رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معجزة الصين.. «كفايتان» وثلاثة ضمانات

بالألوان والظلال، ترسم رواية بيرل باك الأرض الطيبة (نوبل 1938) لوحة خطوطها الذل والمعاناة الرهيبة التى عاشها الصينيون، طوال القرنين التاسع عشر والعشرين؛ أمة أهينت فى عقر دارها، تعرضت لاعتداءات واحتلال ومذابح، من جانب البريطانيين ثم اليابانيين؛ علق المحتلون لافتات، على مطاعم وأحياء فى العاصمة بكين،: ممنوع دخول الصينيين والكلاب!. كانت الصين تحسب نفسها سيدة العالم إبان العصور الوسطى، لكنها هُزمت وأُهينت فى العصور الحديثة، إلى أن نشبت الثورة الصينية بقيادة ماو عام 1949؛ فأخذت ترد على الهزائم والإهانات، خاصة المجاعات التى جعلت بعضهم يقتات على جثث الموتى.

بعزم لا يلين، ظل الصينيون يطرقون سبل النهضة، نهرا هادرا تجرى مياهه، برغم ما فيه من عوائق جمة، يصطادون الفرصة تلو الأخرى؛ حتى انتزعت بلادهم مكانتها اللائقة بين شعوب الأرض؛ صارت نموذجا للترقى بعد التردى، تجترح المعجزات، أبرزها القضاء على الفقر المدقع، والسباق مع الزمن لزعامة العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

أحدث الشعب الصينى نقلة نوعية فى التاريخ المعاصر، ولماسجلت الاقتصاديات العالمية تراجعا كارثيا، بعد كورونا، أعلنت بكين، العام الماضى، انتصارها على فيروس الفقر, أكد الرئيس شى جين بينج، أن 100 مليون صينى تجاوزوا خط الفقر، بتكلفة 270 مليار دولار،خلال السنوات الثمانى الماضية، منوها بانتشال 800 مليون صينى من تحت خط الفقر، منذ أواخر السبعينيات، أو ما يقارب إجمالى سكان الاتحاد الأوروبى وأمريكا اللاتينية معا، يشكلون 70% ممن انتشلهم العالم أجمع من الفقر.

لم يكن الأمر مصادفة أو رمية نرد؛ بل ثمرة خيارات صعبة، وإرادة راهنت على ما تحوزه من طاقات بشرية وإمكانات طبيعية؛ وفق مخطط واقعى مدروس ومتواصل دون انقطاع؛ منذ أرسى دينج لى شياو بنج سياسة الإصلاح والانفتاح، نهاية السبعينيات.فى ظنى، دينج هو أعظم زعماء القرن العشرين بلا منازع، كان يردد: إذا أردت عبور النهر بأمان عليك أن تتحسس الأحجار التى فى أعماقه.

تقدمت دول وتعثرت، بينما تهرول الصين على درب التقدم، لا تكتفى بما تصل إليه؛ إنما تؤسس للجديد دون جمود على الموجود؛ مدفوعة بالتزام سياسى رفيع المستوى؛ فلسفتها التنموية تقوم على:إن النمو الاقتصادى يقود للمساواة فى الدخل؛ ومكاسب التطور الاقتصادى يجب أن تنعكس إيجابيا على المواطنين فى تحسين حياتهم، بما يشمل توفير الضروريات، من الغذاء والعلاج والتعليم والأمن، وأن يكون أول المستفيدين من النمو الفقراء والعاطلين عن العمل والمحافظات الأشد فقرا. إيمانا بأن العلاقة طردية بين زيادة النمو وتقليل الفقر؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم جيد وصحة أفضل يسرّع النمو الاقتصادي.

تسألنى كيف ذلك؟..أعطيك مثالا: فى عام 1978، بلغت نسبة الصينيين الذين يعيشون فى فقر مدقع 97.5%، انخفضت فى 2019 إلى 1.7% فقط، قفز دخل الفرد20 ضعفا، إلى مستوى 10آلاف دولار، خلال الفترة نفسها، كذلك ارتفع الناتج الإجمالى للصين من 200 مليار دولار إلى 14.36 تريليون (يتعدى 60 ضعفا)،وحققت معدلات نمو متواصلة لمدة 28 عاما، بمتوسط 9٫8%.

يمكن أن نعزوالنجاح الصينى فى مكافحة الفقر إلى تخصيص الموارد المالية والبشرية بعقلانية ورشد؛ لخدمة برامج التخفيف من حدته، سبيلا لبناء مجتمع مزدهر بشكل متوازن وبطريقة شاملة؛ عبر ضخ الاستثمارات الضخمة فى البنية التحتية؛ لربط المناطق النائية وتضييق فجوة الثروة بين الريف والمدن وإتاحة الوصول للخدمات والأسواق، والتصدى للفساد، مع توفير التعليم الإلزامى الجيد وكفالة الرعاية الصحية للمواطنين، لاسيما غير القادرين، أما الأولوية الأولى فهى الاعتماد على الصناعات كثيفة العمالة، المتوسطة والصغيرة، والاهتمام بتطوير قطاع الزراعة؛ حتى لا يصبح الأمن الغذائى لأكبر دولة سكانا فى العالم، على المحك، تحت أى ظرف. رفعت السلطات شعار «كفايتان وثلاثة ضمانات»: توفير ما يكفى من الطعام أولا والملبس ثانيا، وضمانات: حق التعليم الإلزامى، والخدمات الطبية الأساسية والحصول على المسكن الآمن، حتى تتساقط ثمار الإصلاح والتحديث على الجميع دون تفرقة؛ كل ذلك من أجل بناء الإنسان الصينى وسيلة النهضة وغايتها.

معجزة الصين الجديدة أنها طوت صفحة الفقر المدقع، ووسعت الطبقة الوسطى العمود الفقرى للمجتمع، إلى حدود غير مسبوقة فى أى بلد، لذا تحوزسوقا داخلية نشيطة، تضمن لها استمرار النمو، حتى فى ظل الأزمات العالمية مع أنها تتبنى شرائع السوق القائمة على العرض والطلب والتنافس الاقتصادى.

انتقم المارد الأصفر من الإذلال القومى ببناء الإنسان والانهماك فى تحدى التنمية باقتدار؛ وتلك معجزة المعجزات والضمانة الكبرى لصعود التنين إلى مصاف القوة العظمى الثانية، الفقر قاتل لأحلام الشعوب وطموحاتها، ولا مجال مع تفاقم الفقر للتقدم والازدهار... فى المقابل، القضاء على الفقر خلاص للشعوب ونجاة للأمم من التخلف والانكسار. وإذ يقف العالم اليوم ذاهلا، يضرب أخماسا فى أسداس، أمام الأزمات الراهنة، تتربع الصين على عرش الأمان، بعد قضائها على فيروس الفقر أخطر الفيروسات فى كل العصور.

سليمان عبدالمنعم

فجعت، الجمعة الماضى، بنبأ رحيل المفكر الدكتور سليمان عبدالمنعم أستاذ القانون الجنائى المرموق، والكاتب بالأهرام وأمين عام مؤسسة الفكر العربى، أحد أنجب عقول مصر، وهو فى قمة عطائه الزاهر واشتباكه المثمر مع قضايا وطنه وأمته، رحمه الله بقدر ما أضاء البصائر والأفئدة بأنوار معارفه!!.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: