رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السيسى والخروج من الدائرة المفرَغة للتخلف

لا بُد أن يتوقف كُل مهتم بالشأن العام، أيًا كان موقعه، أمام مُداخلة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى افتتاح مؤتمر تنمية الأُسرة المِصرية يوم 28 فبراير 2022. فقد وضع يده على قضايا فى عُمق التكوين الاجتماعى للمصريين اليوم والقيم السائدة بينهم ومدى توافقها مع التغيُرات التى يشهدها العالم وحركة العُمران والتقدُم التى تسعى مصر إلى تحقيقها. وكانت كلماته صريحة ومؤثرة ومُوجعة.كان الرئيس يتوقف أحيانًا ليتساءل عما إذا كان من المفروض لشخص يشغل موقعه الرسمى أن يتحدث فى هذه الأمور بهذه الصراحة، وكان رده بالإيجاب وذلك من واقع المسئولية التى يتحملها.

كانت المُناسبة هى إطلاق الخُطة الجديدة للتعامُل مع الزيادة السُكانية المُفرطة والتى تلتهمُ عائد كُل ما يحدُث فى مِصر من تنمية أولًا بأول، وبحيث لا يشعُر المواطن بها أو يستفيد منها. وإذا أردنا أن نُحدد جوهر ما تحدث فيه الرئيس فهو كيف تستطيع دولة ما ذات ناتج قومى محدود وعدد سُكان ضخم ومُتزايد أن تكسر الدائرة المُفرغة للتخلُف والتى وصفها بتعبير مُحاربة الجهل والتخلُف والفقر.

أشار الرئيس إلى مواضع الضعف والقصور القائمة كما لاحظها فى حياة ملايين المصريين البُسطاء القاطنين فى مناطق ذكر منها المرج والمطرية والخصوص. فتحدث عن ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، فقال: الناس فى مصر مظلومة مبتتعلمش كويس ومبتتعالجش كويس. وأقر بأن رواتب المُدرسين والأطباء منخفضة ومُتدنية وأنه كان يتمنى أن يُعطى لكُل موظف 30 ألف جنيه لو كان حجم الناتج القومى يسمح بذلك. ذكر الرئيس أنه على مدى ما يُقارب نصف القرن الفائت ازداد التباين بين الموارد المُتاحة من ناحية، واحتياجات المواطنين من فُرص تشغيل ورواتب وخدمات مُختلفة من ناحية أُخرى.

مما أدى إلى شعور المواطنين بعدم الرضاء فقال: الناس تعبانة وعاوزة تغيير صحيح...بس تغير ازاي؟ مُشيرًا إلى أن العدو هو ضعف قُدرات الدولة والمُجتمع، وأعطى مثالًا بالتعليم وضعف مُستوى الخريجين والانفصال بين تخصصات خريجى الكُليات النظرية وما يحتاجه سوق العمل من مهارات وقُدرات. مُبينًا أن هَدف الأُسر أصبح حصول أبنائها على الشهادة بغض النظر عما إذا كانت تُتيح لهم فُرصة للعمل أم لا.وانقِطاعًا منها اعترض على رفع مُستوى عملية التقييم والاختبارات لأن هدفها الرئيسى هو اجتياز الامتحانات ولو بطريق الغش. وضرب مثالًا آخر بوضع قانون خاص بالكشف الطبى على الشباب المُقبل على الزواج وكيف تم التحايل عليه بإجراء كشوف شكلية.وكذلك التحايل على السن القانونية للزواج وهو 18 عامًا، وكيف أن بعض الآباء يقومون بتزويج بناتهم وهن دون هذا السن بأربع أو خمس سنوات. ثُم تُسرع تلك الفتيات بالإنجاب فور زواجهن مما يُمثلُ عبئًا نفسيًا وجسميًا وتربويًا عليهن وهن لم ينضجن اجتماعيًا ونفسيًا فى هذه السن المُبكرة بما يؤهلهن لتحمل تلك المسئوليات. مما يؤدى إلى فشل كثير من تلك الزيجات وتدمير حياة هؤلاء الفتيات.

والناظرُ إلى أحوال مُجتمعنا اليوم يرصدُ تناقُضًا واضحًا بين قوى وتنظيمات وأفكار تسعى إلى التغيير والتقدُم وإطلاق طاقات المُجتمع وأُخرى تُحافظ على أوضاع وعلاقات موروثة مُعادية للتغيير والتقدُم. ويعنى التغيير فى هذا المقام العمل الدءوب على رفع مُستوى الإنتاجية الاقتصادية والكفاءة الاجتماعية فى مصر حتى يُمكن الخروج من الدائرة المُفرغة للتخلُف والانخراط فى مجموعة الدول الأكثرُ دخلًا وتقدُمًا.

ومن واقع خِبرات الدول التى حققت نجاحات تنموية ملموسة، فإن الشرط الرئيسى لتحقيق ذلك هو رفع قُدرات المواطن فى المجالات التعليمية والمهارية خصوصًا فى مجال التكنولوجيا المُتقدمة والذكاء الاصطناعى. ويتحقق ذلك من خلال رفع مُستوى الاختبارات والأخذ بالمعايير العالمية فى تقييم القُدرة والأداء. ويترتب على ذلك زيادة القيمة المُضافة التى يُحققها كُل شخص فى مجال عمله.

وتحقيق هذا الشرط يتطلب تضافُر الدولة والمُجتمع، وأن تُصبح زيادة الإنتاجية الاقتصادية ورفع الكفاءة الاجتماعية هدفًا للاثنين. فيتمثل دور الدولة فى وضع القواعد والإجراءات والنُظم التى تُيسرُ لأعداد مُتزايدة من الشباب المصرى اختبار أنفسهم وفقًا للمعايير العالمية وأن تتحمُل الدولة تكاليف استكمال تدريبهم حتى يصلوا إلى هذا المُستوى. أما دور الأفراد من آباء وشباب فهو تجاوز قيم الاستسهال والتحايل والحصول على الشهادة والوظيفة بأقل جُهد دون نظرٍ فى المعرفة والقُدرات التى يحصلُ عليها من هذه الشهادة أو القيمة المُضافة التى يُحققها فى عمله. فالتخلُف ليس حالة اقتصادية وحسب وإنما له مظاهره السياسية والاجتماعية. ومنها انخفاض المُشاركة العامة وضعف هيئات المُجتمع المدنى وذيوع ثقافة قبول الأوضاع القائمة والاستسلام لها كقدر محتوم. لذلك، فإن الخروج من الدائرة المُفرغة للتخلف والتخلُص من طوقه الذى يُمسك برقبة الدولة والمُجتمع يتطلب تضافُر جهود الجميع. فأشار الرئيس إلى ضرورة أن نتحرك كُلنا مع بعض... الجمعيات الأهلية والجامعات والإعلام لضبط الزيادة السُكانية المُنفلتة والتى هى حلقة حاكمة فى موضوع التخلُف والتنمية فى مصر.

لقد واجهت مصر هذا التحدى على مدى تاريخها الحديث وما زلت أذكر أنه فى نهاية حقبة الأربعينيات من القرن الماضى، فإن مُحاربة ثالوث الفقر والجهل والمرض كان شعارًا سائدًا فى بيانات الحكومة والنُخب السياسية، وما زال التحدى قائمًا ولكن فى ظروف مُختلفة. استطاعت دول أُخرى أن تكسرَ الحلقة الجُهنمية للتخلُف ونستطيع أن نُحقق ذلك بالإرادة السياسية للدولة وتنمية قُدراتها، وبإطلاق قُوى الأفراد والمُجتمع الداعمة لذلك.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: