رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ازدواج المعايير فى حرب أوكرانيا

الغزو هو غزو أينما كان، سواء غزوا للعراق أو لأي دولة أخري. لكن للأسف يتم تقييم الغزوات بشكل مختلف اعتمادًا على مكان حدوثها والقائم بها. تمهيدا لهذا النقاش يجب أن يُذكر بوضوح أن غزو دولة سيادية أمر غير مقبول، سواء كان غزو الولايات المتحدة للعراق أو غزو روسيا لأوكرانيا، ومع ذلك فإن القضية هنا هى المعيار المزدوج المطبّق فى الحدثين.

غزو العراق يوضح لنا أننا لا نتعلم أبدًا من الغزوات والتداعيات التى تليها. غزت الولايات المتحدة العراق فى ٢٠٠٣ بذرائع كاذبة وواهية. تداولت الولايات المتحدة فكرة أن العراق يشكل تهديدًا أمنيًا عليها، وعلى الرغم من التأكد بأن العراق ليس لديه أسلحة دمار شامل ولا علاقة له بهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فقد حشدت الولايات المتحدة الدعم والتأييد الكافى لغزو العراق. ومع ذلك تجاهل العالم الخداع الأمريكى ووقف وراء الغزاة. ومقارنة بالضجة الحالية ضد روسيا لم تظهر إدانة للغزو الأمريكي. وحتى إن كانت أسباب التدخل الروسى واضحة إلا أن روسيا منبوذة اليوم.

أدى غزو العراق إلى احتلال استمر حتى عام ٢٠١١، وكان له عواقب وخيمة حتى عام ٢٠١٧. فقد أوجد وجودًا قويًا لتنظيم القاعدة فى العراق وتسبب فى نشر الفتنة الطائفية وزاد من النفوذ الإيرانى فى المنطقة وأوقع عددًا هائلاً من القتلى وخلق أزمة إنسانية دائمة. لكن لم يتعرض قائد الغزو جورج بوش الابن ورفيقه رئيس وزراء إنجلترا تونى بلير إلى النقد الشرس أو المطالبة بإدانتهما بجرائم حرب مثلما هو الحال اليوم مع الرئيس الروسى. دعنا نقيِّم تصوير وسائل الإعلام الغربية للحدثين والنفاق الذى استتبعه. خلال غزو العراق وقف العالم ساكنًا للحظة متخبطًا إلى حد ما، لكن سرعان ما أدار ظهره وترك العراقيين يواجهون مصيرهم البائس وحدهم. لم تكن هناك ضجة فى وسائل الإعلام الغربية على غرار ما نشهده اليوم بشأن أوكرانيا، ولا دعوة لفرض عقوبات غير مسبوقة ولا تلميح إلى حرب نووية. كما لم تكن هناك دعوات لتحركات دبلوماسية لوقف الغزو، وبالتأكيد لا لإغلاق المجال الجوى للغزاة. ضلّل الإعلام الغربى العالم بقبول غزو العراق.فى كتابه عن الحرب العراقية كتب مات طيبى عن تجاهل وسائل الإعلام الغربية حرب العراق قائلاً: إن الواشنطن بوست ونيويورك تايمز كانتا المحركين الرئيسيين للنزاع، وأُقيل الإذاعيان فيل دوناهو ووجيسى فينتورا بسبب شكوكهما فى الحرب، كما استولى الجنرالات وأعضاء الكونجرس على شبكات البث التليفزيونية، فلمدة أسبوعين قبل الغزو ضيف واحد من بين ٢٦٧ ضيفاًعلى شبكات التليفزيون شكّك فى الحرب. فى عيون وسائل الإعلام الغربية غزو العراق من قبل الولايات المتحدة كان بمثابة تحرير،أما التدخل في أوكرانيا من قِبَل روسيا فهو غزو عدواني من وجهة نظرهم.

فى سنة ٢٠١٥ فى محاضرة بجامعة شيكاغو تحدث عالم السياسة الأمريكى جون ميرشايمر عن أسباب وعواقب أزمة أوكرانيا. وألقى باللوم على الغرب، ورأى أن الغرب نزع أوكرانيا من فلك روسيا دامجا إياها فى الغرب، بمغزى واحد وهو جعلها حصنًا غربيًا على حدود روسيا. نظرًا لقرب أوكرانيا من روسيا يرى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن مثل هذه التحركات بمثابة تهديد وجودى وقال: إن انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو يشكل تهديدًا مباشرًا لروسيا. وقال أيضا: هل نحن بصدد نشر صواريخ على حدود الولايات المتحدة؟ لا، إن الولايات المتحدة هى التى أتت إلى منزلنا بصواريخها وهى تقف بالفعل على أعتابنا. لن يسمح الغرب أبدًا بوجود روسى فى ملعبهم. كانت أزمة الصواريخ الكوبية فى الستينيات مثالاً على ذلك عندما حاول الاتحاد السوفيتى إرسال قوات عسكرية إلى كوبا. يطالب بوتين بنفس التعامل اليوم: ألا تنقل الولايات المتحدة قواتها العسكرية إلى الحدود الروسية. صعّدت وسائل الإعلام الغربية من هجماتها على روسيا. لكن هذا ليس أمرًا غريبا فدائما تبث وسائل الإعلام الغربية صورة سلبية لروسيا. لماذا؟ لأنها تتصرف وفقًا للقواعد الأمريكية مركزًا الرؤية على روسيا القمعية. تقول وسائل الإعلام الغربية إن دخول أوكرانيا يفتح الطريق لمزيد من التوسع الروسى فى أوروبا وإنها لن تتوقف على أوكرانيا. هذا افتراض خاطئ لأن روسيا قالت إن التدخل سينتهى فور الاستجابة لشروطها. الوضع يتفاقم بسبب الإعلام الغربى الذى لايكل أو يمل من المبالغة والحث على الاستمرار فى الحرب بدلا من التشجيع على الجلوس إلى طاولة الحوار السلمى للاتفاق على وضع يرضى الجميع. يجب على وسائل الإعلام الغربية أن تقلِّل من الحدة بدلاً من المبالغة فيها حتى لا نستيقظ لنجد العالم على أبواب حرب نووية.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: