع حماية (لقمة العيش) لاستقلال القرار بعيدا عن كبار العالم؟
[email protected]لمزيد من مقالات شريف عابدين رابط دائم: