رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
الخطأ القاتل!

أحـمــد البــــــرى

أنا سيدة فى منتصف الثلاثينيات، نشأت نشأة عادية لأب يعمل موظفا بإحدى الوزارات وأم من أسرة ذى مكانة اجتماعية مرموقة، ولى أخت تكبرنى بخمس سنوات وتعرف بأنها مسالمة ومطيعة إلى أبعد الحدود، فلا تعرف لغة الجدال والنقاش وترضى بكل شىء يختاره أبواها لها من اختيار ملابسها إلى اختيار زوجها، بينما أنا الابنة المتمردة التى لا تقبل أن تكون مسيرة فى حياتها، فأتخذ دائما قراراتى بنفسى مما جعل أختى هى الأقرب إلى أبى وأمى بطبيعة الحال، أنهيت مسيرتى التعليمية وبعد تخرجى فى الجامعة بستة أشهر تقدم شخص لخطبتى ورحبت به أمى ترحيبا كبيرا لأن عائلته تضاهى عائلتها، وخلال فترة الخطوبة لم أر من خطيبى إلا كل خير وأحببته كثيرا، وحاول كل منا ألا تظهر عيوبه ويُظهر أفضل ما فيه كعادة الغالبية فى مجتمعنا، ثم بعد الزواج وجدتنا مختلفين فى الطباع تماما، فلم نتفق على شىء، وبطبيعة شخصيتى أصبحت الكلمة النهائية فى المنزل لى، فأفعل ما أراه صائبا، أما هو فاقتصر دوره على توفير متطلبات المعيشة، توالت الأيام ولم يعرف الحوار طريقا لحياتنا مرة أخرى فحاولت إصلاحه حتى تستقيم أمور حياتنا لكنه لم يعبأ بما أقوله وواصل ضغطه علىّ بافتعال المشكلات حتى يتنصل من مسئولياته، وتحملت الكثير ظنا منى أن السنة الأولى للزواج عادة ما تكثر فيها الخلافات، ثم رزقنا الله بطفل وظننت أن ذلك سيغيره للأفضل، ولكن وبمرور الوقت أدركت أنه لا جدوى من أى شىء لأن الطباع لا تتغير أبدا وأن من شب على شىء شاب عليه.

مرت أيام كثيرة تعرضت فيها للضرب والإهانة والسب بأبشع الألفاظ وتحملت وكتمت فى نفسى ولم أحدث أحدا عن كل ما يدور لأحفظ خصوصية حياتى الزوجية، حتى فوجئت ذات يوم بأمى تحدثنى فيما بيننا من مشكلات والعجيب أنها راحت تمدح فيه وتذم فى تصرفاتى أمامه، وتعامَلت معى بمبدأ أننى دائما المخطئة ضمانا لاستمرار الحياة الزوجية، فهو دائما على حق ولا يعرف الخطأ إليه سبيلا، وعندما وجد هذه المساندة والدعم الغريب من أهلى، تلاعب الشيطان بعقله واعتبرها فرصة ذهبية فلجأ إلى الوقيعة بينى وبينهم فخاصمونى ورويدا رويدا تعمقت الفجوة وزادت الخلافات، وفى إحدى المرات حاولت التحدث معه عن مشكلات حياتنا رغبة منى فى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وما هى إلا دقائق معدودة حتى اشتد النقاش بيننا وضربنى ضربا مبرحا ففقدت وعيى لساعات حتى أفقت على صراخ طفلى، أما زوجى فلم يعد له أثر، ترك البيت وظل بعيدا عنا شهرين كاملين لم يحاول خلالهما معرفة أى شىء عن ابنه الذى تعرض لمرض نادر وتدهورت حالته الصحية، وعندما ظهر من جديد دخل علينا ولم يتفوه بكلمة واحدة كعادته، فقررت أن أواجهه قائلة إن حياتى معه قد انتهت وإن وجودى فى المنزل من أجل ابنى الذى يجب أن يحيى بين أبويه، وأكدت لزوجى أننى إذا طلبت الطلاق فسوف يكون قرارا نهائيا ولا رجعة فيه مهما يحدث فسمع كلامى بلا اكتراث.

 

دارت الأيام وكبر ابنى وكثرت استفساراته عن أبيه وعن تصرفاته فكنت فى كل مرة أحاول التهرب من الإجابة محاولة تجنب زيادة الاحتقان الموجود بالفعل، ووجدتنى قد وصلت إلى طريق مسدود وكرهت حياتى معه، وبعد تفكير عميق اتخذت قرارى النهائى وطلبت الطلاق، كما أخبرته أن علينا أن نجد حلا وسطا لتربية ابننا بأسلوب لا يؤثر على نفسيته وبأقل الخسائر الممكنة، وكعادته التزم صمته ولكن فى اليوم التالى انقلبت الدنيا رأسا على عقب, حيث أبلغ أهلى بما قلته له، فسألونى عن سبب إصرارى على الطلاق فزوجى من وجهة نظرهم ملاك ويعطينى الأموال التى أحتاجها ولا يسألنى أين أنفقها ولا متى أخرج أو أعود، كما يتيح لى حرية التصرف فى كل الأمور، وبدأوا حربا ضدى مارسوا فيها كل أنواع الضغوط، بدءا من المقاطعة التامة مرورا بمحاولة إقناعى بأن طلب الطلاق على غير رغبتهم يدخل فى باب عقوق الوالدين، وللأسف الشديد فقد تعرضت لبعض الاتهامات السخيفة والباطلة، مرة بأننى على علاقة بشخص طلق زوجته، ومرة أخرى بأننى أنوى الزواج من شخص كان يريد الارتباط بى من قبل، ولم أنشغل بهذا الكلام قدر انشغالى بما قالوه عن أن تصميمى على الطلاق فيه عقوق للوالدين، وبعثت برسالة إلى أبى وشرحت له موقفى بعد أن كره الحديث معى أو حتى مجرد رؤيتى بسبب كل هذه الادعاءات الكاذبة، وقلت له:«أبى العزيز، يؤسفنى أن الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، ولك كلماتى الأخيرة التى سوف ألتزم بعدها الصمت تماما، أريد إبلاغك بأننى قد بحثت فى الأمر وعلمت بأن الزوجة هى التى تقرر ما إذا كانت تريد الطلاق أم لا وفقا للضرر الواقع عليها ولا علاقة لذلك من قريب أو بعيد بعقوق الوالدين كما كنتم تحاولون إيهامى، وأعلم أنك شديد الخوف علىّ من ألسنة الناس لكن ذلك لا يعنينى فالناس سوف يتحدثون فى كل الأحوال سواء كنت سعيدة أو حزينة، وأنا فى النهاية المتضررة الوحيدة، لكن ما يعنينى هو موقفكم الغامض والغريب تجاهى وأنا ابنتكما، وكيف تظنون بى كل تلك الظنون، إن حياتى مع زوجى قد توقفت عند هذا الحد ولا رجعة عن موقفى، وأبسط حقوقى هى أن أحيا فى راحة وهدوء نفسى فيما تبقى لى من عمر، إنكم حدثتم كل الجيران والمعارف بمشكلتى لكى يثنونى عما اعتزمته فخسرتمونى وخسرتكم، فمن جاءوا للحديث معى جرحونى بما فيه الكفاية ومن كثرة الضغوط أصبت بمرض فى الأعصاب، ولم أعد أستطيع الاستغناء عن الحبوب المهدئة التى أصبحت جزءا من روتينى اليومى، أنت تعلم أنى أحبك كثيرا ومن المفترض أنك كنت تحبنى أيضا فماذا حدث لكل ذلك؟ ولماذا تدفعنى إلى البحث عن مشاعر الأب وأنت على قيد الحياة؟»

لم يرد علىّ أبى حتى الآن وأمى كذلك ترفض الرد على رسائلى واتصالاتى، ويطالبانى بأن أظل على ذمة زوجى أمام الناس وليفعل هو بحياته ما يشاء، أما الضرب فمن وجهة نظرهما ليس مبررا للطلاق، لقد رحل زوجى عن البيت ولم نعد نراه واستمد موقفه من موقف أهلى ورفض دفع مصاريف الدراسة لولدنا، ولم أجد حلا سوى رفع دعوى خلع ضده ودعوى نفقة، ومازلت أتساءل لماذا يتعامل الآباء والأمهات بهذا الأسلوب وما الحكمة فى ذلك؟ وكيف يرضى زوج بالعيش مع امرأة كرهت الحياة معه؟ وكيف أتصرف فيما أنا فيه وأحيا بقية عمرى فى هدوء وراحة بال؟

 

 ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد بدأت حياتك الزوجية بخطأ قاتل، لأن العلاقة الزوجية لا تسير على هذا النحو، ولكن يحكمها التشاور والاحترام المتبادل، حاولت أن تتجملى خلال فترة الخطبة، ولم تظهرى شخصيتك المتمردة على حد تعبيرك، وللأسف فإن تفكيرك الخاطئ هو الذى قادك إلى ما أنت فيه، فمنذ يومك الأول كزوجة تتعاملين مع الأمر على أنه صراع أو منافسة على تولى زمام الأمور، فلا يُعقل أن تفعلى ما ترينه مناسبا وصائبا مهما تبلغ قدراتك ومهاراتك دون الرجوع لزوجك لأن القيادة بالطبيعة البشرية تكون للرجل وعلى المرأة أن تسانده وترشده وتشد من أزره وتقومه، وهى بحكمتها تستطيع أن تبنى بيتها ويمكنها بحماقتها أن تهدمه فى غمضة عين.

لقد حاولت جاهدا البحث عن سبب مقنع لما وصلتما إليه بعد الحب الذى جمعكما فى البداية، فلم أجد خطأ واضحا ارتكبه زوجك فى حقك سوى أنك تعرضت للضرب منه، ورغم اعتراضى على تلك النقطة لكنك لم تشرحى طبيعة الخلاف الذى دار بينكما، وأغلب ظنى أنك كنت حادة الطباع معه منذ اللحظة الأولى لزواجكما بدليل قولك إنك صاحبة الكلمة العليا فى البيت وربما تحدثت إليه بكلمات جارحة لكنك لم تفصحى عن التفاصيل المهمة التى يكتمل بها المعنى واكتفيت بالإشارة إلى أنه سلبى ويلقى بالمسئولية كاملة على عاتقك، ولا أدرى كيف تصرين على أن تكون لك الكلمة الفاصلة فى البيت، وفى الوقت نفسه يكون لزوجك دور القيادة فيه! إنه تناقض واضح يرجع إلى تركيبتك الشخصية والطريقة التى تربيت بها، وهذا مافهمته من طريقة سردك أوصاف شقيقتك ومقارنة نفسك بها.

وعلى أى حال فإنك إزاء الأوجاع التى تعانين منها فى حياتك الزوجية أمام خيارين، إما الصبر وإما الانفصال، فكلما صبر الإنسان على أوجاعه وحاول أن يتأقلم معها أحس بالرضا ولو بعد حين وأتذكر هنا قول جبران خليل جبران زرعت أوجاعى فى حقل من التجلد فنبتت أفراحا بمعنى أن الصبر مفتاح الفرج، فقد يلين زوجك وتتبدل طباعه، وعليك أن تستعينيِ فى ذلك بالله عز وجل فكلما قويت علاقة الإنسان بربه صح فكره ونضج سلوكه وصفت نفسه وحقق سعادته وعليه أن يسعى إلى إصلاح وتغيير ما يمكن إصلاحه أو تغييره, والرضا بما لا يمكن التعامل معه محتسبا ما يفعله عند الله تعالى ومتوكلا عليه.

وفى استطاعة كل منا أن يتأقلم ويتعايش مع بلواه مستثمرا ومستفيدا منها وإن ذلك من عزم الأمور فإذا كنت قد جربت كل هذه الحلول وعجزت تماما عن مواصلة الحياة معه فمن حقك أن تنفصلى عنه وهذا هو أخف الأضرار وليعلم أبواك أن إصرارهما على استمرارك معه دون رغبة منك سوف تترتب عليه عواقب سيئة عاجلا أو آجلا.

إننى أفهم أن يتدخلا لإصلاح ما فسد بينكما ويعملا على رأب الصدع الذى أصاب حياتك الزوجية فى إطار من التكتم الشديد لكن أن يتحدثا بمشكلتك مع الآخرين حتى أصبحت سيرتك على كل لسان فهذا ما لا يقره دين وتأباه النفس، وما كان لرجل عاقل مثل أبيك ولا سيدة متزنة مثل أمك اللجوء إلى هذا الأسلوب، ولا أدرى ما السبب لتغيرهما المفاجئ تجاهك، أو المبرر لاستمرارك مع زوجك ما يزيد على ثلاثة عشر عاما وأنت كارهة له.

وأرجو أن تبدئى الحل العملى لأزمتك بالتوقف عن إرسال الرسائل والحديث مع الآخرين حتى لو جاءوا من طرف أهلك فالتزام الصمت فيه السلامة، أما الكلام الذى يزيد احتقان النفوس فإن عاقبته الندامة وتبقى بعد ذلك الخطوة الأخيرة وهى الطلاق ـ وهذه الخطوة قد تلقى بك إلى الهاوية فتندمين أشد الندم ولكن بعد أن يكون كل شىء قد انتهى، وأصبح من المستحيل الرجوع إلى الخلف، ولذلك يجب أن تتريثى قبل الإقدام عليها، وتدرسيها جيدا وتقلبيها على كل الوجوه، فإذا تيقنت أنك لا محالة سوف تتخذى هذه الخطوة فليكن ما أردت بمواصلة دعواك أمام القضاء لكى تحصلى على الطلاق ثم طى هذه الصفحة تماما، والبحث عن سبيل للتواصل مع ابنك، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق