بالرغم من النتائج المبهرة والنجاحات المتصاعدة التى استطاعت كل من مصر والجزائر تحقيقها فى الأسبوع الماضى بكثير من البراعة والرشادة السياسية.
ناهيك عن الحكمة والإدارة الاستثنائية للقيادة السياسية المصرية وذلك ما ظهر جليا خلال زيارة الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون للقاهرة فى اول زيارة له ولرئيس جزائرى منذ أكثر من خمسة عشر عاما ويزيد.
حيث برز التوافق والتماهى فى كل آن لم يكن عديد المجالات والمسارات بدءا من العلاقات الثنائية والحرص على تعميقها تفويتا لما سبق من جمود وكمون وصولا للقضايا العربية والإفريقية ومرتكزات الأمن القومى لكلا البلدين فى فتح ثغرات عديدة فى جدار أزمات متصلب كان عصيا على أحداث الاختراق الثنائى للبلدين مجتمعين.
إلا أن النجاح الأكبر الذى لم يتطرق إليه البعض أن لم تكن الأغلبية هنا وهناك أن تلك الزيارة كانت اكبر انتصار ومعبر لإنهاء وتجاوز سنوات الغليان والتوتر والجفاء فى العلاقات. حيث كان شخصى شاهدا عليها لسنوات طويلة قرابة عشرين عاما بعضها عايشته وتواصلت معه وتلامسته بشكل مباشر لأكثر من أربع سنوات عندما كنت مديرا لمكتب الأهرام بالجزائر بدءا من عام ٢٠٠٥ حتى نهاية عام ٢٠٠٩ قبل ساعات معدودة من مباراة كرة القدم المشئومة فى الخرطوم بين فريقى البلدين حيث كانت الغضبة الكبرى وأسابيع الغليان والتأزيم الفج.
حيث كان المتوقع والمرتقب آنذاك أكثر مما حدث بكثير خاصة ان كانت موجات الغضب والاحتقان ودعوات النفير للاقتصاص فى كلا الجانبين قد بلغت مداها وبنى على الشيء مقتضاه بفضل مواكب الغضب وحملات الترويع فى العاصمتين.
حيث العلة فى ظاهرها تنافس وصراعات مباريات كرة القدم إلا أن النار كانت دوما تحت الرماد حيث الانسداد السياسى كان قائما لفترات طويلة والمناكفات التى ربما بعضها بين القيادتين فى ذلك الوقت مبارك ـ بوتفليقة. خاصة أن العلاقات بينهما دوما ما تتسمم بالبرود والجفاء وهو سر احتار حوله العديدون فى البلدين حتى المقربون فى دوائر صنع القرار استعصى الأمر على الفهم بينهم سنوات عدة. وبالتالى كانت دائرة الجزائر حلقة مجمدة فى دوائر الدبلوماسية المصرية لسنوات عدة وتعطلت محركات التشغيل والإقلاع المصرى سنوات عدة فى منطقة المغرب العربى لهذا السبب.
وكذلك الحال للدبلوماسية الجزائرية حيث حدث الانكفاء لديهم سنوات طويلة وربما انسحب الأمر على حضورهم فى الإقليم العربى فى غالبيته وكانت حجتهم دوما استمرار واشتداد مرض الرئيس بوتفليقة. والذى استمر لأكثر من ١٦ عاما منذ اكتشاف إصابته بمرض سرطان الأمعاء ليلة الثالث من ديسمبر عام٢٠٠٥ ونقله ليلا الى مستشفى فال دوغراس بباريس حتى وفاته العام الماضى وبعد عامين من خلعه.
ناهيك عن حجتهم فى الجزائر طيلة سنوات مرض الرئيس أنهم منشغلون بإعادة ترتيب البيت الجزائرى لما بعد بوتفليقة.
بالرغم من ان الرجل كان يحب مصر كثيرا وله ولع كبير بكل ماهو مصري. ولديه يقين أن القاهرة هى سيدة الجغرافيا والسياسة فى العالم العربي. وان ماضى العرب كحاضرهم ومستقبلهم يجب ان يصنع دوما فى مصر باعتبارها الأقدر وصاحبة امتياز قلب وعقل العرب وحجر الزاوية والحاضنة الكبرى لهم.
ولا غرابة ان استمر هذا السكون والجمود كل تلك السنوات ربما الجزء الأكبر والمسكوت عنه بعد ذلك صراحة بسبب ماجاء بعد سنوات الربيع العربى حيث شواغل البلدين كانت موجهة ومنصبة على معالجة ومجابهة التغييرات الداخلية حيث محاولات جادة ومستميته لإنقاذ وتثبيت الدولة المصرية وتحصينها من السقوط.
فى مقابل مقاربة الجزائر منذ ذلك الوقت منع سقوط بوتفليقة حيث كان التركيز الأكبر توفير التحصينات الكبرى لعدم وصول الضربات الارتدادية لثورات الربيع العربى الى الجزائر. ولكنهم فشلوا ووصلت ثورة التغيير للإطاحة ببوتفليقة وان كانت تأخرت ست سنوات.
إلا أن تلك الصور تغيرت الآن تماما خاصة بعد الاستقرار والنجاحات التى حدثت فى مصر منذ عام ٢٠١٤ . وتولى الرئيس السيسى مقاليد الأمور وأحداث النجاحات والمعجزات السياسية بعودة الدور والمكانة والحضور المصرى فى الإقليم وعلى المستوى الدولي. وكذلك على المستويات الاقتصادية والتنموية والإنمائية وقبل كل ذلك رحلة النجاح البارع باستعادة الأمن والاستقرار لمصر فكانت تجربة ملهمة للجزائر وعديد دول الإقليم بعد ذلك.
فكان التلاقى والتقارب المصرى الجزائرى فى عهد قيادة تبون الجديدة فى الجزائر وحدثت الكيمياء السياسية والشخصية منذ ان التقى الرجلان ـ السيسى تبون فى القمم العربية والإفريقية واجتماعات برلين لإنقاذ ليبيا. حيث كان القرار طى صفحة الماضى بكل اشكاليته وتبعاته الى الأبد.
وجعل كل ماسبق خلف ظهر المصريين والجزائريين. ولتفتتح صفحة وعهد جديد فى مسار العلاقات الأخوية عنوانه الأبرز التضامن والتكامل والترابط الأبدى لأجل مصالح الشعبين والبلدين وتعميق الجهد المشترك لإنقاذ الوضع العربى الراهن من انكساراته الكارثية العاجزة.
وسرعة ترميم الجروح العربية وتحييد الخلافات بين دول الإقليم العربي. وهذا ماسيتجلى فى قادم الأيام بفضل التحرك الثنائى لإنقاذ وإنجاح القمة العربية المرتقبة التى ستحتضنها الجزائر فى يونيو المقبل حسب الموعد المضروب حتى الآن. ناهيك عن الجهد والحراك الجزائرى المرتقب بشأن قضية سد النهضة خاصة أن هناك مبادرة جزائرية مطروحة منذ العام الماضى وتحظى بحظوظ من النجاح.
وربما بجهد وديناميكية جزائرية قادمة مع أطراف الأزمة الثلاثية تؤتى نجاحات وثمارا فى القادم المرتقب. بكل تأكيد نتائج وثمار القمة المصرية - الجزائرية وزيارة الرئيس تبون الأخيرة سيكون لها مابعدها من نجاحات وتوافق على جميع الأصعدة بعد أن نجحت فى ضربة البداية بإغلاق وطى صفحة العشرين عاما من الخلافات والتوترات والكمون والخلل والتباعد فى علاقات البلدين والذى أصبح اليوم من الماضى.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: