على مدى سنوات، تدور حرب بين إيران وإسرائيل دون إعلان رسمى. حرب ساحتها الأرض والبحر والجو، وتشمل أسلحة القتال بمختلف أنواعها، إضافة إلى الأنشطة الاستخباراتية والذكاء الاصطناعى.
ومع أن البلدين لا تجمعهما حدود مشتركة، فقد تفننت كل منهما للوصول إلى حدود الآخر. فوصلت إيران إلى الحدود الإسرائيلية من خلال حزب الله فى جنوب لبنان، وحركة حماس فى فلسطين، ونقل صواريخها إلى الحدود السورية ـ العراقية.
ووصلت إسرائيل إلى إيران من خلال هجماتها المُتكررة على الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا. وقامت بضرب أى تموضع إيرانى بالقرب من حدود سوريا معها. ومن خلال تنفيذ أعمال تخريب وتدمير فى المنشآت النووية الإيرانية، واغتيال علماء لهم صلة بالبرنامج النووى، كان أبرزهم محسن فخرى زاده فى نوفمبر 2020.كما قامت إسرائيل بهجمات سيبرانية لتعطيل أجهزة الطرد المركزى المستخدمة فى تخصيب اليورانيوم.وترددت معلومات عن دور استخباراتى إسرائيلى فى عملية اغتيال قائد فيلق القُدس بالحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى فى مطار بغداد يناير 2021.
وفى البحر، تعرضت السفن التجارية وناقلات النفط التابعة للبلدين لأعمال تخريب غامضة لم يعلن أحد مسئوليته عنها، وإن كان كل منهما قد اتهم الآخر بتدميرها. كانت السفن الايرانية هى الأكثر تعرضاً لهذه الحوادث التى شهدتها مياه بحر العرب والخليج العربى والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، واستخدمت فيها الألغام البحرية والطائرات بدون طيار. ورددت وسائل الاعلام الإسرائيلية أن ناقلات النفط كانت تحمل شحنات إلى سوريا، وأن السفن كانت تنقل أسلحة إلى وكلاء إيران فى لبنان واليمن. وفى المُقابل، تعرضت السفن الإسرائيلية لحوادث مشابهة. وفى إحدى المرات، تعرضت ناقلة بترول ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة إسرائيلية للهجوم بواسطة طائرة بدون طيار فى بحر العرب قبالة سواحل سلطنة عمان. وترتب على الحادثة مصرع اثنين من البحارة، أحدهما بريطانى والآخر رومانى. اتهمت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل إيران بتدبير هذا الهجوم، وبانتهاك قواعد حرية الملاحة. بينما أنكرت إيران أى صلة لها بالحادث. ينبغى أن نضع هذه الأحداث فى سياقها، فكل من الدولتين تعتبر قوة إقليمية لها مشروعها السياسى والاقتصادى لمستقبل الشرق الأوسط، وتحكم العلاقات بينهما حالة عداء مستحكم تمثل فى إلغاء اعتراف إيران بإسرائيل بعد قيام الثورة عام 1979، بل سلمت مبنى السفارة الإسرائيلية فى إيران إلى منظمة التحرير الفلسطينية ليصبح سفارة فلسطين، وأصبح الهجوم على إسرائيل هو أحد مصادر شرعية النظام الجديد الذى قام بدعم المقاومة المسلحة الفلسطينية وخاصة حركة حماس. من جانبها، اعتبرت إسرائيل أن سياسات إيران فى سوريا ولبنان تمثل خطرا على أمنها وأن برنامجها النووى يمثل تهديدا وجوديا لها، وهو ما عبر عنه رئيسها فى ديسمبر الماضى بأن إيران قنبلة موقوتة تهدد إسرائيل والشرق الأوسط بأسره وينبغى تحييد برنامجها النووى بشكل نهائى باتفاق أو بدونه. لذلك، عارضت إسرائيل الاتفاق النووى مع إيران المُبرم فى 2015، واستخدم رئيس الوزراء نيتانياهو كل وسائل الضغط لمنع التوقيع عليه، وكان أكبر المُرحبين بقرار الرئيس ترامب بالخروج منه 2018. واستمراراً لهذا الموقف، فإنها تسعى لدى واشنطن حتى لا تقدم تنازلات ذات شأن فى المباحثات الجارية فى فيينا، وتقدم لها المعلومات الاستخباراتية التى تشير إلى تخطيط إيران لإنتاج المواد الانشطارية التى تمكنها من تصنيع السلاح النووى.
وفى أغسطس 2021، بدأ موقف إسرائيلى جديد فى الظهور. فبينما حرص المسئولون الإسرائيليون من قبل على نفى صلة بلادهم بما يحدث فى إيران، فإنهم يتحدثون اليوم عن استعداد بلادهم للقيام بعمل عسكرى منفرد لمنع إيران من الحصول على السلاح النووى. ووَرَد هذا المعنى فى خطاب رئيس الوزراء نفتالى بينيت أمام الجمعية العامة بالأمم المتحدة، واستمر تبادل التهديدات بين البلدين وفى ديسمبر 2021 أقر البرلمان الإسرائيلى ميزانية إضافية مخصصة للإنفاق العسكرى بقيمة 2.5 مليار دولار، وفسر المراقبون هذه الزيادة بأنها استعداد لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، ونشر الصحف الإسرائيلية أخباراً عن احتفاظ الجيش ببنك معلومات عن الأهداف الإيرانية التى يمكن ضربها إذا تطلب الأمر ذلك. وردت إيران باعلان مناورات بحرية كبرى باستخدام مختلف الأسلحة التى تشير إلى ضرب العمق الإسرائيلى. ورغم هذا التصعيد فى الخطاب الرسمى الإسرائيلى، فليس من المرجح قيام إسرائيل بضربه منفردة ضد إيران لأسباب عدة أهمها: عدم امتلاكها القدرات العسكرية التى تمكنها من ضرب مواقع المنشآت النووية المتناثرة فى أرجاء إيران فى نفس الوقت، وأنه سيكون باستطاعة إيران توجيه ضربات عسكرية ضدها باستخدام الصواريخ الباليستية التى قامت باستعراض قُدراتها فى ديسمبر الماضى فى مناورات عسكرية ضخمة، وكذا من خلال أذرعها فى لبنان والعراق وسوريا واليمن. ثم إن هناك بُعداً آخر، إذ تؤكد إيران أن إسرائيل لا يُمكن أن تشن حرباً عليها دون موافقة أمريكية ودون تعاون دول أٌخرى فى المنطقة معها. وأن الرد الإيرانى سوف يشمل الدول الحليفة لأمريكا فى الخليج، والتى تسمح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوى لضرب إيران. تدرك الدولتان أنه فى حالة قيام حرب مفتوحة بينهما، فإنها لن تكون سريعة او قصيرة ولن تتوقف عند حدود الدولتين. وكلاهما يدرك أنها حرب تكلفتها مرتفعة جدا ولن تنتهى بغالب ومغلوب.
لمزيد من مقالات د. على الدين هلال رابط دائم: