رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى محبة أحمد صدقى .. الموسيقار النحات

 تم تشييد الموسيقى العربية الحديثة على أيدى أربعة استلموا الراية من  سيد درويش، هم محمد القصبجى وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى، حفر كل واحد منهم نهرا رقراقا فى الوجدان، يغمر عشاق الموسيقى بالصفاء حتى وقتنا هذا، واهتم المتخصصون والصحفيون بالنجوم الأربعة، وهم يستحقون  المزيد لا شك فى هذا، ولكن يوجد جيل تال لم ينل ما يستحق من حفاوة، قدم هدايا يحتفظ بها الجميع فى مكان ما بداخله.

هذا الجيل كان من أبرز رموزه محمد فوزى ومحمود الشريف وأحمد صدقى وفريد الأطرش وعزت الجاهلى، هؤلاء، وغيرهم، قدموا للموسيقى العربية تراثا عظيما مؤثرا، والتذكير بهذا التراث وبهؤلاء الآن ضرورى ليس فقط بسبب القيمة العالية لمنتجيه، ولكن لصد الهجمات الشرسة التى تتعرض له آذاننا من كل اتجاه.

أحمد صدقى الذى تحل ذكرى رحيله يوم 14 يناير الحالى صاحب منزلة كبيرة فى الموسيقى الشرقية العربية، ليس فقط بسبب ألحانه التى تجاوزت ثلاثة آلاف لحنا، ولكن بسبب مسيرته وتكوينه الفريد وثقافته، وارتباطه بالتراث الفرعونى، هو نحات فى المقام الأول، تخرج فى كلية الفنون التطبيقية  منتصف اِلثلاثينيات، وعمل رساما فى المتحف المصرى حتى سن التقاعد، وتتلمذ على يد عميد الأثريين المصرين سليم حسن، جولاته مع المنقبين على امتداد خريطة مصر جعلته يقترب من كل أشكال الموسيقى التى تذخر بها بلاده، الشعبى والبدوى والدينى، لم تمنعه وظيفته التى ترقى فيها ليصبح كبير رسامى هيئة الآثار من ممارسة هوايته كنحات، والمشاركة فى المعارض الكبرى، واشترى الملك فؤاد تمثاله « محمدين النوبى» بعشرين جنيها، بعد إشادة الناقد الفرنسى ميريل به، وله أيضا تمثال جميل يحمل اسمه «الفلاحة المصرية»، الى جوار ذلك كان مهتما بالموسيقى، والتحق بمعهد فؤاد «الموسيقى العربية»، وجلس بين يدى الشيخ درويش الحريرى (أستاذ عبد الوهاب وزكريا والشيخ إمام عيسى) ليتعلم المقامات الموسيقية، وعمل ككورس مع أكثر من فرقة، أثناء ذلك تم ترشيحه للسفر إلى معهد دافنشى للرسم الأثرى فى روما، وشرع فى تعلم الإيطالية، ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية غير كل الخطط، فواصل دراسة الموسيقى، خاطبت الإذاعة مدير المتحف المصرى أحمد يوسف لتزويدها بمادة علمية عن وفاء النيل، لعمل برنامج غنائى يقوم بتلحينه الشيخ زكريا أحمد أحد أهم أساتذة صدقى، فلم يجد الرجل غير النحات دارس الموسيقى لكى يقوم بالمهمة، اختلف زكريا مع الإذاعة، فرشح المدير صدقى لتلحين العمل، ونجح نجاحا باهرا، وتم اعتماده به فى الإذاعة بدون اختبارات، وبدأ رحلته العظيمة فى مجال التلحين، أسس «ركن الريف» فى الإذاعة، وقدم من خلاله مجموعة من الأصوات الرائقة ، من مزايا أحمد صدقى المولود لأب كان ضابطا كبيرا فى البوليس فى مدينة العياط فى أكتوبر 1916، أنه مارس الموسيقى كهاو رغم كل إنجازه، ودافع عن قناعاته، للدرجة التى تخلى فيها عن حلم التلحين لأم كلثوم لأنها تدخلت فى عمله وهو يلحن لها «أغار من نسمة الجنوب»، هذا الفنان كما كتب إلياس سحاب كان من بين قلائل من كبار الموسيقيين الذين ظلوا متمسكين بنفسهم الشرقى الأصيل، ولم يقتربوا فى أى لحن من ألحانهم من الموسيقى الأوروبية، لا الكلاسيكى منها ولا الخفيف، شأنه فى ذلك شأن العبقرى زكريا أحمد، وكان تمسكه أشد من تمسك حتى زميله محمود الشريف، الذى بقى تمسكه مستمراً بروحه الشرقية الأصيلة، لكنه جنح فى حالات قليلة إلى تأثرات جميلة ببعض ألوان الموسيقى الأوروبية، مثل تانجو «اطلب عينيا» لليلى مراد، أما أحمد صدقى فقد ظل بعيداً حتى عن تلك التأثرات البسيطة، بالألوان الموسيقية الأوروبية، اخترع صدقى سبعة إيقاعات جديدة فى الموسيقى الشرقية، وسماها بأسماء أولاده، قدم للإذاعة 500 عمل من بينها عوف الأصيل وليلة من ألف ليلة وأم شناف والشاطر حسن وتمر حنة وسوق بلدنا، وقدم مقامات الحريرى، وبعد ثورة يوليو قدم أشهر أغنيتين : «ع الدوار» لمحمد قنديل، و«أمجاد يا عرب أمجاد» لكارم محمود، برع أيضا فى تقديم الأغنية البدوية مثل «يا صحرا المهندس جى»، فى السينما بدأ مع ليلى مراد فى فيلم شط الغرام، شارك فى تلحين أكثر من 120 فيلما، لحن لكل الأجيال، بدءا من صالح عبد الحى وفتحية أحمد، حتى إيمان الطوخى ولطفى بوشناق، انحاز إلى أصوات الصف الثانى مثل نجاة على وشهرزاد وحورية حسن وعصمت عبد العليم وسعاد مكاوى وسعاد محمد وكارم محمود وعبد الغنى السيد ومحمد قنديل وعباس البليدى، وأخرج بألحانه منهم أجمل ما فى تراث الإذاعة المصرية من غناء، والى جوار هؤلاء غنى له عبد الحليم وشادية وليلى مراد وصباح ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد أجمل الأغنيات، كان ينقب عن الأصوات ويقدمهم بمحبة غامرة، واختير بسبب نزاهته وعلمه الغزير رئيسا للجنة اختيار مقرئى القرآن الكريم فى الإذاعة، تقدم بمشروع أوبريت كبير عن قناة السويس تم رفضه، وبدءا من سنة 1963 قل إنتاجه لأسباب ليس له دخل فيها، وخاف أن يحدث معه ما حدث لأستاذه زكريا الذى ابتعد عن التلحين لأكثر من عشر سنوات لأسباب لا علاقة لها بالفن، ولكن روحه الطيبة وإخلاصه وموهبته الكبيرة جعلوه يواصل مشروعه ويبشر بأصوات جديدة حتى رحيله فى مثل هذه الأيام من سنة 1987 .. ألف رحمة ونور.


لمزيد من مقالات إبراهيم داود

رابط دائم: