رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الصعيد والحركة السياسية فى مصر

على مدى العصور كان الحُكام يُسيطرون على القاهرة والوجه البحرى بينما كان الصعيد بعيدًا عن سيطرتهم المُباشرة وتحكمه تحالفات قبلية وعشائرية، واقتصرت العلاقة مع السُلطة فى القاهرة على دفع الضرائب المُستحقة وتقديم الغلال.
وكان الصعيد هو الملجأ الذى هرب إليه الأمراء والمماليك الذين تمردوا على السلطة الحاكمة أو انهزموا فذهبوا إليه لتجميع قوتهم. وفى القرن الثامن عشر وفى خضم الصراعات السياسية بين المماليك، نزح إلى الصعيد على بك الكبير، وكل من إبراهيم ومراد بك، وعاد إليه مراد بك مرة ثانية بعد خلافه مع إبراهيم عام 1783 حتى الصلح بين الاثنين 1785، ثم فِرارهما مرة ثالثة إلى الصعيد هربًا من القوات العثمانية عام 1786. ولذلك، وصف المؤرخ المِصرى عبدالرحمن الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار» الصعيد بأنه ملجأ الأمراء والفُقراء.


وفى مُقابل ذلك، أرسل حكام القاهرة عشرات التجريدات العسكرية للقبض على الأمراء الفارين إلى الصعيد ووقف أنشطتهم ولمنعهم من تجميع الأنصار واستعادة نفوذهم بالتحالف مع شيوخ القبائل العربية. وأريدُ أن أتوقف فى هذا المقال أمام ثلاث محطات تُمثلُ الدور السياسى والوطنى للصعيد وهى دور شيخ العرب همام، ومُشاركة أهالى الصعيد فى مُقاومة الحملة الفرنسية، وفى ثورة 1919.
المحطة الأولى تتعلق بالشيخ همام بن يوسف رئيس عرب الهوارة والذى اشتهر بعد إنتاج التليفزيون مُسلسلًا عنه باسم «شيخ العرب همام» عام 2010، والذى ألفه المُبدع عبد الرحيم كمال وهو من مُحافظة سوهاج.


كان الشيخ الشخصية السياسية ذات النفوذ الأكبر فى الصعيد. وتمتع بدرجة عالية من الاستقلال عن الدولة المملوكية فى القاهرة، وكانت له قوة عسكرية كبيرة من الهوارة والعرب والمماليك الفارين من حكم على بك الكبير. واستخدم قوته لحماية الفلاحين من مختلف مظاهر الظلم التى كانت تقع عليهم. ولذلك لقبه الجبرتى بـ«عظيم صعيد مِصر».
أصبح الشيخُ همام قوة سياسية وعسكرية لا يُستهان بها، هددت مركز على بك الكبير فى القاهرة، فأرسل قائد قواته محمد بك أبو الدهب إلى الصعيد لمُنازلة قوات الشيخ همام ولم ينجح فى مسعاه إلا بالخديعة والمكر، فقد استمال إلى صفه ابن عم الشيخ همام وهو إسماعيل أبو عبدالله. وعندما علم الشيخ بذلك، مات مهمومًا عام 1769.  وكان للصعيد دوره البارز فى مُقاومة الحملة الفرنسية وذلك كما سجله د. نبيل السيد الطوخى فى كتابه بعُنوان صعيد مصر فى عهد الحملة الفرنسية الصادر عام1997. بدأت صفحات هذه المُقاومة بعد هروب زعيم المماليك مُراد بِك إلى الصعيد وذلك لإعادة تنظيم قواته بعد هزيمته أمام قوات نابليون فى معركة إمبابة فى يوليو 1798. مما دفع بونابرت إلى تنظيم حملة بقيادة الجنرال ديزيه لاحتلال الصعيد وإخماد أى مُقاومة مُحتملة.


وبالفعل، تم احتلال الفيوم وبنى سويف والمنيا، ولكن القوات الفرنسية سرعان ما واجهت مقاومة عنيفة على يد أهالى الصعيد من فلاحين وعرب إضافة إلى المماليك. ودارت معارك شرسة فى سوهاج وطهطا وجهينة وبرديس وجرجا وبنى عدى والمنيا عام 1799. كما دارت معارك مماثلة فى سمهود وجزيرة فيلة والردسية وقنا وأبو مناع وبئر عنبر وأسوان واسنا وابنود النيلية وهى المعركة التى اشترك فيها أعداد من عرب الحجاز الذين قدموا لنصرة القبائل العربية فى الصعيد.
وإلى جانب ذلك، قامت القُرى بتزويد المُقاتلين بما يحتاجون إليه من المؤن والغلال، ودفعوا ثمنًا غاليًا لذلك فقد عاقبتها السُلطات الفرنسية بالتدمير وإشعال الحرائق كما حدث فى أبو جرج وبنى عدى وابنود فى مارس 1799.


وتكبد الفرنسيون من جراء ذلك خسائر كبيرة فى الرجال والعتاد واستمرت مُقاومة أهالى الصعيد للحملة حتى بعد توقيع مراد اتفاقية صُلح مع الفرنسيين قبل فيها الحُكم الفرنسى فى مُقابل منحه ادارة الصعيد. وتكاد لا تُوجدُ مدينة أو قرية فى مُحافظات الصعيد لم تُقدم شُهداء إبان تلك المُقاومة.


ولم تكُن مُشاركة أهالى الصعيد فى ثورة 1919 أقل. وسجل عبد الرحمن الرافعى فى كتابه ثورة مصر 1919 الصادر عام 1946عشرات التفاصيل عن الانتفاضات التى شهدتها مُدن الصعيد وقُراه والتى كان من أهم مظاهرها مُقاومة الجنود البريطانيين وتحطيم خطوط السكك الحديدية. تبلورت الأحداث فى أبريل 1919 مع توزيع السُلطات البريطانية أمراَ يفرض على الأهالى تحية الضُباط البريطانيين وإلا سيتم  مُعاقبتهم. وكان الرد هو تحطيم خطوط السكك الحديدية لمنع حركة القطارات التى تحمل القوات والأسلحة، وقاموا بالسيطرة على المصانع التى يمتلكها أجانب، ومنها مصنع السُكر فى قِنا.


وفى مواجهة ذلك، ردت السُلطات البريطانية بعُنف فقامت بالهجوم على القُرى لإخماد المُقاومة فيها. وعندما استعصى عليها ذلك، صبت الدبابات حِممها عليها. وأقام البريطانيون محاكم عسكرية لمعاقبة الفلاحين الذين اتهمتهم بالاعتداء على الضباط البريطانيين وتم إعدام 34 مصريًا من ديروط ودير مواس. وكان الصعيدُ مُشاركًا أيضًا فى العمل السياسى وضم أول تشكيل للوفد أربعة من أعيانه وهُم محمد محمود وحمد الباسل وويصا واصف وفخرى عبد النور. وكان القمص سرجيوس أحد أبرز خُطباء الثورة .
ويستمر عطاء الصعيد، فى فترة ما بعد ثورة 1952، فى شخوص المئات، منهم د.حكمت أبو زيد أول امرأة تقلدت منصب الوزارة وكُل من البابا شنودة الثالث والشيخُ محمد سيد طنطاوى والشيخ أحمد الطيب، والمُشير محمد حسين طنطاوى وفى شخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: