الصحافة القومية أكبر من مجرد حصرها فى الصحف الورقية التى تصدر عن المؤسسات القومية. ولعلى لا أكون مبالغا إذا قلت إن ما يجرى من حصر الصحافة القومية فى مجرد الصحف الورقية الصادرة عنها إنما يستهدف فى الأساس الحكم عليها بأن مآلها إلى زوال مع تلك الصحف الورقية، لتجريد الدولة من أحد أهم حصونها. الصحافة القومية تعبر عن مهنة بقواعد راسخة هى مهنة الصحافة، أيا كان الوسيط الذى يحملها إلى القارئ صباح كل يوم كما فى الصحف الورقية أو لحظة بلحظة كما فى الصحف الإلكترونية وما شابهها.
ولأن الصحافة القومية أكبر من كونها صحفا ورقية ولأنها تحملت ومازالت تتحمل الكثير من الأعباء والضغوط الناتجة عن أمور ليس لها علاقة فى الغالب بالجانب الصحفى، فإن مشكلاتها أيضا أكبر مما قد تعانيه صحيفة هنا أو هناك. والجيل الراهن فى الصحافة القومية يتحمل وزر مشكلات كثيرة تراكمت عبر سنوات طويلة، نتيجة السياسات التى اتبعتها إدارات المؤسسات القومية السابقة وكذلك السياسات التى اتبعتها حكومات سابقة أيضا. حال الصحافة القومية الآن مع الفارق يشابه حال الدولة المصرية التى عانت عبر عقود ماضية سياسات تغاضت عن التعامل الجدى مع المشكلات، مفضلة سياسة المسكنات، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ويسعى الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل جرأة لمعالجة تلك المشكلات التى تحول بعضها إلى أورام خبيثة كادت تسقط الدولة.
وفى تقديرى فإن مرحلة التعافى والاستشفاء، التى تمر بها الدولة منذ سبع سنوات حتى الآن، بعد أن ظن البعض أنها قد سقطت وأن محاولات إفاقتها تبدو محفوفة بالمخاطر إن لم يكن بالفشل، سيكون لها آثارها الإيجابية على حال الصحافة القومية.
الصحافة القومية
والمتابع المنصف لما يحدث فى الصحافة القومية حاليا لابد أن يلمس بوضوح حجم التغيير الجارى والقدرة على التصدى لآثار مشكلات ورثتها الصحافة القومية منذ عقود، انطلاقا من أن تلك الصحافة تمتلك كل مقومات الإفاقة أو «الريمونتادا». آخر وأوضح الأدلة على ذلك ما خرج عن اللقاء الذى جمع رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى مع المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة. فاللقاء يؤكد أولا مدى تقدير الحكومة للدور الذى تقوم به الصحافة القومية، ومدى حرص الحكومة على مساعدتها للتغلب على التحديات التى تواجهها، وهو أمر يُعد فى تقديرى عاملا حاسما فى مدى قدرة الصحافة القومية على مواصلة دورها كأحد أهم روافد القوة الناعمة المصرية، وأحد أهم أركان عملية تشكيل وعى حقيقى، يمكن المصريين من التصدى لكل ما من شأنه المساس بتماسك وقوة المجتمع المصرى. وثانيا فإن اللقاء شهد تأكيدا من المهندس عبدالصادق الشوربجى لرئيس مجلس الوزراء أن الصحافة القومية لديها القدرات الكافية للنهوض ولا تشكل ذلك العبء الجبار على الدولة، كما يدعى مهاجمو تلك الصحافة، وأن الهيئة بدأت عملية جادة لوضع الصحف القومية على طريق الإصلاح الحقيقى، حيث أكد الشوربجى أنه يتم العمل على زيادة الموارد الاستثمارية للمؤسسات الصحفية القومية، وذلك بهدف تحقيق ما نصبو إليه من تنفيذ برامج التدريب والميكنة، ومواكبة أحدث ما وصل إليه العالم فى الصحافة الورقية، مشيرا إلى الجهود المبذولة فيما يتعلق بالاهتمام بالأصول الثابتة المملوكة للمؤسسات الصحفية القومية، والعمل على تعظيم الاستفادة منها. وتؤكد الأرقام التى أعلنها المهندس عبدالصادق أنه قد تم تقليص معدلات الخسائر فى المؤسسات بنسبة 10% تقريباً، بينما لا يتعدى الدعم الوارد من وزارة المالية خلال العام المالى 2020/2021 ما يمثل 33.5% تقريباً من إجمالى أجور العاملين بالمؤسسات الذى يقدر بنحو 2.1 مليار جنيه، و22.5% تقريباً من إجمالى الأجور والمصروفات. هذه الأرقام تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإصلاح ممكن وقد بدأ بالفعل وبدأت الصحافة القومية تحصد ثماره، والمطلوب تكاتف الجميع سواء العاملون فى الصحافة القومية أو الحكومة والمجتمع لإنجاح عملية التطوير والإصلاح التى تقودها الهيئة الوطنية للصحافة، انطلاقا من أن الإعلام وفى القلب منه الصحافة خدمة وليس سلعة.
الصحافة والإعلام القومى المهنى خدمة لا غنى عنها فى زمن لا تتوقف آلة الحرب الإعلامية والنفسية وماكينات الشائعات عن إطلاق رصاصها على عقول وقلوب المصريين، لزعزعة ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على العبور إلى حياة كريمة ومستقبل أفضل يليق بمصر ومكانتها. الإعلام والصحافة خدمة أو إن شئت فهما سلاح رئيسى فى معركة مصر لتأمين المشروع الحضارى والتنموى الذى يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهما البوابة الملكية لعودة مصر لتقود المنطقة كما كانت دوما. والإعلام بشكل عام ــ كما قال الرئيس السيسى ــ مجال عظيم، ويأتى مع الثقافة والفنون، فى مقدمة أولويات اهتمام الدولة. إنه باختصار رمانة الميزان، والإنفاق عليه ليس فقط فى مصر بل فى كل دول العالم لم يعد ترفا.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت رابط دائم: