رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«قناة جونجلى» تخرج من الظل

فى سابقة هى الأولى على هذا المستوى، دعا الجنرال تعبان دينق نائب رئيس جنوب السودان للبنية التحتية، قبل أيام، إلى استئناف حفر قناة جونجلي؛ لمنع تكرار كارثة الفيضانات بولايتى جونجلى والوحدة التى تضرر منها 400 ألف مواطن بجنوب السودان، نتيجة زيادة الأمطار والمياه الواردة من بحيرة فيكتوريا، وقال دينق: دمرت الفيضانات عيش الناس وفقدنا أرضنا؛ والحل فتح الممرات المائية واستئناف حفر قناة جونجلى، على أساس شروط ومصلحة جنوب السودان فى المقام الأول، مضيفا دعونا نسمح لهذه المياه بالتدفق لأولئك الذين يحتاجونها فى مصر.

قبل ذلك، أوضح مناوا بيتر قاركوث، وزير الرى الجنوب سودانى، خلال أسبوع القاهرة للمياه، أكتوبر الماضى، أن منطقة السدود شهدت سقوط 120 مليار متر مكعب من المياه، فى عام 2021، ونحو 65 مليارا فى 2020، وكانت لا تزيد على 33 مليارا سنويا؛ ما أحدث صراعات بين القبائل على المناطق المرتفعة، ناهيك عن تعرض الأهالى بتلك المناطق لهجمات التماسيح والحيوانات المفترسة، مشيرا إلى أن تصريف المياه يحتاج إلى استكمال البنية التحتية من سدود وقنوات، من بينها جونجلى.

انبثقت فكرة القناة عام 1883، وأعيد إحياؤها عام 1947 على يد مدرسة الرى المصرية، على أساس أن تمتد بطول 360 كيلو مترا، من بور حتى ملكال، مرورا بأراضى القبائل النيلية الدينكا والنوير والشلك، تشق منطقة (السدود)، بجنوب السودان، والتى تشكل عددا لا يحصى من المستنقعات والقنوات الجانبية والبحيرات الراكدة، من أجل جرّ فواقد المياه إلى النيل الأبيض، ما يفيد السودان ومصر. بدأت أعمال الحفر فى قناة جونجلى عام 1978، وتم حفر 260 كم، وباتت قاب قوسين من الاكتمال، لكن نشوب الحرب الأهلية بين الجيش الشعبى لتحرير السودان بزعامة جون قرنق والحكومة المركزية فى الخرطوم عام 1983 أوقف العمل بالمشروع عند قرية الكونقر. كما لعبت قوى إقليمية ودولية دورا جوهريا فى عرقلة المشروع، فى إطار سعيها لحصار مصر فى زاوية الأزمة المائية الدائمة، وتمزيق صلاتها مع أشقائها من شعوب النيل، بإثارة المخاوف حول أضراره المحتملة، كتقليل معدل التبخر وهطول الأمطار فى قلب إفريقيا،مع بث شائعات حول نقل فلاحين مصريين لزراعة المنطقة، أو إثارة الشكوك حول الحضور المصرى فى دول الحوض، ووجدوا فى تأخر القاهرة فى تنفيذ تعهداتها لقبائل جنوب السودان بإقامة جامعة مصرية ومدارس ومحطات كهرباء ومياه الشرب ومجازر ووحدات رعاية بيطرية وغيره، ذريعة لإثارة القبائل، ما جعل الجنوبيين يظنون أن مصر تراوغهم، تحصل على مياههم مجانا دون أن تفى بوعودها التنموية، فتعطل المشروع بعدما أوشك على الانتهاء.

وفى 9 يناير عام 2011 استقلت دولة جنوب السودان، وكانت مصر من أولى الدول التى اعترفت بها، ثم واصلت دعمها جهود السلام والاستقرار والتنمية فى الدولة الوليدة، الزيارات المتبادلة بين مسئولى البلدين لا تنقطع، من هنا تأتى أهمية التصريح الأخير لنائب رئيس جنوب السودان حول استئناف العمل بقناة جونجلى، ما يستدعى التواصل بين القاهرة وجوبا، لمعرفة إن كان الأمر تصريحا عابرا أم اقتناعا سياسيا آن أوانه والبدء فى تنفيذه.تحوز مصر خبرات كافية، والتمويل ممكن، لو صدق العزم.

يكتسب مشروع قناة جونجلى جدوى عالية من شتى النواحى، يوفر مميزات وفوائد جمة لجنوب السودان والسودان ومصر، سواء بضبط وتطوير جريان مياه (السدود) وتقليل فاقد المياه،يوفـر المشروع،وفقا لبعض الدراسات، 4 مليارات متر مكعب فى مرحلتـه الأولى، و3 مليارات فى مرحلته الثانية، بينما يوفر مشروع بحر الغزال 7 مليارات متر، أما مشروع «مستنقعات موشار»، فيوفر 4 مليارات متر من المياه.

كل ذلك يجعل قناة جونجلى «ضرورة استراتيجية»، وركيزة لبناء شراكة تكاملية بين جنوب السودان والسودان ومصر، يقلل فواقد المياه ويطفئ الصراعات القبلية ويدفع مسيرة التنمية، ويزيد التبادل التجارى،إذ يسهم المشروع فى تأمين الغذاء والكساء، والقضاء على الفقر والمجاعات والأمراض وتوفير فرص العمل وتعزيز الصناعات الغذائية والنقل، فى الدول الثلاث؛ التى تستورد كميات هائلة من السلع الغذائية، يتيح المشروع تحويل منطقة السدود إلى أراض صالحة للزراعة والرعى وزيادة الثروة الحيوانية، والحد من انتشار الحشرات الناقلة للأمراض بعد تجفيف المستنقعات، كذلك تقع «جونجلي» فى إطار الربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط الذى اقترحته مصر، كوسيلة للتكامل والاندماج القارى، على أساس المصالح المشتركة، خاصة تسكين هواجس جيران جنوب السودان؛لتفويت الفرصة على مخططات الفتنة والصراعات لهدم وتقويض الجهود التوافقية والتنموية، بين دول الحوض.

تعد مياه النيل موردا مشتركا وعنصرا حيويا فى حل كثير من المشكلات التى تعانيها دول الحوض، تسقط عليها 1600 مليار متر مكعب مياه سنويا، لا يستفاد إلا بنحو 8% فقط، بينما تقع دولة مثل مصر فى نطاق الفقر المائى، يلامس نصيب الفرد 550 مترا مكعبا سنويا، إن قضية المياه اليوم أكثر أهمية من أى وقت مضى، فى أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسكانية والبيئية والثقافية، إن تقليل الهدر فى مياه النيل عن طريق مشروعات استقطاب الفواقد فى أعالى النهر، يحول دون جعلها محورا للصراعات كما يبتغى بعض الأطراف، إن مصر مطالبة بالسير فى كل السبل للحفاظ على شريان حياتها من أى أخطار، دون إغفال مصالح الآخرين.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: